الزواج المبكر.. حل وأمر واقع ام استغلال؟

تختلف قوانين الدول في سن الزواج. فتحدده معظم الدول الغربية بـ18 عاماً، والصين بـ 22 عاماً، وايران والارغواي والاكوادور وولاية ماساتشوستس الامريكية بـ 9-12 ، وتتركه اليمن مفتوحاً، وهلمجرا. وينص القانون العراقي على سن 18 عاماً، ويستثني بشروط محددة لحدود 15 عاماً.. اما شرعاً فتدور مسالة الزواج حول تعريف سن التكليف والبلوغ او الحيض، وهو عادة 9 سنوات هلالية للانثى، وخروج المني وعلامات اخرى، او 15 عاماً هلالية للذكر.

1. تميز المجتمعات الغربية بين العلاقة الجنسية والزواج، وهناك عدة اتجاهات: 1- الالتزام بالسن القانوني، والعقوبة للمخالفين دونه.. 2- قبول العلاقة الجنسية، خارج الزواج، وتدان حالات الاغتصاب بقرار قضائي.. 3- عدم معارضة العلاقة الجنسية دون 18 عاماً، كامر واقع مفروض او كفلسفة تحررية، خصوصاً للاعمار المتقاربة. ويعاقب القانون عموماً حالات الاعمار المتباعدة، اي فوق 18 عاماً، مع اللواتي ما زالن دونه، وقد يعاملها كاغتصاب.. 4- تنصح بعض العوائل والمؤسسات المراهقين بعدم اقامة علاقة جنسية تتضمن الايلاج قبل 18 عاماً، خشية الولادة والامراض المعدية.. 5- لا تخلو المجتعات الغربية من الكثير من العوائل المحافظة التي ترفض اية علاقة جنسية خارج اطار الزواج، وان كان هناك خلاف في مسألة العمر.
2. اما الواقع فحقائقه مختلفة. ففي بلد متقدم كالولايات المتحدة تقول الدراسات (Guttimacher Institute. Sex and  America’s Teenagers 1994)( Moore, Adolescent Sex, 1995)( Marsiglio, The impact of sex, 1986)( Henshaw, Teenage Pregnancy, 1996) ان 23% من 14 عاماً وأقل قد مارسن الجنس.. و30% لمن اعمارهن 15 عاماً.. ومن بين النساء اللواتي بلغن 20 عاماً في السنوات 1970-1972 فان 20% منهن مارسن الجنس في سن 15 عاماً.. مقارنة بـ27% في عام 1985-1987. والأمر اكثر وضوحاً للمراهقات السود. فـ 50% منهن مارسن الجنس في سن 15 عاماً، بينما لا تتحقق هذه النسبة للمراهقات البيض سوى في سن الـ17 عاماً. وارتفعت معدلات الحمل لدى 14 عاماً واقل، من (13.5 الى 17.1) لكل 1000 بين 1973 و 1992. وحملت حوالي 9% من اللواتي مارسن الجنس في سن 14 كل عام.. وان معدل عمليات الاجهاض لسن 14 واقل كان (5.6 و8.4 و7.9) لكل 1000 في 1973، و1980 و1990 على التوالي. وفي 1994 حدثت 12901 ولادة في الولايات المتحدة لمراهقات اقل من 15 عاماً.  وتشير دراسة Kaiser Family في 20/8/2014 ان 60% من طالبات الثانويات السود مارسن الجنس، مقابل 44% من البيض و 49 من اللاتينيات.. وان 14% من السود و6% من اللاتينيات و3% من البيض مارسن الجنس قبل عمر 13 عاماً.. فالكلام يدور هنا عن ملايين مارسوا الجنس في اعمار مبكرة جداً، وحصلت عمليات اجهاض وولادات خارج مؤسسة الزواج او غيرها، وهذا ما يجب ان يحظى بالاهتمام.
3. معرفة الحقائق اصعب لدينا بسبب الطبيعة المحافظة لمجتمعاتنا، ويجب الاقرار ان العلاقة الجنسية خارج الاطار الزوجي في سن مبكرة موجودة ايضاً في مجتمعاتنا، سواء لاعمار متقاربة او لاعمار متباينة، ولو بنسب اقل. فالحاجة للعلاقة لدى الجنسين حاجة طبيعية في سن مبكرة. فما العمل؟ هل نجاري قوانين وعادات غيرنا، والتي نختلف معها، او تختلف معنا، في امور كثيرة كالطلاق والاجهاض ومفاهيم الحريات، والعادات والضوابط الشرعية والاجتماعية والاخلاقية؟ ام نقبل بما يفرضه الواقع (زواج قسري، او علاقات جنسية خارج اطار الزواج بكل اثارها)؟ ام نقر بالزواج المبكر ولكن بشروط وضوابط شرعية وقانونية لا تحرم الانثى مستقبلها، وتمنع استخدام قوة المال والجاه والعائلة لفرض الزيجات المبكرة القسرية؟ ونعتقد ان في ديننا واخلاقياتنا وعقولنا من السعة ما يسمح بتلبية الحاجات وتطويق المحاذير. وهذا يتطلب بناءات مرنة وجادة وموضوعية، عند مناقشة القوانين او الحملات المتعلقة بهذه الامور الحساسة، تجمع بين الرؤى الشرعية والاجتماعية والقانونية والعصرية للوصول لمنع الكبت والانحراف والظلم والاستغلال، وتطبيق الانصاف والعدالة.

عادل عبد المهدي

blog comments powered by Disqus