Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

[easy-share buttons="facebook,twitter,google,pinterest,linkedin,print,mail" counters=0 native="selected" show_fblike="no" show_plusone="no" show_twitter="no"]

تحولات الكوميديا العالمية… من التعبير الجسدي إلى ذكاء العبارة

تحولات الكوميديا العالمية… من التعبير الجسدي إلى ذكاء العبارة
استراحة و فنون - 5:13 - 17/06/2020 - عدد القراء : 832

 مهند الخيكاني

في البداية، هناك طبقتان من الكوميديا، وفق مشاهداتنا، تتشكلان في الأعمال الكوميدية. تُظهر الطبقةُ الأولى السياق الأساس الذي تقوم كل الشخصيات بصورة جزئية في تكوينه وتجسيد الانطباع الفكاهي فيه، بغض النظر عن الثيمة الرئيسية، حيث تدخل الكوميديا فيها كلمسةٍ على قصة رومانسية مثلا، أو محتوى أكشن ممزوج بالفكاهة، وهذا يعني أنها ليست كوميديا خالصة ولدينا أمثلة كثيرة عن هذا المزيج المتمثل بتصنيفات شاهدناها أغلبنا في وصف طبيعة هذه الأعمال، مثل دراما/ كوميدي أكشن/ كوميدي خيالي/ كوميدي. أما الطبقة الثانية فإنها تتألف من اتجاهين، الأول يتولد عبر عدة شخصيات محورية مثل أغلب المسلسلات الكوميدية الشهيرة مثل، «فريندز» و«ساينفيلد» و«نظرية الانفجار العظيم»، وغيرها. والثاني عبر شخصية واحدة محورية يتم التركيز عليها، وتكون هي مركز الطاقة التي تتوزع منها بقية الأدوار إلى الشخصيات المجاورة، ولدينا هنا نموذج يعزز هذه الطبقية وهو نموذج نادر، إذ أن الكوميديا فيها هي كوميديا خالصة ومضاعفة، لأن دور الشخصية البطلة في المسلسل هو دور مؤدية «ستاند آب كوميدي»، وسنتحدث عنه قليلا على اعتبار أنه لم يأخذ نصيبه المستحق من المشاهدة والجوائز.مسلسل the marvelous mrs maisel (السيدة مايزل الرائعة)، يتحدث هذا المسلسل عن شخصية محورية هي ميريام «ميدج»، قامت بدورها (راشيل بروسنان) وهي تحاول احتراف الكوميديا، بعد أن باء زواجها بالفشل، وذلك ما سيشكل لها صدمة، تدعوها إلى تأدية ستاند آب كوميدي بشكل عفوي يخلو من التصنع، كما أُريد له، تتحدث فيه بغضب وسخرية عن حياتها الزوجية، وتتخذها مادةً للارتجال أول الأمر، ثم تتوسع إلى موضوعات أخرى لإضحاك الجماهير. والظريف في هذا كله، أنها كانت تدعم زوجها الذي كان يحلم أن يصبح كوميديًا مشهورا، ولم يُكتب له ذلك، وحققت هي ذلك الحلم، بدون أن ترى في نفسها من قبل، أنها شخصية مرحة وقادرة على تقديم أداء مرتجل أمام الجمهور، ومن المكان نفسه الذي فشل فيه زوجها (جويل مايزل) الذي أدى دوره الممثل مايكل زيجين، حيث يكون انطلاقها نحو النجاح. وفي ذلك إشارة إلى المرأة المظلومة التي تنذر نفسها من أجل زوجها وعائلتها، ولكنها مع ذلك تتعرض للانتهاك بطرق مختلفة، كما حصل مع السيدة مايزل، فتكون رحلتها عبر الكوميديا تحقيقا لذاتها وانتفاضًا على واقع المرأة آنذاك، في حقبة الخمسينيات، حيث تدور قصة هذا المسلسل الأمريكي في عام 1958 في مدينة نيويورك، وهو من إنتاج سنة 2017، وقد عُرضت منه إلى الآن ثلاثة مواسم.فكانت الطبقة الأولى للمسلسل بأكملها مطبوعةً بالكوميديا في أصغر حواراتها، حيث تبدو كنكتةٍ طويلةٍ مجزأةٍ إلى مئاتٍ من النكت الصغيرة، وقالب الكتابة الأدبية طاغٍ على الحوار بشكل جلي، ومع ذلك تبدو مناخاتُ المسلسل كلها، مناخاتٌ لا تسير على قدمين، إنما على لوح تزلج وبسرعة ثابتة، وإيقاع محسوب غير حاد، تتحرك فيه الشخصيات والكاميرا أحيانا بشكل مسرحي، تتحول فيه المواقف الجادة والحزينة إلى شيء، يختلط بالمرارة والضحك معا، فلا يخلو مشهد حزين أو مفجع من روح الدعابة المنثورة على كل حركة وكلمة داخل المشهد، لدرجة أن المشاهِد يتمنى لو أنه يعيش الحياة بهذه الطريقة، التي تصبح فيها المآسي سخريةً بيضاء، لو صح التعبير، بدل الكوميديا السوداء المبكية المضحكة، على الرغم من أنه ضحكٌ مؤلم، ضحكٌ يدركه المتلقي جيدا، ويعرف الإنسان أنه ضحك مُبتلى، وغير أصيل، ولا يترك نشوةً حلوة ً أو راحة.أما الطبقة الثانية هنا فهي الأعمق، لأنها كما ذكرنا تدور حول شخصية تؤدي الكوميديا، وتبرع بكتابة وارتجال النكات من الحياة اليومية، عبر مواقف شخصية ممثلةً بحياتها الزوجية وحياة عائلتها، وأخرى تمر عليها كشاهدة، فتأخذ روحُ الدعابة واقعًا أعمق، وأذكى يعتمد على قوة الكلمة لا على الحركات الجسدية، فقد غادرت الكوميديا العالمية، الاعتماد على لغة الجسد وإمكاناته إلى قوة النص وذكاء العبارة وسرعة البديهة، على الرغم من أن دور ميريام لا يخلو من عينة من الأداء الجسدي، إلا أنها لغةٌ جادة ممزوجة بكلمات طريفة مضحكة، وليست لغة بهلوانية متكلفة.