Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

العراق عراقان.. سجن كبير، ام حضن كبير

الافتتاحية - عادل عبد المهدي - 1:04 - 06/09/2017 - عدد القراء : 1787

أهو ارض الخراب والفتنة والاستبداد والنفاق والشقاق والعنف والسحل والفقر والجهل والفرهود.. أم هو عراق السلام، ومهبط الانبياء ومنازل الائمة، ومهد الحضارات، وقبلة العلماء وارض الشرائع والسواد والخيرات، وملتقى الشعوب والاقوام، وبلد الفسيفساء والألوان، وعاصمة المعرفة والحكمة والدنيا.. فعن أي عراق نتكلم؟ والى اي عراق ننتمي ونعمل؟

لمن يرى الظاهر ويتابع كلام وعمل البعض، خصوصاً اصحاب الصوت الصاخب سيقول انه الأول. اما الثاني، فهو قائم وموجود ايضاً، في العلاقات والوعي والسلوكيات والمفاهيم واللغة مع بعضنا وواقعنا ويمكن الانطلاق بها، ولكن تخفيه وتعطله المؤسسات الفاشلة والسياسات البائسة والضجيج المستمر، ليطفوا على السطح عراق التخلف، وليرمي بعضنا على بعض مسؤوليات الفشل.

لاشك ان العراقيين، في غالبيتهم الساحقة العظمى يريدون عراق الخير والسلام ويفتخرون بالانتماء اليه.. نسيجهم الجمعي بلحمته وسداه يريد ذلك.. عمقهم الحضاري واحلامهم المستقبلية يريد ذلك.. اديانهم وقومياتهم وحضاراتهم وانتماءاتهم وفطرتهم، ومصالحهم، ومستقبلهم، تريد ذلك.. ولكن ما يحجز ذلك الجهل وتكرار ما اعتدنا على ترديده من افكار عراق الخراب والفقر والشقاق والتخوين، والتي ترى الوطنية والاخلاص بالتشبث بلغته وافكاره وسلوكياته، جاهلة حجم الاضرار والخسائر والدمار الذي تحدثه ببلاد الرافدين، مهد الحضارات وارض الانبياء والائمة ودار المحبة والرقي والحضارة والعلم والسلام.

ان ينهض العراق الاصيل والحقيقي ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب الشجاعة والثبات في رفض العراق الاخر وما غرسه من بناءات وثقافات وسلوكيات وقيم. نعم، سنتدافع ونتصارع، فهذه سنة الحياة. وسنختلف ونجتهد.. وستدور الايام بيننا، فهذا يتقدم وذاك يتراجع.. وهذا يرضى وذاك يغضب، لكن حضناً كبيراً يجب ان يحتوينا دائماً، هو حضن العراق. فمن نرفضه حاكماً، نقبله معارضاً.. ومن نرفض افكاره او ممارساته، لسبب او لاخر، نقبل مواطنته، له ما لنا وعليه ما علينا.. وما نختلف عليه ديناً ومذهباً ولساناً وعادات وافكار وسلوكيات وروابط، نقر له بمساحاته ليمارس فيها حقه دون ان يمس حق الاخرين، او لنتعلم ونستفيد من خيره ونمنع عنا ضرره، إن كان فعلاً ضرراً. فهذه مهمة الاوطان، فهي دائماً حواضن لابناءها، من يصيب منهم ومن يخطىء. حسابها وعقوبتها تذكير وعبرة واصلاح وليس حقداً وتنكيلاً.. وخلافاتها اختلافات، وزوايا نظر يكمل بعضها، وليس مجرد مضادات لا تعيش واحدة الا بنفي الاخرى. فما لا يقبله منطقنا وسلوكنا، يقبله وعينا، وما لا يقبله وعينا يقبله النظام والعقد العام. او ما لا يقبله الفرد، تقبله الجماعة، وما لا تقبله الجماعة يحتويه الاجتماع والمجتمع والوطن والمواطنة. وقس على ذلك.

طاقاتنا داخل الوطن وخارجه عظيمة، لكننا نحجزها ونخسرها كعراق. فنحن نحاكمها بمزاجنا الخاص وليس بمنطق الوطن. فما ينسجم معنا سيزيدنا قوة، وما نختلف معه سيزيد جهة ما في وطننا قوة، فنزداد جميعاً بذلك قوة. فالمواطنة سياج وحصن يحمي الجميع، وينفتح على الجميع.. ولا شرط لها سوى منع الارهاب والعنف ورفع السلاح بوجه القانون والنظام، ما دام الوطن يوفر الحريات والحقوق الاساسية الحقيقية للجميع. وعراقنا بطبيعته تعددي ليس بقومياته واديانه ومذاهبه فقط، بل بثقافاته ومدارسه وفلسفاته وعاداته وتقاليده أيضاً، وهذا سر قوته التاريخية، وهو سر قوته المستقبلية، وهو سر مقاوماته الابدية. وهذا ما يجب ان يكون سر قوة حكامه ومواطنيه، الذين قوتهم الحقيقية التعايش وقبول الاخر، لا النفي والكراهية والاقتتال.. فان عجزوا عن ذلك وساروا في طريق قهر واخضاع كل من يخالفهم، وعدم ترك الحقوق والمساحة اللازمة ليعيش كل حياته وفق القانون والنظام، فلن تتجدد سوى دورة الموت وعراق الدمار.

هذه رؤية ليست مدنية ومعاصرة فقط، بل اسلامية ودينية وقديمة ايضاً. والطريق مفتوح لعراق الخير، كما هو مفتوح لعراق الظلم والتخلف. والقرار لاي منهما ننتمي، وأي عراق نريد، بيدنا وليس بيد احد غيرنا.

عادل عبد المهدي

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

الطقس في بغداد

بغداد
26°
27°
السبت
28°
أحد

استبيان

الافتتاحية