Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

“الشعبوية” سمة المرحلة

الافتتاحية - عادل عبد المهدي - 1:30 - 05/02/2017 - عدد القراء : 2374

نشهد منذ فترة تصاعد التيارات الشعبوية Populism.. ليس في العراق فقط، بل كظاهرة عالمية. لذلك شهدنا خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، وصعود الرئيس “ترامب”، وازدياد نفوذ التيارات اليمينية في اوروبا، والربيع العربي في منطقتنا، وهي كلها توجهات تدين المؤسسة والطبقة السياسية وقواها المختلفة.. وبدون فهم “الشعبوية” كمرحلة عابرة سنخرج باستنتاجات متسرعة حول الواقع والمستقبل.

الشعبوية تظهر وتقوى عندما يختل توازن النظام القديم، ويتأخر تأسيس النظام الجديد.. فهي مرحلة انتقالية غاية في الاهمية لتصحيح المسارات، لكنها غاية في الخطورة ايضاً. انها دليل على تفكك القديم وانهياره او قرب انهياره. والشعبوية الحالية عالمية المستوى وان مناطقيتها ومحليتها هي نتيجة وسبب في آن واحد. فالنظام في ازمته قد يفجر ثورة كما حصل في الثورة الفرنسية وثورة اكتوبر في روسيا والثورة الاسلامية في ايران.. او قد يطلق تغييراً مبكراً بسبب ادراك القادة، كما فعلت الصين،.. وكما حاول “غورباتشوف” ولم ينجح، وقد يفجر حالة قلقة فوضوية تبقى مفتوحة لشتى الاتجاهات. فيستغلها المتطرفون والطامحون كما فعل هتلر والنازية، وطرح نظريات العنصر الاري النقي، ومحاربة اليهود والمسلمين والسود والشيوعيين، والعودة للتقاليد الجرمانية القديمة، تماماً كما تسعى التيارات الشعبوية الصاعدة اليوم في امريكا والغرب ان تفعل، فادخل البشرية في حروب مدمرة.

وفي العراق هناك نزعة شعبوية قوية وشبه مزمنة، يوعزها البعض للبداوة. وهذا عامل جدي لكنه غير منفرد لتفسير الظاهرة. فالبداوة رافقت الجماعات والمجتمعات التي سكنت العراق، فلم يمنع ذلك من قيام نظم سياسية/اجتماعية قوية عاشت لمئات السنين، وكانت مثالاً، بمعايير عصرها، يحتذى به للنظم في الشرق والغرب. فالبداوة طبيعية عندما تحتل البادية والصحراء مساحات واسعة من الارض. فهي بالنتيجة شرط للعيش في تلك الظروف، وتكيف معها، وابداع ومصدر فخر ونجاح، تماماً كما يتكيف سكان الجبال، او المناطق الباردة او الساحلية مع ظروف بيئتهم.. المشكلة هي عندما لا تُخدم الحياة في البادية، وينتقل سكانها لغزو الحاضرة، فتنتقل قيمهم وعاداتهم اليها. فيحجزون طريق تطور الحاضرة والبادية في آن واحد. فكل في مكانه عدل وانسجام مع متطلبات العيش. لذلك يتكلم ابن خلدون عن “العمران الحضري” و”العمران البدوي”، ويقول المعري “الناس للناس من بدو وحاضرة.. بعض لبعض وان لم يشعروا خَدَمُ”.

باختصار يجب البحث عن الشعبوية في جوهر القلق وانعدام التوازن للنظام السياسي/الاجتماعي، وضعف تاسيس الدولة العراقية المعاصرة اساساً، واختلاط الحقوق وهشاشة بناء الطبقة السياسية، وارتباك الفكر السياسي السائد لدى النخبة والجمهور، وتداخل التأسيسات العثمانية القديمة التي تخلت تركيا نفسها عنها، مع مفاهيم الدولة المعاصرة التي اقترحها الاحتكاك بالغرب، مع عدم تكيف الفكر الاسلامي والوطني المتأصل في المجتمع مع متطلبات مواكبة حقائق العصر، مع الاحتلال والانتداب والتصارع الدولي والاقليمي في العراق، وتفكك اوصاله في داخله ومع فضاءاته الاقليمية، اضافة لعدم خدمة الحاضرة للبادية والريف (البادية ليست الصحراء، فهي على تخومها مختلطة بالارياف)، وانتقال الريف والبادية لغزو الحاضرة، وبالتالي حجز الطريق امام تطور الجميع. وخلال العقود الثلاثة الاخيرة تطورت الشعبوية كثيراً بعد التفكك الكبير للدولة ومؤسساتها، بسبب سياسات القمع والحزب الواحد والحروب، خصوصاً بعد اجتياح الكويت والحصار والعقوبات والاحتلال، ثم مع التخلف بعد 2003 في بناء مؤسسات بديلة قادرة على اعادة التوازن للمجتمع، ولو نسبياً. لهذا نشطت التيارات الشعبوية، وتصاعدت وستتصاعد اكثر اذا ما استمرت عملية التفكك. وستتراجع بالتدريج مع النجاح في اعادة بناء نظام جديد، يعيد التوازن للدولة والمجتمع ويضبط سلوكهما.

فالشعبوية سمة لمرحلة قلقة يجب عدم البناء عليها وكأنها السياق الطبيعي والنتيجة النهائية.. وكلما تأخر البديل والتوازن الجديد، فان هذه السمة ستطول، وتشجع الاتجاهات المغامرة. والمقلق ان وعي ذلك ما زال ضعيفاً، رغم الشواهد، ومخاطر الشعبوية. بل ان الشعبوية تتمدد حتى للنخب الواعية وقوى الشعب السليمة التي تمتلك عجينة صالحة، يمكن التعويل عليها لتأسيس مجتمع صالح منتج، ودولة راشدة راعية، يؤسسان لتوازن جديد، متصالح وفاعل مع ذاته، ومتصالح وفاعل مع محيطه وخارجه.

عادل عبد المهدي

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

الطقس في بغداد

بغداد
23°
26°
الجمعة
27°
السبت

استبيان

الافتتاحية