Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

المصلحة الوطنية والسيادة الوطنية.. لمن الاولوية؟

الافتتاحية - عادل عبد المهدي - 0:08 - 11/10/2016 - عدد القراء : 1924

تحتل الثقافة والنزعة العامة للدفاع عن السيادة الوطنية مستوى متقدماً.. فالعراقيون يمتلكون حساً وطنياً عالياً. والشعب حساس ونبه لكل ما يتعلق بسيادته وجغرافيته وعلاقته بالاجنبي. فالعراق المعاصر اسس من خلال مقاومة التعسف العثماني، والاحتلال البريطاني، وثورة العشرين الكبرى والتي قدم فيها تضحيات غالية لا لشيء سوى لضمان سيادته وحقوقه الوطنية، واستمر بمقاومة كافة المشاريع الاستعمارية والمس بسيادته، ومنها فرض الاحتلال بموجب القرار الاممي 1483 في 2003.

بالمقابل تتسم الثقافة والنزعة العامة لتعريف مصالحنا الوطنية بضعف ملموس.. فنغلب الشكل على الموضوع، ونسقط في الاحادية، فنعرض المصلحة والسيادة للخطر على حد سواء. ورغم ان مفاهيم السيادة والمصلحة، والفصل والارتباط بينهما هي مفاهيم خلافية ويدور حولها نقاش قانوني واسع، لكننا انطلاقاً من بعض التجارب يمكن ان نصل لرؤى محددة. فاليابان والمانيا عندما اخطأتا في تعريف مصالحهما الوطنية، وعملتا وفق ثقافة: “خاطىء او مصيب، وطني دائماً على حق”، فانهما قادتا في حربين عالميتين الى تعريض بلديهما للدمار والاحتلال وفقدان المصلحة والسلطة السيادية معاً. بالمقابل عندما شخصتا ظروفهما الواقعية واعادتا تعريف مصالحهما الوطنية، استطاعتا النهوض مجدداً واستعادة سلطاتهما السيادية، بل والتقدم على البلدان التي احتلتهما. دول كفيتنام والصين خاضتا حروباً قاسية لتحقيق سيادتهما.. لكنهما بعد انتهاء حروب الاستقلال، واتباعهما نهجاً مبدئياً وواقعياً في معالجة موروثات العهود الاستعمارية، استطاعتا النهوض مجدداً. ولعل المثال الصيني لاستعادة “هونغ كونك” وغيرها وربطها بالوطن الام عبر الاتفاق مع المستعمر السابق (بريطانيا) هو خير مثال للحرص على السيادة والمصلحة في آن واحد. فلم تخلط هذه بتلك، ولم تفصلهما. فبدون تعريف المصالح الوطنية سيصعب حماية السيادة الوطنية، والعكس صحيح.

المصالح الوطنية تتعلق بحقوق الشعب واجياله القادمة في حرياته وامنه وسلامته وثوابته الدينية والوطنية وتطور عيشه وتحقيق ارقى المنجزات ليكون في آن واحد شريكاً ومنافساً للشعوب والبلدان الاخرى. فهناك بلدان تخلت عن اراض لها طوعاً، بعد تشخيصها مصالحها الوطنية، دون اعتبار ذلك انتهاكاً لسيادتها. وتقبل دول اخرى اخضاع سيادتها لسيادة اعلى في شؤون معينة تحقيقاً لمصالح محددة، كالمعاهدات والاتحادات الاقليمية والاممية. فالسيادة ليست موضوعاً مغلقاً واحادياً، فهي تخضع للظروف والمصالح الوطنية لاي شعب وبلد. بل تمنح الدول داخل اراضيها حصانات لممثليات بصفة Extraterritorial فيرفع عليها علم اجنبي، فلا يمس ذلك السيادة الوطنية، وذلك كله انطلاقاً من مبدأ المصالح الوطنية والمقابلة بالمثل.

سقطنا (وكثير من دول المنطقة) في مزالق خطيرة، وتجارب مؤلمة، بسبب سوء تشخيصنا لمصالحنا الوطنية. فشُنت  الحرب مع ايران بحجج سيادية.. فخسرنا سوية ملايين الضحايا والجرحى والاسرى، ودمرنا بنانا وعلاقاتنا ومصالحنا.. ليعتذر “صدام”، بعد تورطه بازمة “سيادية” اخرى، وهي الكويت. فدمرنا الجيش والبلاد، وخضعنا لاحكام الفصل السابع (والاحتلال) والحصار والعقوبات. تداعيات خطيرة ما زلنا ندفع ثمنها. فذهبنا في حالتي ايران والكويت لفهم مغلوط للسيادة والمصالح الوطنية.

دول الجوار كلها، دون استثناء، جزء من مفهوم المصلحة والسيادة الوطنيتين، ويجب التعامل بتشخيص المسألتين، وليس مسألة واحدة فقط.. ففي امور كثيرة، جيراننا جزء من مصالحنا وداخلنا ووحدتنا ووطنيتنا وسيادتنا، والعكس صحيح. وتحقيق سيادتنا ومصلحتنا الوطنية تقتضي توسيع دائرة المشتركات معهم، لحل الخلافات الطارئة والموروثات المتضادة لنا ولهم. وحسناً تفعل الحكومة بادارة ملف وجود القوات التركية. فتباحثت مع تركيا ولجأت للجامعة العربية ومجلس الامن ولاصدقاء الطرفين للضغط وضمان احترام السيادة العراقية. فلجأت الحكومة للمبدئية والواقعية في آن واحد. فدافعت عن السيادة وسعت لحماية المصالح.. وتدرك ان الاوضاع مضطربة، وان الحدود غير مسيطر عليها، ليس بالنسبة للقوات التركية فقط، بل ايضاً لمعارضيها (PKK) المتواجدين بفعالية وكثافة على مساحات عراقية شاسعة، خصوصاً في مناطق قنديل وراوندوز. وبدون الحوارات الداخلية/ الداخلية من جهة، وبين دول الجوار من جهة اخرى، سيصعب ايجاد حل لقضايا السيادة والمصلحة الوطنية، فتتحول الازمات المؤقتة والطبيعية بين جارين الى نزاعات مزمنة وكأنها بين عدوين.. وسيطغى منطق الحرب والقطيعة والانتهاكات، مهدداً السيادة والمصلحة كما برهنت تجارب الماضي القريب.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

Screenshot 2024-05-16 at 00.19.17

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
29°
33°
Sat
34°
Sun
الافتتاحية