Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

جذب الاموال وليس طردها

الافتتاحية - عادل عبد المهدي - 0:21 - 27/11/2016 - عدد القراء : 2409

انه لامر محير في الحقيقة.. ففي سياسة اي اقتصاد، هناك اهداف رئيسية يعتمد عليها اصلاح الانحراف وتحقيق الاهداف الكبرى، واهداف اقل شأنا، او ثانوية، تحقق سلامة الاقتصاد وتخلصه من الشوائب والثغرات. وان الهدف الرئيس اليوم في ظل الشحة المالية، وتراجع اسعار النفط، والافتقار المالي المتزايد الحالي والمستقبلي للدولة، هو كيفية جذاب الاموال، وضخها في الاقتصاد الوطني، لتحريك الاسواق وتحفيز النشاطات وتشجيع الاعمال والاستثمارات. بالطبع هناك اهداف ثانوية مهمة كمنع التضخم، ومنع حصول فارق مهم بين اسعار بيع الدولار وفق البنك المركزي واسعاره في الاسواق، وهو ما يجب معالجته بسياسات اقتصادية اساسها تقوية الاقتصاد لا اضعافه. لكن ما نلاحظه ان معالجة هذا الامر يتم باصدار المزيد من التعليمات والتشديدات على المصارف واصحاب الودائع، والتي، عند الغلو فيها، تؤدي الى طرد الاموال، بدل اغراءها وجذابها. فما يقارب ٣٤ ترليون دينار عراقي موجودة اليوم في جيوب المواطنين (القاصات) والتي ترفض الدخول في الدورتين الضريبية والمصرفية، تهرباً بلا سبب، او خوفاً مشروعاً من الاجراءات البيروقراطية والتعسفية التي قد تتعرض لها.. وتشتري الدولار بـ١٣٠٠ دينار بدلاً من ١٢٠٠ دينار، وتفضل ذلك على ان تضع اموالها في المصارف بطرق يتحول فيها المودع وكأنه متهم او مخبر، ويطالب بتعهدات وبيانات فوق قدرته، لا تنسجم وحركة المال، وهو ما يقود عملياً الى تمنع الاموال، بل هروبها، ليزداد الفساد وازدياد الاسواق السوداء.

تعالج الاقتصاديات السليمة هذه المسائل عبر سياسات تعزز قدرة الاقتصاد اساساً وليس مجرد اصدار تعليمات متشددة، لا تحقق لا الهدف الاساس ولا الثانوي. لقد بلغ الفارق اليوم بين سعر المزاد وسعر السوق حوالي ١٠٠ دينار، اي حوالي ٨٪، علماً ان الدينار حقق خلال السنوات الماضية تقدماً بالنسبة للدولار تجاوز الـ٢٠٪.  بالمقابل تراجع “اليورو” خلال الفترة الماضية بمعدل ٢٠٪ مقابل الدولار.. وفي ايران هناك فارق بين السعر المصرفي (٣٢١٠ تومان/دولار) وسعر الاسواق (٣٧٢٠ تومان/ دولار) اي حوالي ١٤٪. ولاشك لدينا ان تحريك الاقتصاد وجذب الاموال من خارج الدورة المصرفية، وخارج العراق، هو احد الاهداف الاساسية التي في ظلها تعالج بقية الاهداف، عن طريق المحفظات الاستثمارية، وانطلاق سياسة استثمارية تحرك القطاعات الحقيقية، وتمتص البطالة، وتقلل الاعتماد على النفط، وتعيد توازن الاقتصاد وسلامة مؤسساته، وتعزز واردات الخزينة بالجبايات الاصولية، وتقلل الاعتماد على النفط والديون الداخلية التي ستستنفذ بعد فترة من تراجع الاحتياطات او قدرات المصارف والمواطنين، او الديون الخارجية التي ستكون شروطها اقسى واقسى كلما ضعف واقع الاقتصاد.

ان شعار “اعرف زبونك”، وتكييف المعايير المصرفية الوطنية مع المعايير الدولية، امر مهم لتطوير القطاع المصرفي، العتلة الاساسية اليوم لاية عملية تنمية اقتصادية، ولتسهيل مصالح الزبائن، ولمنع غسيل الاموال وهروبها. لكن المبالغة باي اجراء سيفسد هدف الاجراء نفسه. فالتشديد المغالي والاجراءات المتطرفة وكثرة الاوراق والتعهدات والطرق البوليسية لن تزرع الثقة ولا تشكل حلاً اساسياً، كما تظهر كل التجارب. بل هي تزرع الخوف والبلبلة فقط. فتتوقف انسيابية العمل المصرفي، ويشعر اصحاب الودائع بقيود اكثر للتصرف باموالهم، وحمايتها، وتحقيق المنافع والارباح المطلوبة منها. وان فارق ٨٪  وتقليص فارق الـ١٠٠ دينار، يجب ان لا يصحح بطرق تعسفية. فللمصالح والاسواق اخلاقها وممارساتها التي تختلف عن اخلاق وممارسات الوظيفة. فالمال حساس، وستكون النتيجة مغادرة الاموال للدورة المصرفية، وذهابها الى اقتصاد النقد Cash economy او لخارج البلاد. ففي ايران مثلاً، وفي ظرف استثنائي كهذا، يقدمون اغراءات تصل الى ٢٠٪ من الفوائد لجذب الاموال.. وان اموالاً من الخليج والعراق وبلدان اخرى تغادر اوطانها لتحصل على فوائد اعلى لنفسها يستثمرها الاقتصاد لتحقيق اهدافه الكلية. اي اننا بتغليب الاهداف الثانوية، والتعامل معها بطرق متطرفة، نمارس انحرافاً كلياً في الاقتصاد، وعن الاهداف الاساسية، يجعلنا نعتمد على الديون، ويمنع من اعادة هيكلة الاقتصاد والسياسة المالية والنقدية على اسس صحيحة.

عادل عبد المهدي

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

Screenshot 2024-05-16 at 00.19.17

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
38°
37°
Mon
37°
Tue
الافتتاحية