تعج وسائل الاعلام والمراكز المحلية والخارجية بسيناريوات فيما يسمى “ما بعد داعش” تتكلم عن تجميد الدستور واعلان حالة طوارىء، او تقسيم البلاد والتدخل الاجنبي، وغيرها، سنتناولها في افتتاحيات قادمة. بينما سنتوقف هنا عند الثورة والانقلاب بالقياس مع مصر وسوريا لتشابه المجريات التاريخية. فثورة 1952 تقابلها ثورة 1958، ناهيك عن انقلابات سوريا.. والنتيجة عسكرة الدول والمجتمعات.. وتبنيها النظام “الاشتراكي العربي” والحزب والقائد الواحد.. وتطبيقها النماذج الاقتصادية الشرقية بالنسخة المحلية.. وتحالفها مع السوفيات واعتمادها السلاح الشرقي.. فلم تعد معاداة الغرب من سمات سياساتها الشكلية او الحقيقية الخارجية، بل صارت جزءاً من التربية والتعبئة الداخلية. فاممت مصر القناة، وسوريا صناعاتها، والعراق نفطه، وساروا للوحدة الثنائية والثلاثية.. فهل تكفي هذه المشتركات التاريخية للاستنتاج بتطورات مستقبلية مشابهة ايضاً؟
لا شيء مستحيل في السياسة، لكن السياسة هي دائماً تقدير موقف. فالنجاحات مصدرها التقديرات الصحيحة، والفشل سببه التقديرات الخاطئة. فما لا يقدره البعض، فيخرج باستنتاجات خاطئة، ان ما حصل في 2003، هو تغير جذري في العراق أبعد نموذجه عن مصر وسوريا الشقيقتين.. فمن يرى الغزو والاحتلال فقط ولا يرى ان التغيير هو نتيجة افرازات لعقود طويلة من الصراعات المجتمعية الباطنية والظاهرية التي نمت في رحم الدولة العثمانية والتي قادت اليها التاسيسات الخاطئة، عقب انهيارها، يسيء تقدير الموقف. فاساس 2003 ظهور قوى مجتمعية كبيرة على السطح، كانت مكبوتة، واصبحت حاكمة ليس سلطوياً فقط، بل اجتماعياً اساساً.
تقديرنا للموقف هو ان الاحتقان والازمة يزدادان عمقاً، ويضغطان باتجاه التغيير.. لكن المعطيات وقوى التغيير ما زالت ضعيفة من خارج النظام، وان التغيير الوحيد المفتوحة امامه الابواب جزئياً او كلياً، حسب رؤيتنا، هو في اطار النظام، والنقاش هو في حجمها وطبيعتها وليس في توجهها. يتعزز تقدير الموقف هذا بحقيقة ان النظام العراقي بات محوراً اقليمياً ودولياً، يحظى برعاية ودعم حتى من المتصارعين فيما بينهم خارجياً، لكنهم يتفقون على دعم النظام العراق داخلياً.
عادل عبد المهدي