Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

السيمفونية شكل فني لن ينتهي

السيمفونية شكل فني لن ينتهي
استراحة و فنون - 0:27 - 02/09/2015 - عدد القراء : 1092

في عام 1849 اعلن ريتشارد فاغنر بثقته المعهودة “ان السيمفونية الأخيرة كتُبت”. لأنه آمن أن انفجار اصوات جوقته في السمفونية التاسعة هو ختام وليس بداية أو وسط… وهكذا يكون بتهوفن أول من دشن عصرا جديدا من الدراما الموسيقية.مرّ اعلان فاغنر دون أن يلتفت اليه أحد.  وفي العقود التالية كتب براهمز اربع سيمفونيات وتشايكوفسكي ست سيمفونيات ودفورجاك تسع سيمفونيات.  وبعد عام 1900 سقطت الفكرة القائلة ان تسع سيمفونيات تمثل الحد الأقصى ، كما ذهب شومبورغ حين تحدث عن سيمفونية مالر الناقصة قائلا “من يريد أن يتعدى هذا الحد يجب ان يموت”.  فكتب شوستاكوفيتش 15 سيمفونية وهافرغال براين 32 سيمفونية والن هوفهانسن 67 سيمفونية.  وحتى يومنا هذا انجز الموسيقار والمايسترو الفنلندي ليف سيغرستام 286 متخطيا “بابا” هايدن بسيمفونيته رقم 105 قبل أكثر من عشر سنوات.  كما تجاوز المؤلفون الموسيقيون حدود السبعين أو ثمانين دقيقة التي كانت تعتبر الحد الأقصى لوقت السيمفونية.  فان طول سيمفونية براين “القوطية” يبلغ ساعتين تقريباً وسيمفونية الموسيقار البريطاني ذي الأصل البارسي كيكوسرو سورابجي “جامي” التي لم تُعزف حتى الآن تستمر اربع ساعات ونصف الساعة وسيمفونية الروماني ديمتري كوكولين الثانية عشرة التي تنتظر هي الأخرى حفلها الأول قد تستمر ست ساعات. وبصرف النظر عن هذه الانتاجية الاستثنائية فان السيمفونية دخلت مرحلة افولها في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى مباشرة.  وان الثورة الحداثية التي فجرها ديبوسي وشومبورغ وسترافنسكي وبارتوك حدثت خارج اطار السيمفونية.  وبموت مالر عام 1911 بدا ان السيمفونية فقدت قدرتها على تشكيل العالم التي استمدتها من بيتهوفن.  وكان الانصراف الى الشكل يهدد الموسيقار بتهمة النزعة المحافظة والحنين الى الماضي وانتاج اعمال بورجوازية بالية مكانها المتحف.  وأخذت سيمفونية القرن العشرين تميل الى ان تكون نغمية في توجهها وفسيحة في تصميمها ، أو المعادل الموسيقي للمشهد الطبيعي في فن الرسم. ولكن لمرحلة الأفول اسباب تبعث على الرضا ايضا.  ويكتب الناقد الموسيقي اليكس روس في مجلة نيويوركر انه في أشهر الصيف البطيئة يستمع باستمرار الى اعمال سيمفونية على اقراص مدمجة مولياً السيمفونيات التي كُتبت في القرن العشرين اهتماماً خاصاً ، مثل سيمفونيات اندرزيه بانوفنيك وادموند روبرا وادوارد توبين الى جانب أعمال معروفة لكل من شوستاكوفيتش وسيبيليوس ونيلسن.  ويرى روس ان مسألة النزعة المحافظة في الموسيقى مسألة معقدة.  فالباحثون كثيرا ما ينسبون تعقيدات موسيقية حداثية الى أعمال اصولها هي المرحلة المتأخرة من الفترة الرومانسية التي عاشت دهرها على ما يُفترض.  وهم محقون في احيان كثيرة رغم ان صفة “الحداثة” يمكن ان تصبح بلا معنى في مجرى العملية.  فإذا كان رخمانينوف “حداثياً” مَنْ ليس حداثيا في هذه الحالة؟ لعل جاذبية الشكل تكمن في مكان آخر ، في حنين شكوكي يعارض الوجه المظلم من الحداثة الأقرب الى التيار السائد للأعمال الموسيقية السيمفونية في فترة ما بعد مالر هي اعمال شوستاكوفيتش.  فان سيمفونياته الأولى التي كتبها بتأثير الجماليات البلشفية ، تقترب من النموذج البيتهوفني.  وان سيمفونيته التي كتبها في فترة الارهاب الستاليني تعتمد هذا النموذج بحماسة لافتة ولكن اعماله اللاحقة وخاصة السيمفونيات التاسعة والرابعة عشرة والخامسة عشرة تعود الى تفكيك النموذج من جديد.  