Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

أعمال قديمة/جديدة… القبيلة بناء طبيعي يحمل مقومات “الديمقراطية” والتطور

أعمال قديمة جديدة - عادل عبد المهدي - 20:16 - 18/12/2021 - عدد القراء : 2771

نشرنا في مجلة “المجلة” الأسبوعية اللندنية في 21/6/2000المقال بالعنوان أعلاه ،فبعد كتابة مقال عن الديمقراطية وشروط تحققها بعنوان، “نمتلك مقومات أرقى لتحقيق الحريات والحقوق.. ولكن؟؟” والذي نشرناه في عدد سابق،  طلب بعض الأخوة الكتابة عن مدى مواءمة المجتمعات ذات الطبيعة القبلية أو العشائرية -كمجتمعاتنا- مع الديمقراطية.  في المقال السابق قلنا:إنّ الديمقراطية لا تعمل بدون وجود معادل أو معوض أو مقابل.فليس كل الديمقراطية حقوق، بل فيها واجبات.  وليس كل الديمقراطية أرباح ، بل فيها خسائر، وليس كل الديمقراطية حريات، بل فيها ضوابط وتقييدات. وليس كل الديمقراطية لمصلحة الجميع، بل فيها من يدفع الثمن ويتحمل الأعباء . ففي الديمقراطية وجه حسن ،وآخر قبيح. ووجه متسامح ،وآخر  عنيف،ووجه منفتح وآخر مغلق. من ناحيتنا لا نرى تعارضاً  بين الديمقراطية والقبلية إلا عندما تتحول القبيلةإلى مجرد تعصب وأنانية وانغلاق على الذات. أمّا القبلية المنفتحة، فهي كتشكيل اجتماعي وتاريخي وطبيعي، فإنها تسير بالخط الطولي للديمقراطية    التي تريد منح الحقوق للأغلبية الساحقة من السكان ولتشكيلاتهم المجتمعية المختلفة سواء أكانت تنظيمات سياسية أم  أسرية أم  قبلية أم  قومية أم  دينية، الخ.

عادل عبد المهدي

16/12/2021

 

القبيلة بناء  طبيعي يحمل مقومات “الديمقراطية” والتطور

عادل عبد المهدي

نُشر في مجلة “المجلة” اللندنية                                في 21/6/2000

إذا كان هناك من تناقض بين الدولة والمجتمع فإنه سيكون هناك تناقض بين الديمقراطية والقبيلة. أمّا إذا كانت الدولة ممثلة فعلا لاجتماعها ،وليس مجرد نخبة منسلخة، لها  مشروعها الخاص التي تسعى لفرضه على المجتمع مستخدمة أداة الدولة، فإن التناقض لن يحصل بين الدولة والمجتمع أو الديمقراطية والقبيلة. بل سيحصل التناقض بين دكتاتورية الدولة وتعسف      النخبة مع كل من المجتمع والقبيلة.

بالمقابل إذا ما تم احتواء نزعات التشاحن والأنانية والتعصب الضيق الذي قد يسم القبيلة، إمّا عبر تأثيرات الفكرة  الدينية أو الوطنية (لحصول الاحتواء)، أو كليهما، وحُركت، أيضا ، النزعات الايجابية كالجماعية والايثار والتكافل والتعارف والتوسع، فإن القبيلة ستعيش حالة انسجام مع مجتمعها، وبالتالي مع دولتها.

