Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

“عراب العصر الإلكتروني” في فيلمين سينمائيين

“عراب العصر الإلكتروني” في فيلمين سينمائيين
استراحة و فنون - 0:17 - 31/08/2015 - عدد القراء : 1163

أسوة بالكتاب والفنانين تحظى سيّر المشاهير بجاذبية خاصة لمخرجي السينما. اذ شهد تاريخ السينما العالمية محاولات عدة، متفاوتة الجودة، لإنتاج ما يسمى بأفلام السيرة(بايوغرافي)، والتي لم يكن نجاحها متوقفا على شهرة الشخصية المتناولة أو المكانة التي شغلتها حسب. ذلك أن الشيء الأهم في السيرة التي يجري تحويلها إلى عمل سينمائي هو توفرها على قدر درامي وبعد إنساني، يسوغان اختيار هذه الشخصية دون غيرها، ويسمحان باستثمار ثرائها في عمل فني. ويبدو أن السيرة الأيسر للنقل إلى الشاشة هي تلك التي دونت بقلم صاحبها، على شكل مذكرات أو سيرة فكرية أو فنية، تعرض لأهم محطات حياته وأعماله، سواء كان كاتبا روائيا أو فنانا تشكيليا أو شخصية سياسية وسواها. وهناك من يرى أن معظم المشاهير حول العالم يمتلكون إلى حد ما، حيوات زاخرة بالتفاصيل والإثارة والمعاني الإنسانية. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن عملية تحويل سير المشاهير إلى أعمال سينمائية أمر مضمون النتائج، أو أن النجاح حليفه دوما، لمجرد شهرة الشخصية وشعبيتها، فثمة مسألة فنية مهمة تتعلق برؤية المخرج لسيرة هذه الشخصية والكيفية التي من خلالها سوف يتم تقديمها سينمائيا. ما الذي سيتم التركيز عليه وما الذي يتوجب حذفه من دون التأثير في مجرى سرد الأحداث أو في رسم أبعاد الشخصية المتناولة؟ أية زاوية يُفضل اختيارها للبدء بسرد الحكاية السيّرية، أية فترة زمنية من حياة تلك الشخصية مناسبة أو كافية لإضاءة جل حياتها ومنجزها؟ ما الدور الذي لعبته الشخصيات الثانوية في صياغة مكانة الشخصية الرئيسة التي يجري تناولها، وإلى أي حد يجب أن يكون العمل السينمائي وفيا للتفاصيل التاريخية في سير المشاهير؟ وربما الأهم من ذلك كله، هل أن اختيار سيرة شخصية ما لتحويلها إلى فيلم سينمائي هو فقط استجابة لدوافع تجارية، أم لنوازع فنية وثقافية أبعد من ذلك؟ أسئلة كثيرة تواجه صناع الأفلام، وتلقي بظلالها على أعمالهم، وتحدد تاليا مستوى نجاح العمل السينمائي جماهيريا ونقديا. خلال التسعينيات أقدم مخرج بريطاني على معالجة جانب من حياة الشاعر الأكثر شهرة في بلده ت.اس.اليوت في فيلم سينمائي يتناول حقبة من حياته، لكنه مني بالفشل. ليس فقط لأن ليس ثمة من يهتم لمشاهدة رجل انكليزي محافظ يمضي جل وقته في احتساء القهوة والثرثرة مع ثلة من العجائز المحبين للشعر، بل لأن الفيلم ذاته افتقد إلى الرؤية الحاذقة وكرس صورة نمطية عن الشخصية، أبعدته عما يمكن أن يكون مؤثرا في مسار حياتها ومواقفها وخيباتها أيضا. في الغضون لاقى فيلم المخرج الاسباني ماركوس زورنغا(اختفاء غارسيا لوركا-1996) داء اندي غارسيا، نجاحا مأمولا بالنسبة لسيرة شاعر شكلت حياته دراما حقيقة اختتمت بمصرعه على أيدي الفاشيين الاسبان. ويمكن التذكير بعدد غير قليل من أفلام السير التي نالت استحسان جمهور المشاهدين:فان كوخ، بيكاسو، مودلياني، تشي،كابوتي،فريدا كالوا، تاتشر-امراة حديدية،نيرودا-ساعي البريد،نيكسون…الخ إجمالا ليست سير الشخصيات التي يتم تناولها هي وحدها من يحدد سبل نجاح نسخها السينمائية، وإنما الجهد الذي يبذله السيناريست والمخرج وبقية طاقم العمل لتخليق هذه السيرة سينمائيا، وإظهارها بمستوى ادائي وفني متميز.
اسانج: سيرة، إثارة، شهرة