وتقع السيمفونية العاشرة بين هاتين النهايتين القصويين.وسُجلت مؤخرا اعمال نيلسن وسيبيليوس الاسكندنافيين احتفاء بمناسبات مرور 150 سنة على ميلادهما (كلاهما ولدا في 1865).  وقاد أداء سيمفونيات نيلسن الست المايسترو ساكاري اورامو مع فرقة ستوكهولم الملكية السيمفونية والمايسترو الن جلبرت مع فرقة نيويورك السيمفونية.  ولكن سيمفونية سيبيليوس السابعة لم تلق الاهتمام الكافي من الاحتفال بذكرى ميلاد مؤلفها رغم الحلقة الجديدة من اعماله بقيادة المايسترو جون ستورغاردس مع فرقة بي بي سي السيمفونية.  فان محبي سيبيليوس كانوا يتمنون الاستماع بقطع اكتُشفت حديثا تعود الى الفترة المتأخرة من حياته الفنية. ويعتبر الناقد الموسيقي روس ان سيكولوجيا السيمفونية تغيرت الى الأبد على يد سيبيليوس الذي فرض سردًا داخلياً معادياً للبطولة.  وان قلة من مقلديه الذين لا يحصون يستطيعون ان يضاهوا تمكنه من البناء الذي يبقى ثابتاً حتى وهو  يستطلع حالات من التوتر النفسي الشديد ، كما في السيمفونية الرابعة.
تتسم سيمفونية روبرا الرابعة ، وهي عمل رعوي بريطاني كُتب عام 1942 ، بواحدة من أكثر البدايات سحرا في الأدب وليس في السيمفونية شيء آخر يضاهي هذه البدايات.  ويقول الناقد الموسيقي روس انه يستمع اليها مرة على الأقل كل عام. اما سيمفونية توبين الرابعة (1946) التي تستوحي نضال ايستونيا ضد السيطرة السوفيتية فانها ذات خاتمة رائعة ، على حد وصف روس الذي يقول انه راض بسماع ما يسبقها بانتظار مجيئها.ثم هناك المؤلفون الموسيقيون الذين لم ينالوا حقهم من التقدير مثل وليام شومان الذي تستحق سيمفونيته الثامنة ان تُسمع بقدر ما تستحق اعمال مجايله كوبلاند ، او بوهوسلاف مارتينو الذي تضاهي سيمفونيته الثالثة (1944) الاحساس بالعجالة في زمن الحرب كما ينقله شوستاكوفيتش متجنباً الاستطالة في الوقت نفسه ، أو بانوفنيك البولندي الموهوب الذي لجأ الى بريطانيا هربا من الشيوعية وكافح من أجل الاعتراف الدولي بموهبته. شهد القرن العشرون تباطؤ الحراك السيمفوني ولكن كوكبة متنوعة من المؤلفين ظلت متمسكة بهذا الشكل ، من امثال الاميركي فيليب غلاس والبولندي كريستوف بنديرسكي.  وكتبت غلوريا كوتس المولودة في الولايات المتحدة والمقيمة في المانيا 16 سيمفونية حتى الآن.  وتبتعد كوتس في اعمالها عن بطولات الفترة الرومانسية.  وقالت ذات مرة “علي ان أغوص في الركن الأعمق من ذاتي لكتابة سيمفونية”. ان شكلا موسيقياً كان يتوجه الى الحشود الكبيرة يعيش الآن حياة انكفاء هادئة على النقيض مما كان في ذهن مالر الذي تخيل سيمفونياته تُعزف في ملاعب لعشرات الآلاف من المستمعين.  ويجري تجاهل الكثير من إرث هذا الشكل الفني في قاعات الموسيقى اليوم ولا نجده إلا في التسجيلات. ويشير الناقد  اليكس روس على سبيل المثال الى الموسيقار البريطاني روبرت سمبسون (1921 ـ 1997) الذي نادرا ما تُعزف سيمفونياته الاحدى عشرة الآن.  وكان سمبسون يدرك التغير الثقافي الذي حدث في الاستماع الى الموسيقى فكتب سيمفونيته السابعة للوسط التسجيل خصيصاً.  وقال سمبسون ان جمهور الأعمال السيمفونية سيكون “شخصاً واحداً يجلس على كرسي بمفرده”.وكان بعض المستمعين تساءلوا عما إذا كان سمبسون يصور في سيمفونيته السابعة فناء البشرية في حرب نووية أو حدثاً دينونياً آخر.  فأجاب ان النهاية حادة ولكنها قد تكون صورة اشخاص لا يواجهون حقيقة تقف أمام انظارهم.  وهو بذلك يعبر عن الرقي الفني الذي يمكن ان يحققه شكل فني يُزعَم انه عاش دهره وعفا عليه الزمن.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

الطقس في بغداد

بغداد
28°
27°
السبت
28°
أحد

استبيان

الافتتاحية