لجأ علي سعدون، إلى العمل في مجال البناء، أو مايعرف محليا بالعمالة، كعامل بناء، بعدما تم تسريحه من العمل مع عدد من زملاء مهنته في مجال خياطة الألبسة الجاهزة، من إحدى المعامل الأهلية في شارع الرشيد وسط بغداد، وهي المهنة التي توارثها عن أبيه وجده.قال سعدون (43) عاما،: إن غالبية معامل الخياطة توقفت في بغداد، بسبب كثرة المستورد، وإقبال الناس عليه لرخص ثمنه، الأمر الذي أدى إلى تركنا لتلك المعامل واللجوء إلى أعمال أخرى، لاتتناسب مع المهنة التي نجيدها ونبدع بها. وشكى سعدون من الحال الذي هو عليه، حيث ان عمله كعامل بناء يحتاج إلى بنية جسمانية قوية، وغذاء جيد، كما ان العمل في مجال البناء ليس يوميا، وهذا ما أثر سلبنا على معيشتنا، حيث لدي زوجة وأربعة أبناء، وهم جميعهم في المدارس، وهناك حاجة للحصول على أجور تتلائم مع وضعي العائلي، ولديمومة إستمرار أولادي في التعليم والدراسة.وناشد سعدون الحكومة بدعم القطاع الخاص، وإعادة الحياة إلى المعامل والمصانع الأهلية والحكومية، لإمتصاص البطالة، ودعم المنتوج المحلي.وعانى الإقتصاد العراقي لعقود طويلة من تدهور كبير، بسبب الأوضاع السياسية والأمنية، وغياب الرؤية الواضحة تجاه اقتصاد البلد، وخاصة بعد أحداث عام، (2003)، حتى إنعكاس هذا التدهور على القطاعين العام والخاص، ما أدى إلى توقف الكثير من المعامل والشركات، ومنها معامل الخياطة في القطاع الخاص، الأمر الذي إنعكس أيضا على ذوي المهن وعلى المواطن البسيط.يرى أحمد خلف (38) عاما، صاحب إحدى معامل الخياطة في شارع النهر وسط بغداد، إن”معامل الخياطة لم تعد تجدي نفعا، بسبب الأوضاع الإقتصادية المتدهورة، في العراق، وإهمال القطاع الخاص، وإزدياد نسبة الملابس المستوردة من تركيا ومن إيران ومن الصين وإندنوسيا، ومثلي مثل مئات المعامل توقفنا منذ أكثر من عقد من الزمن، على أمل دعم الحكومة للقطاع الخاص.وقال خلف إن”فترة تسعينيات القرن الماضي، وعلى رغم ظروف الحصار الإقتصادي المفروض على العراق، إلا ان جميع المعامل كانت تعمل وتنتج، وكان الالاف من عمال الخياطة يعملون في جميع الإختصاصات، وقد أسهمت العديد من معامل الخياطة في رفد الأسواق المحلية، ولكن بعد عام (2003)، وما صاحبها من فوضى السوق والإستيراد العشوائي، من قبل التجار وعدم ضبط الحدود ورداءة المواد الأولية المستوردة، أدى إلى تعطيل معامل الخياطة وتوقفها، ماجعلنا مضطرين لتسريح أعداد كبيرة من العمال، ليلتحقوا بجيش العاطلين عن العمل”.الخبير الإقتصادي ضرغام محمد علي، برى إن”صناعة الخياطة والنسيج في العراق تشكل حلقة مهمة، بسبب رخص المستورد منها، وهو ما بجعل المنتج المحلي مكلف قياسا بالمستورد، ولإحياء هذه الصناعات يتطلب أولا إيجاد أسوق محلية لتسويق المنتجات المحلية، وإعطاء سلف مالية لاعادة تأهيل المصانع وجعلها بخطوط إنتاجية أحدث”.وقال محمد علي ان”إحياء صناعة الألبسة الجاهزة، يتطلب أيضا الإستعانة بموديلات تناسب الأذواق القائمة ومواكبة المنتجات العالمية، بشكل يخلق سوق منافسة وقادرة على الإستمرار ، إضافة إلى ضرورة حل أزمة الطاقة، خاصة الكهرباء، حيث تشكل كلفة الطاقة قيمة مضافة لكلف الإنتاج القائمة”.فيما نبه نائب رئيس المركز الإقتصادي الوطني، ملاذ الأمين، الى ان العوائل العراقية تنفق ما لا يقل عن 30% من دخلها لشراء الملابس المستوردة ،داعيا الحكومة الى دعم قطاع صناعة النسيج والملابس ،العامة منها والخاصة بالقروض الصناعية والتشريعات لمواجهة الإنفاق الإستيرادي المضر بالاقتصاد الوطني.وقال الأمين ان “الخطط الاقتصادية الوطنية توجب الحفاظ على أصغر عملة وطنية، من خلال إيجاد الوسائل لابقائها داخل البلاد ومنع خروجها ،الا لأسباب مهمة جدا ، مثلا الدفاع عن البلاد لصد عدوان، او لتأسيس بنى تحتية تزيد من المردودات المالية وتقدم خدمات عامة، أو إستثمار في قطاع معين يعود بالنفع للأجيال المقبلة وغيرها”.ويستورد العراق حاليا أغلب ملابسه وأقمشته من الخارج بعد ان توقفت معامل الخياطة سواء الحكومية والأهلية عن الإنتاج بسبب إرتفاع تكلفة الإنتاج المحلية وعدم مجاراتها للتصاميم الحديثة، فضلا عن هجرة الرأسمال الوطني مع الخبراء والمتخصصين .ويسعى العراق الى دعم الصناعة الوطنية، بعد إنخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، وسياسة التقشف التي تنتهجها الحكومة العراقية.ويدعم الإعلام العراقي هذه الحملة، وكذلك منظمات المجتمع المدني من خلال الترويج والإعلان، للمصنوعات العراقية وترغيب المواطنين بها، بهدف تنشيط الشركات الإنتاجية التابعة لوزارة الصناعة، وكلها شركات تمويل ذاتي، وحث الجمهور على شراء منتجاتها ومنافسة المنتوج الأجنبي الذي يغزو الاسواق العراقية بلا رادع او منافس وطني.