Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

الهجرة تنظم نفسها.. وتحصل عندما تتجمع عواملها

الافتتاحية - 0:15 - 26/01/2016 - عدد القراء : 801

الهجرة من اهم عوامل التغييرات الديموغرافية والتواصل الحضاري في التاريخ.. فتأسست بسببها حضارات وزالت اخرى.. فهجرة الاقوام الهندو-اوروبية (الارية) قبل قرون عديدة الى غرب اسيا واوروبا اسست واقعاً شرق اوسطياً واوروبياً جديداً.. كما أسست هجرة الاوروبيين قبل (5-6) قرون، واقعاً معاصراً في ثلاث قارات على الاقل.
العراق نفسه هو ارض استقبال للهجرات.. فلقد جاءته افواج بشرية من جهاته الاربع واستقرت فيه، ليشكل الاختلاط باقوامه المستوطنة، الشخصية العراقية.. او ما عرف تاريخياً بحضارات وادي الرافدين. تلك الحضارات الرائعة التي ذابت جميعاً في الواقع العراقي.. لذلك امتلأت لغة العراقيين العربية بالمفردات السومرية والاكدية والاشورية، كذلك بالمفردات الهندية والفارسية والتركية.. والعكس صحيح ايضاً، حيث تمتلىء هذه اللغات واللغات الاوروبية ايضاً بكم هائل من المفردات العربية. ومن هنا المشهد التعددي للواقع العراقي قومياً ودينياً ومذهبياً وثقافياً، الذي يدلل على حقيقتين اساسيتين.. اولهما تأصل ثقافة التعايش وقبول الاخر امام ثقافات الافناء والاقصاء وقسر الاحادية بالعنف والعدوان، بمقاييس تلك العصور.. والثاني ان محيط العراق هو جزء منه، والعراق لم ولن يجد ازدهاره وتطوره وشخصيته الحقيقية الا عندما يتماهى ويتناغم ويتعايش مع محيطه الاقليمي.. واية نظرة لا ترى هاتين الحقيقتين، وتغلب عليهما استثناءات العنف والاقصاء من جهة ونزعات الانكفاء من جهة اخرى، تخون العراق وتريد له البقاء مقيداً، محكوماً، مقطع الاوصال والاطراف.
واجب العراق اليوم احياء الفضاءات الاقليمية المنفتحة والمتعايشة، وجعل هذه الحقيقة هدفاً وطنياً اعلى واهم بكثير من الخلافات والتقلبات والتأثيرات السياسية اليومية، المملوءة بثقافات وتأثيرات عصور الانحطاط والتخلف، وكأن العراق لم يكن منطقة الحضارات الارقى ولالاف السنين، سواء قبل الاسلام او بعده. فان لم ننفتح على محيطنا ونتعايش معه ويتعايش معنا، فسيصعب على العراق النهوض لمستوى العصر ومتطلباته. فتبعية العراق واستعماره وتخلفه خلال القرون الاخيرة، ما هي الا دليل على استضعاف العراق بعد تقطيعه داخلياً وعزله عن محيطه وفضاءاته، التي بهما، وبهما فقط، اي التصالح مع نفسه ومحيطه، يستطيع التعامل بندية وتكامل مع عالمه البعيد.
سوء الاوضاع السياسية خصوصاً سياسات القمع الشمولي وتراجع الاوضاع الاقتصادية حولت العراق خلال العقود الاخيرة من بلد مستقبل الى بلد مودع.. وبقدر ما تشكل هذه الظاهرة دليلاً على التحولات التي تحصل في البلاد، وجرس انذار للتفكير جدياً، بقلب المعادلات الخانقة والضيقة.. للدخول في معادلات عصر التغيرات الكبرى والافاق الرحبة المفتوحة. فالتاريخ يعلمنا ان الهجرة -استقبالاً او خروجاً- حقيقة وواقع وحل.فعندما تتخلف البلاد عن تقديم الاقتصاد او الامن لمواطنيها اقل مما توفره بلدان اخرى، او عندما لا يحترم الانسان في فكره وعلمه فانه يهاجر الى حيث يحقق ذلك، او ما يعتقد انه سيحققه. فعندما هاجر القوم الى العراق، كنا ارقى الامم، وعندما تهاجر اقوامنا اليهم فلانهم اخذوا سبق الحضارة.والاسلام العظيم اعطى مكانة عظيمة للمهاجرين..وعظم مفهوم الهجرة وجعلها ملاذا وحلاً، بل جعلها اساساً لتاريخ جديد.
تعامل الدستور بمستوى انساني وحضاري جيد فيما يخص الهجرة من البلاد او اليها.. وتأسست في العراق للمرة الاولى وزارة الهجرة والمهجرين. وهناك عراقيون غادروا واستقروا في البلدان الاخرى من مختلف التلاوين.. هؤلاء يجب ان يكونوا سفراء العراق الدائميين في الخارج.. وسفراء بلدانهم الجديدة في العراق. بهؤلاء يقوى العراق ولا يضعف، شرط احتضانهم واستثمار طاقاتهم الجديدة التي يمكنها ان تكون عاملاً اساسياً لتجديد طاقات البلاد كلها. اما العراقيون الذين غادروا ولم تسمح لهم الظروف بالبقاء فيجب المساعدة على عودتهم.. فهم في غالبيتهم العظمى لم يرتكبوا جريمة.. بل الجريمة تقع مسؤوليتها الاساس على نظمنا وانحراف الكثير من الممارسات والسياسات في صفوفنا. لذلك تتناقل الاخبار ان اكثر من 70% من العراقيين الذين هاجروا مؤخراً يسعون للعودة الى البلاد.. وهذا بذاته مؤشر ان الهجرة تنظم نفسها سلباً وايجاباً.. وان واجبنا تشجيع كل الاتجاهات الايجابية ومحاربة السلبية.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
37°
33°
Sun
32°
Mon
الافتتاحية