لقد فهم الاسلام التكوين الطبيعي للقبيلة وتعامل معها على هذا الأساس. لذلك يرد في القرآن الكريم.. {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن  أكرمكم عند الله اتقاكم}.. فالقبيلة نمو للوحدات الأصغر، وخط ايجابي وصاعد في التاريخ. وإنه من الخطأ تصور أن  الشعب هو تعداد من الأفراد، أو ان المجتمع هو مجموع المواطنين. المجتمعات، كل المجتمعات، هي أفراد وبنى و تكتلات قديمة ومستحدثة، فطرية وواعية. وإن رابطة الدم و الموقع و العقيدة والولاء والمصلحة كلها روابط طبيعية. وإن تلك النظرة التي شاعت في  القرن الماضي، و ما زالت منتشرة بين بعض المثقفين، والتي تصورت أن  الحياة تسير، نحو تدمير الروابط الفطرية لمصلحة الروابط الذهنية أو المصلحية، هي نظرة خاطئة تنطلق من ثنائيات متعسفة ومفاهيم نخبوية. لا اجتماعية ولا تاريخية. ولن تستطيع الدفاع عن نفسها. والأهم من ذلك لن تستطيع توفير متطلبات الحياة والبقاء، إلا بالقمع والقسر والفرض. فالفطرة لها مكانها، والعملية الذهنية أو المصلحية  لها مكانها، وإن تفاعل هذه العوامل، لا نفيها، هو الذي سيعطي للاجتماع وطرق تنظيمه، تكامله ومقوماته وقوته.

إنّ مشكلة البعض هي إنه سقط تحت تأثيرات الصور الرديئة، أو تحت تأثيرات أنماط معينة من الوعي المزيف. فهو يحارب القبيلة لأنه يحمل لها صورة دونية خاصة في ذهنه، أو تعريفاً متخلفاً في عقله. وإن على المخلصين أن  لا يغفلوا بأن الهجمة الاستعمارية والحكام المستبدين، شجعوا أنماطًا معينة من القبائل، تماما كتشجيعهم أنماطًا معينة من الأحزاب أو الثقافات أو النخب والأفراد. مما ولّد صوراً وأفكارًا هي أبعد ما تكون عن الواقع. فتدخلوا لتفكيك القبائل أو العشائر كما عرفها تاريخ الأمم، ليحلوا محلها زعامات تأخذ شرعيتها من فوق وليس من تحت. ولينصبوا مشيخات تخدم كل شيء إلا  أفرادها. لتتحول القبيلة ،كما يقول برنارد لويس “من منظمة رئيسها السيد أو الشيخ، والذي هو قائد منتخب وهو على الأغلب ليس إلا الأول بين رجال متساويين، وإنه يتبع رأي القبيلة قبل أن يقودها. وبدون ذلك لا يستطيع أن يفرض الواجبات أو يوقع العقوبات” إلى بنية فقدت الكثير من مقوماتها وعناصر حيويتها، فلم نعد نرى سوى السلبيات والأمراض، وفي هذا تعسف كبير. ويصف “اوجين روب”،كيف دمر الاستعمار الفرنسي القبائل الجزائرية  قائلا: ” تبدأ عملية الانتزاع خطوة خطوة، وتمرر بدون ان يحس بها اولا في الأفكار، ثم في الأفعال. وهكذا تضعف رابطة الدم وتتقلص وتنفصل الفروع عن الجذع، وتتعسكر القبيلة (في القرى) في مجاميع عائلية. وتصبح كل خيمة مركزا لمصلحة خاصة، هي مصلحة العائلة الخاص التي لها حاجياتها الخاصة وأمانيها الأنانية وميولها الضيقة. وهكذا توقفت القبيلة عن أن  تكون عائلة كبيرة أو جماعة، لكي تتحول إلى لا شيء، بل فقط إلى مركز سكاني أو كونفدرالية من الخيم مع خصيصة سياسية ورسمية محددة”

فإذا خرجنا من القبيلة المقتلعة من جذورها وذهبنا إلى القبيلة كما  تعمل في شروطها، فإننا سنقف أمام مؤسسة هي واحدة من أهم المؤسسات التي صنعها تاريخ التطورات الاجتماعية. وبقدر تعلق الأمر بالديمقراطية، فإن توليفة المولاة والجماعة التي تقوم عليهما القبيلة واللتان تعتبران ركائز أساسية لعملها، تقبل طوعاً فكرة الانتخاب والتداول والرأي الحر المقيد يمصلحة جماعته، والتي نعتقد إن  أثنين لا يختلفان في أن   هذه هي الشروط الدنيا لأي مجتمع ديمقراطي. القبيلة  مؤسسة لا تسحق الفرد بل تكرمه وتعزه. وهي مؤسسة لا تقرر إلا بعد أن تناقش، ولا تعزل إلا  بعد أن تجتمع، ولا توالي إلا  بعد أن تنتخب. فيتقوى الفرد بجماعته، وتتقوى الجماعة بأفرادها. بانسجام لا يختلف عن الانسجام المثالي المطلوب لعلاقة الأفراد باجتماعهم الأكبر. لذلك يقول الإمام علي (ع): “أيها الناس إنه لا يستغني الرجل وإن كان ذا مال عن عشيرته ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم، وهم أعظم الناس حيطة من ورائه وألمهم لشعثه ، وأعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به. ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما تقبض منه عنهم يد واحدة وتقبض منهم عنه أيد كثيرة”