ليس في الفيلمين السينمائيين اللذين تصديا لسيرة مؤسس موقع ويكليكس، الاسترالي جوليان اسانج، الرجل الأكثر شهرة حول العالم حاليا، ما يفيد بأننا ازاء شخصية درامية تصلح لأن تكون مادة مميزة لفيلم سينمائي يسعى إلى ان يجتذب الجمهور ويحقق نجاحا يذكر، لكن في المقابل نجد في حياة هذه الشخصية قدرا كبيرا من الاثارة والغموض والمغامرة واللعب الخطر مع الكبار، عبر كشفها المزيد من الوثائق والأسرار التي تدين دول وتفضح مؤسسات وشخصيات دولية متورطة في أعمال نهب وحروب وجرائم ضد الإنسانية.الفيلم الاسترالي الموسوم(Underground The Julian Assange Story-2012) للمخرج روبرت كونولي اكتفى-كما يشير عنوانه- بالوقوف عند حياة أسانج (الممثل اليكس ويليامز)،تحديدا في بدايات ظهور اهتمامه بالتقنيات واكتسابه مهارات التعاطي مع الحاسوب خلال فترة مراهقته. هذا الفيلم الحاصل على خمس ترشيحات لدى عرضه في عدد من المهرجانات السينمائية الدولية، تناول الميول التي تولدت لدى عراب العصر الإلكتروني “اسانج” في ظل ظروف من المعاناة النفسية، تعرض لها هو وعائلته واضطرته تاليا للرحيل خارج المدينة، بعيدا عن السلوك العنيف لزوج أمه. في هذا الناحية يلمح الفيلم إلى أن هناك لحظات زمنية فاصلة تشكل هوية الفرد وتترك أثرها على عقليته لترسم فيما بعد خريطة مستقبله. وشخصية اسانج مثلما بدت في الفيلم تشكلت في سياق هوسه بعالم الكومبيوتر وخباياه، وبراعته في التحكم به وتسخيره لإشباع فضوله وحماسه الذي يتخطى حدود هذه الآلة، وإن على نحو جعل مصادر معرفة الرجل وثقافته التي يستمد منها عزمه على تحدي السلطات، غير مقنعة للمشاهد، فهو بنظر البعض ليس أكثر من قرصان في زمن العولمة(هكرز) يسدد ضرباته بمهارة نحو خصومه، إلى درجة أن مغامراته ستقوده لاحقا بمعية اثنين من أصدقائه إلى أفعال غير قانونية تنذر بعواقب جسيمة، كلما جرى العمل على اختراق موقع حساس أو نشر وثائق رسمية. مع أن الحوادث التي يعرضها الفيلم تبدو بالنسبة لـ”اسانج” وكأنها رهان لعرض القدرات العقلية لمستخدمي الحاسوب قبل ظهور الانترنت، عبر ربطه بمودم يؤمن إجراء شبكة اتصالات تخرق أنظمة أمنية عالية المستوى في استراليا وأمريكا ودول أخرى، وستؤدي في النهاية إلى القبض على اسانج وإيداعه السجن بعد نشره وثائق تعود للبنتاغون وتكشف عن أهداف وتحركات عسكرية أمريكية ومواقع حساسة من المتوقع استهدافها في العراق عشية حرب الخليج الثانية. حفل الفيلم بالكثير من المبالغات، وتضمنت بعض مشاهده حيلا تقنية تحاول إقناع المتفرج بالقدرات فوق العادية لاسانج والتي تجعله قادرا على قطع التيار الكهربائي عن أحد أحياء مدينته بضغطة زر من كومبيوتره الشخصي لمجرد إبهار عشيقته بقوة مهاراته. تتوقف سيرة اسانج في هذا الفيلم عند إلقاء القبض عليه من قبل السلطات الاسترالية وإيداعه السجن. لكن دعواه المتمردة ستظل مستمرة، ملهمة للآخرين ومقلقة في الوقت ذاته أصحاب النفوذ والسلطة. اما فيلم المخرج بيل كوندون الموسومThe Fifth Estate-2013)) الذي أنتج بالتعاون بين شركتي “دريم ووركس” و”بارتيسيبان ميديا” بكلفة بلغت نحو 30 مليون دولار، فلم يحصل خلال عرضه سوى على 4 مليون دولار، واعتبر فشلا ذريعا في تاريخ الشركة المنتجة، حتى أن صاحب ويكليكس صرح للصحافة، بان إخفاق الفيلم يعود لضعف فكرة السيناريو واعتماده على الكثر من التلفيقات المغرضة. لكن اسانج في المقابل ليس متعاونا مع صناع الأفلام ولا يثق بحماسهم، وربما يكون محقا في رأيه هذا بالنظر لدوافع الشركات المنتجة التي لا تفكر أبعد من جني الأرباح، وقد تكون النتيجة مماثلة لما حصل قبل سنوات مع فيلم(الشبكة الاجتماعية) للمخرج ديفيد فينشر والذي تناول حياة الشخصية الأكثر شهرة في العالم حينذاك، ونقصد مؤسس فيسبوك”مارك زاكربرغ”. ربما كانت حياة اسانج مادة مثيرة لفيلم وثائقي، كان قد صنعه المخرج مارك ديفيز عام 2010 واسماه (Inside WikiLeaks).