Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

بلاد الرافدين تخلو من المتاحف والآثار

بلاد الرافدين تخلو من المتاحف والآثار
استراحة و فنون - علي كاظم داود - 15:21 - 24/05/2015 - عدد القراء : 1202

انتشار المتاحف سمة من سمات المدنية والتحضر، إنها احتفاء بالأثر، بالإنسان، بالجمال، بالفن، بالحياة، بالزمن وبالمكان أيضاً.رغم أن لدينا الكثير في هذه الأرض، مما يستحق أن نحتفي به، وننشئ له المتاحف، إلا أن المتاحف تغيب تماماً عن مدننا. ليس لدينا متاحف للحضارات القديمة والكنوز الأثرية، ولا متاحف للحياة الطبيعية المنقرضة أو المستمرة، ولا متاحف للتاريخ العمراني، ولا للموروث الأدبي والثقافي، ولا للعصور والأنظمة السياسية الكثيرة التي مرت على البلد ولا للشخصيات الأدبية والاجتماعية، ولا للفنون القديمة أو الحديثة، ولا للصناعات والحرف الشعبية… ولم نلمس لدى وزارة الثقافة اهتماماً بهذا الجانب، ولا وزارة السياحة، ولا حتى الحكومات المحلية في المحافظات.عندما نشهد أزمة متاحف في بلادنا فإن ذلك يعني أننا نعيش أزمة حضارية وثقافية ومدنية حقيقية، كأننا قد عدنا إلى زمن البداوة، أو إلى ما قبل الحضارة والتمدن، والمشكل الأعمق إن كنا قد ارتضينا بهذا الواقع وتصالحنا معه. شهد التاريخ المادي للعراق استنزافاً رهيباً على مدى عقود طويلة.. لا نتحدث عن فترة الاستكشافات الأولى التي قام بها المستشرقون، بدايات القرن الماضي، ونقلوا خلالها أهم آثار العراق إلى متاحف الغرب، بل عن فترة حكم نظام حزب البعث وما بعده، أثناء الاحتلال الأمريكي وحتى يومنا هذا. في النظام السابق كان أحد أبرز مساعدي الرئيس مختصاً بتهريب الآثار خلال فترة الحصار الاقتصادي، بعد سقوط النظام تركت القوات الأمريكية المتاحف عرضة للنهب والسرقة والتدمير. الآن بات النبش والتنقيب غير الشرعي أمراً شائعاً في مناطق عديدة من العراق، وتجارة الآثار واللقى وتهريبها خارج الحدود لم تتوقف يوماً، بل إن بعضها متوفر بكثرة في الأسواق المحلية والمتاجر المتخصصة، كالأحجار الكريمة والحلي القديمة التي تستخرج من المواقع الأثرية.جاء «داعش» مؤخراً لتمثيل وإخراج الحلقة الأخيرة في مسلسل القطيعة العراقية مع المتاحف، وإفراغ العراق من ثروته الحضارية، فقام بسرقة وتهريب الآثار الثمينة من متاحف الموصل ومواقعه الأثرية والدينية، ومن ثم تدمير ما تبقى فيها.في رواية «الأمريكان في بيتي» للروائي والقاص العراقي نزار عبد الستار، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت عام 2011، يتمثل السارد، وهو نفسه بطل الرواية، ظاهرة العنف الذي يتوجه نحو المعالم الثقافية في مدينة الموصل، بعد عام 2003، فيطال بالتخريب سينماتها ومكتباتها وآثارها، من قبل بعض المتطرفين والمسلحين المجهولين، كما يطال بالسرقة والنهب وثائق أثرية كانت محفوظة في بعض مكتباتها، من قبل القوات المحتلة. هذا النمط من العنف الذي يمكن تسميته بالعنف الحضاري، وعلى الرغم من اختلاف مصدريه (أي القوات الأمريكية المحتلة من جهة والمسلحين المتطرفين من جهة أخرى)، والتباين الواضح بين أساليبه، السرقة من قبل الأمريكان، والحرق والتدمير من قبل المسلحين، لكنه يتوافق ويتطابق في نتائجه ليشكّل مساراً عنفياً واحداً؛ كما أنه يتشابه في كونه نابعا من الهمجية والاستهتار بالإرث الحضاري والثقافي ذاتهما، والرصيد التراثي الذي تمتلكه هذه المدينة، والاستخفاف بمشاعر أبنائها، وما قد يلحق بهم جراء هذا الفعل العنفي.مؤخراً شهدنا ذروة هذا النمط العنفي، في مدينة الموصل، في أعمال التخرب والتدمير والتفجير للآثار والمباني التراثية، التي تزخر بها هذه المدينة العريقة. فمن تفجير مراقد الأنبياء الأثرية، إلى هدم الكنائس والمساجد والمعابد الأخرى القديمة، إلى تدمير الآثار الموجودة في متحف نينوى، إلى هدم وتجريف آثار مدينتي الحضر والنمرود، والقائمة مفتوحة، وقد تضاف لها جرائم أخرى من هذا النوع، يسبق كل ذلك سرقة النفائس التي تضمها هذه الأماكن، وربما كان التفجير تغطية على هذه السرقة وطمساً لأي دلائل عليها. الملاحظ أن الجهات المسؤولة عن هذه الظاهرة العنفية تفتقر للعمق الحضاري، وربما كانت هذه الهجمة بمثابة تصفية حساب وتعويض عن عقدة النقص الخفية تجاه من يمتلك كل هذا الإرث الحضاري الهائل، فالإرهابيون هم مجموعة من شذاذ الآفاق، بعقليات متخلفة، أو جاؤوا من أماكن بلا رصيد حضاري، ولا عمق ثقافي مدني. أما القوات الأمريكية المحتلة، فهي على الرغم من امتلاكها لكل مقومات الازدهار والتطور التكنولوجي المعاصر، تفتقر للبعد الحضاري، ولا تمتلك العراقة والأصالة التي يمتلكها العراق القديم. الأمر، إذن، لا يخلو من نزعة ثأرية تهدف إلى القول: ها قد أصبحتم مثلنا بلا تاريخ ولا إرث.عوامل كثيرة، إذن، أدت إلى غياب المتاحف من أغلب مدن العراق، وضياع الكم الأكبر من آثاره، وللعمل على افتتاح المتاحف لا بد من العمل الجاد بهذا الاتجاه، من قبل المؤسسات الحكومية المعنية والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني، وحتى الأفراد المهتمين بالثقافة العراقية والساعين إلى إنقاذها من الاندثار.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
31°
32°
Wed
33°
Thu
الافتتاحية