ولولا هذه الحقيقة التضامنية الديناميكية التي تحملها القبيلة في قدرتها للتجدد والتمدد والتحول، وفي امكانية التركيبات الأخرى لاستعارة طرائق عملها، لما  شهدنا الحالات الكثيرة التي تحولت و تتحول فيه القبيلة إلى شعوب وأمم و قوى وأحزاب سياسية أو بالعكس. ومن هنا شيوع استخدام التعبير الذي بدأنا بسماعه مؤخرا، في الغرب بالذات، وهو القبيلة السياسية political tribe. وإن عودة مناقشة هذا الموضوع في الفترات الأخيرة سببه ليس فقط تعسف تلك الأفكار الاحادية التي فرضت نماذج شهدت وتشهد تآكلا متزايداً، بل سببه أيضا قوة الرابطة القبلية وكونها تنظيما طبيعياً لا يمكن إلغاؤه بالقمع, إذ حالما يرتفع عنها قمع السيف أو الفكر، فإنها ستعود للظهور ولاحتلال موقعها الطبيعي.

فالقبيلة حلقة أو دائرة بين دوائر وحلقات. وإن دورها لا يلغي لا الحلقات أو الدوائر الأدنى ولا الحلقات أو الدوائر الأرقى . فهي قد تكون تراكماً للأولى، وقاعدة من قواعد الأخيرة. وهي لا  تقف بتعريفها الاول والاساس، ولا في حقيقتها التاريخية، نقول : لا تقف لا ضد الاجتماع ولا ضد الدولة، ولا ضد امكانيات التطوير أو التفاعل مع غيرها. وإن إبراز بعض عوامل التنافر والتناقض لا تكفي لتقرير حقيقة مضادة. فالدولة أو القيم التي  تسعى لتدمير القبيلة لا يمكنها أن تطالب القبيلة بالقبول بها، تماما كالذي يسعى إلى الاعتداء على الأفراد وحرياتهم ومصالحهم فإنه لا يمكنه أن يمنعهم من الثورة والتمرد عليه.

إنّ هذا التناقض لن يبرز إلا لدى أولئك الذين يفكرون بدولة أقوى من المجتمع، أو حتى بدولة تلغي عملياً المجتمع. وإن الديمقراطية التي يريدونها هي ليست ديمقراطية القاعدة والشعب، بل هي ديمقراطية النخبة، إن لم تكن ستاراً لدكتاتورية حقيقية. أمّا الذي يضع الأولوية  للشعب والمجتمع، وبناه وتركيباته، ولا يرى قوة الدولة وممارساتها، إلا عبر قوة المجتمع وممارساته، فإنه سيجد توافقية، إما بمعنى التكامل أو  بمعنى تنظيم الاختلاف، بين الفرد والعائلة والقبيلة، أو  أية تركيبة تقوم على رابطة الدم أو  الموقع أو  الولاء أو العقيدة أو  المصلحة. إنّ جميع هذه الروابط قد تحمل اوجها سلبية أو  إيجابية. وهو ما يتطلب بالضبط رؤية الطابع الطبيعي والموضوعي والإيجابي لكل هذه التكوينات،  ومحاولة تصريف أو  تنفيس أو  احتواء الجوانب السلبية.

انتهى

 

2_1

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

الطقس في بغداد

بغداد
17°
27°
السبت
28°
أحد

استبيان

الافتتاحية