Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

زيارة الاربعين.. تجديد الامة وولادتها من جديد

الافتتاحية - 22:31 - 05/11/2017 - عدد القراء : 436

بسم الله الرحمن الرحيم

زيارة الاربعين.. تجديد الامة وولادتها من جديد

لاشك ان البعد الاول والرئيس لزيارة الاربعين هو بُعد عبادي واعتقادي.. فحب آل البيت عليهم السلام ونصرتهم وموالاتهم والبراءة من اعدائهم هو الكفة الاخرى بجانب القرآن الكريم لأمة الثقلين. فمظلومية الحسين عليه السلام تلخص كل المظلوميات، والولاء له يلخص كل الولاءات.

لكن هذا البُعد يقود معه بالضرورة لابعاد اخرى، ينتصر فيها الخير والعدل على الظلم والعدوان.. ليس بالمعنى الطائفي كما يتصور البعض، فالحسين ليس مُلك الشيعة فقط، انه ملك المسلمين، بل الانسانية جمعاء ايضاً. فمعاني ثورته عليه السلام تشحذ الضمائر الحية وافعال الخير بغض النظر عن الدين والمذهب والقومية.. فلا هيمنة او فوارق قومية.. فالزوار والمواكب من مختلف البلدان والقارات، وكأنها “الامم المتحدة”، ولكن بلا عداوات وصراعات يوحدهم ويلهمهم الحسين عليه السلام.. وإنه لمفهوم ضيق ان تُفهم النهضة الحسينية وكأنها ملك طائفة او فئة.. وإلا لفهمت اية حركة اصلاحية في التاريخ متجسدة بهوية من يرفع لوائها فقط.

يمكن الكلام طويلاً عن اثار الزيارة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وبسرعة وكامثلة، فلقد لعبت دوراً اساسياً للتعبئة والوحدة ومنع الفتن وتحديد البوصلة للانتصار على الدكتاتورية والطائفية والعنصرية، وعلى “القاعدة” و”داعش” ومن لف لفهم. وهذا انتصار لعموم الشعب، ولشعوب المنطقة والعالم، ادركه الاخرون ام جهلوه. فالاثار العملية والمجتمعية للشعائر الحسينة تفوق التصور. ففي الزيارة يخدم الكل الكل.. والكل متساو مع الكل. الفقير غني، والغني متواضع فقير لله. والضعيف قوي، والقوي في خدمة الضعفاء. والعاجز مقتدر، والجائع شبعان، والصغير كبير.. والجميع كادح الى ربه كدحاً، ليجد في نهاية يومه حضناً يحتويه، وشفقة ترعاه، وبيتاً يأويه، بلا تفرقة او تمييز.. فالكل يتعاون ويتوسل لخدمة الزوار واكرامهم، وجزاؤه التبرك بالحسين وقضيتة ورسالته. فاذا كان هذا ممكنا خلال ايام واسابيع، او ممكناً في الطريق لكربلاء، فهو سينمو في كل عام ان شاء الله، وسيكون ممكناً في كل الطرق والازمان.

فالزائرون لا يسعون لجلد الذات كما يشوه البعض، بل للتزود بمفاهيم الحكمة والتضحية والوفاء والشجاعة والصبر على الملمات التي سار عليها الحسين، لا لينتصر لنفسه مجرداً، بل لينتصر عبر تضحيته وانتصار امته. فيقول عليه السلام “إني لم اخرج اشراً ولا بطرا ولا مفسداً ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي”.. فعليه السلام ليس مغامراً او انتحارياً او ساعياً لتعريض نفسه وأهله واصحابه للتهلكة.. بل عارفاً مسؤولياته ومدركاً قدره وابتلاءاته. فالامر مركب، وفيه اولويات.. فـ”الموت اولى من ركوب العار، والعار اهون من دخول النار”.. فلا مساومة فيها معصية الله، وانحياز للظلم والعدوان والفساد ودخول النار، حتى وان كان ثمنها المهانة، والتي يبقى الموت افضل من القبول بها.. لذلك يبقى شهداؤنا هم الاكرم بيننا.. وقد ازدانت زيارة هذا العام بصورهم يحملها الزوار وترفعها المواكب.. بدل الكثير مما كان يرفعه البعض من صور قادته واحزابه. فللزيارة اثار عظيمة خصوصاً في دور المراة والشباب والشيوخ والاطفال. اذ يجب ان نتذكر ان هذه الزيارات لم تصبح مليونية وعالمية الا منذ سنوات قليلة.. وسنرى خلال سنوات قادمة كم ستراكم من تغييرات في سلوك اجيالنا، وكم ستدخل من المفاهيم السامية التي دمرتها عصور الظلم والفساد والاستبداد والمفاهيم المضللة. فالزيارة ابعد من كونها سياحة دينية، عند تعداد موارد البلاد.. إنها ثروة وثورة.. بما تحركه من اموال وانفاق ومصالح زراعية وحيوانية وحرفية وصناعية وتجارية وفي فرص العمل، ونماء الاموال الجديدة التي هي الكنوز الحقيقية، المتزايدة مع كل دورة وحَوْل، حسب قاعدة “كنز الاموال في انفاقها”، فهي تنمو كلما تحركت الاسواق والانتاج والاعمال، لتتجاوز عطاءاتها ما في الارض من كنوز. فمع ازدياد الاعداد كل عام، ومع جهود التحسين والتطوير وازالة الثغرات والنواقص على كل الصعد، فان الزيارة هي يقيناً، تجديد للامة وولادتها من جديد.

عادل عبد المهدي

 

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

الطقس في بغداد

بغداد
25°
26°
الجمعة
27°
السبت

استبيان

الافتتاحية