يبدو اسانج في فيلم المخرج بيل كوندون بمثابة روبن هود عصره، يغامر بنفسه وبما يملك من عزم من أجل اظهار الحقيقة، التي تظل نسبيتها محل جدل هنا، فيحشد حول شخصه المؤثر المئات من المتطوعين المجهولين والموزعين في شتى بقاع العالم الذين يرسلون تقارير ووثائق خطيرة تكشف عن حقائق مختلفة لم يتعرفها الجمهور سابقا. يحزن اسانج لمقتل اثنين من أتباعه في كينيا ويتصرف بأبوية ثورية تجاه الآخرين، لا سيما مع أقرب معاونيه(الالماني دانيال شميدت) لكنه في وقت آخر يبدو قادرا على التخلي ببساطة عن صديقه الألماني من أجل مبادئه الصارمة، ذلك بعد نشوب خلاف بينهما حول النقطة الحساسة في عمل ويكليكس، ونعني بها الحدود الأخلاقية لما تقوم به المنظمة، فقد يتسبب نشر بعض الوثائق بإلحاق ضرر مباشر بحيوات العديد من الأشخاص. وهو ما حصل فعلا عام 2010 عقب نشر ويكليكس وثائق على مستوى من السرية عن المتعاونين مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية في بلدان عربية وأجنبية عدة، مما جعل ذويهم عرضه للتصفية على يد جماعات مختلفة. حينها تبنى دانيال طرح السؤال الأهم في الفيلم، إذا كنا نعلم أن الامر سيؤول إلى هذه النتيجة، هل علينا فعل ذلك حينها؟ ربما في هذه النقطة تحديدا يبدو انحياز الفيلم واضحا لموقف دانيال المعتدل، لا سيما أن الفيلم استند أساسا إلى جزء من سيرته التي أصدرها بعد خروجه من ويكليكس عام 2010، السنة التي أثارت أكبر ردود فعل بعد نشر نحو 10 آلاف وثيقة عسكرية ودبلوماسية، تسببت بأكبر إحراج دولي للولايات المتحدة ولطريقة تعاملها مع زعماء وسياسيين يعدون من بين أهم حلفائها. وكان من بين الحوادث التي فجرت غضبا أمريكيا واسعا تجاه ويكيلكيس هو تسريبها فيديو يظهر استهداف عدد من المدنيين العراقيين العزل في أحد ضواحي بغداد من قبل مروحيات عسكرية تابعة لشركة الحماية الأمنية سيئة الذكر(بلاك ووتر)، فضلا عن حوادث أخرى مماثلة في افغانستان واليمن.اسانج الذي أدى دوره ببراعة الممثل البريطاني (بنيديكت كامبرباتش) يعي أهمية وسائل المعلوماتية في صياغة عالم اليوم، يؤمن أن تقنية المعلومات هي أمضى سلاح يمكن استخدامه بوجه جبروت القوى الكبرى التي باتت متحكمة بعقول ملايين الناس حول العالم. وكان المخرج الاسترالي روبرت كونولي قد المح إلى عدم قناعة اسانج بجدوى المظاهرات والحراك الاجتماعي التقليدي لإرغام السلطات على تبديل سياستها. لكن لغز الرجل الذي يتحرك بعزيمة لا تلين يبقى أحجية لا يوافق الجميع على توصيفها الشائع واعتبارها محض بطولة فردية. وليس خافيا أن سلوك اسانج يجعله أحيانا شخصية فريدة “ميتاواقعية” ترسم المستقبل في خضم الحاضر مهما كان الثمن باهضا. في المقابل فإن شخصية اسانج كما ظهرت في عدد من مشاهد فيلم”السلطة الخامسة” تبدو أقرب إلى شخصية رجل مافيا متغطرس، وغد من عصر العولمة يعرف ألاعيب خصومه ويعد الشجاعة معدية. خاصة وان المزيد من الاتباع إذا ما كنا ملهمين بدرجة لهم، سيقدمون على تخطي الخطوط الحمر، سيغامرون و يدلون بشهادتهم حول الحقيقة التي جرى تلفيقها من قبل السلطات في حوادث وأزمات عدة،مثلما يرى صاحب ويكيليكس. لا مجال للعواطف لدى اسانج، العمل على مشروع ويكليكس هو كل حياته التي بدت مكرسة لتحقيق العدالة ونشر المعلومات في فضاء تدوالي حر. لكن الرجل اللغز الذي ما زال حتى الآن لاجئا في سفارة الاكوادور في إحدى ضواحي لندن، رجل غموض دولي كما يوصف في الفيلم، لا يعترض على الجهات التي يمكن أن تكون حليفة له أو ممولة لمشروعه، لكنه يختار أفعاله ومجال تحركاته بذكاء محسوب. تعمد الفيلم أن يلمح إلى أن اسانج رجل مهووس بالشهرة وبالصخب الذي يحققه عمله أكثر منه صاحب مشروع سياسي أو ثوري. ربما تبدو بعض الجوانب في حياة اسانج أشد سرية وغموضا من الحوادث ذاتها التي يكشف للجمهور النقاب عن أسرارها عبر موقع ويكليكس، وربما يكون هذا الغموض هو نقطة الجذب التي جعلت مخرجين يتناولان حياة جوليان اسانج في فيلمين سينمائيين، كان نصيبهما من النجاح متفاوتا
تا

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

الطقس في بغداد

بغداد
17°
27°
السبت
28°
أحد

استبيان

الافتتاحية