وتظهر الدعابة والنكتة في حفل توزيع الأوسكار والغولدن جلوب الشهيرين، حيث انحسر إلى حد ما اقتصار الكوميديا على ممثلين مختصين ومقدمي برامج من هذا النوع، بل شملت كل الممثلين، حتى أولئك الذين لم يمثلوا في حياتهم مشهدا كوميديا وهذا النوع من المسلسلات هو وجهة نظر مختلفة تجاه الحياة بكل جديتها وصرامتها وخيباتها المتراكمة. كما أنها تضم مشاهد في معظمها متداخلة في الحوارات، تعكس طبيعة الحياة الضاجة بالحراك والنشاط والعلاقات الاجتماعية الحميمة، إلى حد ما، وهو ما يعكس الزمن الذي تنقلنا إليه هذه المسلسلات، ولعل تحريك الكاميرا بطريقة تتماثل مع حركة أغلب المشاهد، جعلها أكثر قربًا ووضوحًا وصدقا، إذ أن تصوير المشاهَد فيها لم يعتمد كثيرا على اللقطات القصيرة، والزوايا الحادة، كانت هناك مرونة شاخصة في حركة الكاميرا تلتقط في حركة واحدة تدفقات الحوار. هذا النوع من المسلسلات، يشبه كثيرا الأفلام الكوميدية الشهيرة، تلك التي تستدعي بطلا معروفا في الكوميديا، فيما يكون حضور بقية الشخصيات في السيناريو جزءًا من حياة الشخصية البطلة لا أكثر وأحيانا تشاركه، مثل أغلب أفلام الممثل جيم كيري، وآدم ساندلر، وويل فيريل، وليسلي نيلسون الكوميدي الساخر، وإيدي مورفي وغيرهم الكثير. كما لا يمكننا إهمال التوجهات الواضحة نحو روح الدعابة التي تخللت الكثير من الأفلام والمسلسلات بكل أنواعها، إذ أصبحت الطرفة وإضحاك الجماهير متنًا مهما يشمل المختصين وغير المختصين في الكوميديا، ويظهر ذلك أثناء الحوارات في البرامج النهارية والأسبوعية والسنوية، مثل البرنامج الامريكي الذي يقدمه جيمي فالون، the tonight show starring jimmy fallon، وبرنامج ellen degeneres show، الذي تقدمه ألين دي جينيريس. والبرنامج البريطاني الشهير the graham norton show، الذي يقدمه غراهام نورتون، وقد وجدت هذه البرامج لها نسخًا مماثلة في التلفزيون العربي. كذلك تظهر الدعابة والنكتة في حفل توزيع الأوسكار والغولدن جلوب الشهيرين، حيث انحسر إلى حد ما اقتصار الكوميديا على ممثلين مختصين ومقدمي برامج من هذا النوع، بل شملت كل الممثلين، حتى أولئك الذين لم يمثلوا في حياتهم مشهدا كوميديا، وقد نشأ ذلك كله اعتمادا على قوة النص وذكاء العبارات والسياقات الحياتية التي تُصنع فيها الكوميديا بعفوية مطلقة، والتي تم تحويلها إلى صنعة يحترفها الكتّاب، ويؤديها أي ممثل. وكان هيو جاكمان مثالا على ذلك، يوم افتتح حفل الأوسكار سنة 2009 وشاركته الممثلة أن هاثاوي في إحدى الفقرات الغنائية، في الوقت الذي كان يفتتح مثل مناسبات كهذه، ممثلون ومقدمو برامج يختصون بالكوميديا.تلمسنا أولى ملامح هذه التحولات في الكوميديا من التصنع والاعتماد على مواهب الجسد الحركية والصوتية إلى الاعتماد على ذكاء الكتابة وذكاء المتلقي، من أيام مسلسل «ساينفيلد» عام 1989 ـ 1998، ثم مسلسل «فريندز» من 1994 ـ 2004، ومسلسل two and a half men، وصولا إلى المسلسل الذي تركز فيه معظم ما ذكرناه عن ذكاء الكتابة والاعتماد على الثقافة العلمية والمعرفية في سياقات كوميدية، هو مسلسل «نظرية الانفجار العظيم»the bing bang theory وهذه النماذج الكوميدية لا تعتمد على شخصية محورية، كما في «السيدة مايزل»، بل تميل إلى جعل كل الشخصيات الكوميدية شخصيات بطلة، وبشكل يغلب عليه التساوي نوعا ما في الأداء وقوة الحضور ورصانة الدور المسند للممثل. وبذلك تغادر الكوميديا باتجاهٍ يتطلب من المشاهد/ المتلقي، أن يكون فطنًا وسريع البديهة ولا ينشغل عن المشاهدة لحظةً واحدة، كي لا تفسَد الدعابةُ الذكية التي يتم تمريرها أثناء حوارٍ يومي مرّ علينا كثيرًا في حياتنا.

blog comments powered by Disqus
[easy-share buttons="facebook,twitter,google,pinterest,linkedin,print,mail" counters=0 native="selected" show_fblike="no" show_plusone="no" show_twitter="no"]

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

Capture

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
15°
14°
Sat
12°
Sun
الافتتاحية