Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

عودة العراق كقوة جاذبة؟

الافتتاحية - عادل عبد المهدي - 0:00 - 15/08/2016 - عدد القراء : 1951

اعتبر العراق عبر التاريخ قوة جاذبة، وليس منفرة او طاردة.. لم يعرف الهجرة كثيراً، بل كان بلد استقبال الهجرات يصهرها في مرجله الكبير. فصارت له هذه التعددية التي باتت ثابتاً وسمة اساسية لشخصيته وتكوينه وابداعاته وديناميكيته وحضاراته. وهو ما يفسر حرص الامبراطوريات الكبرى على مر التاريخ ان تؤسس فيه كرسي امبراطورياتها، كما فعل الاسكندر الكبير في بابل، وكسرى في المدائن.. والخلافة العباسية في بغداد، الخ.. فكان العراق دائماً محط انظار العالم لموقعه وثرواته.. وقبلة العلماء والتجار والغزاة على حد سواء.

ففي ظروف معينة، فقد العراق دوره بسبب البذخ او الغزو ومنازعات عنيفة كانت تنهك قواه وموارده، او بسبب الاوبئة والفيضانات لاهمال انظمة الري وغيرها من عوامل تفقد البلاد مرتكزات عيشها وتطورها، او بسبب النظم المتطرفة التي، بدل ان تراكم وتتقدم، تنتهي باستهلاك الاصول، وهو ما يعبر عنه احد الولاة المصلحين موجهاً عامل خراجه قائلاً “ابقوا لهم لحوماً تنمو عليها شحوماً”، اي لا تغالوا في الخراج بما يمس الاصول.. عندما لا تسير الامور كما يجب تزداد الصراعات وتتحول القوى الجاذبة الى قوى طاردة، وتتعطل ديناميكية العراق وسر قوته. ولعلنا نمر اليوم بمثل هذه الظروف. فكل ما لدينا، وما حولنا يسمح لنا بالتحول من جديد الى قوى جاذبة ومحبَبة، ذلك ان تركنا لبوس التخلف والجهل والخصومة البائسة، وسلسلة من الموروثات والافكار الفاسدة والممارسات العاطلة التي تفرط بحقوق البلاد والعباد، وتجعل قانونها الهدر والاستهلاك دون النظر للاعمار والانتاج، والاكثار من الاعداء والزهد بالاصدقاء.

ان الامر ليس قدراً او سراً.. بل نسيج له عوامله، ويمكن تفكيكه بسياسات واجراءات طبقتها دول كثيرة. فخلاصنا وتطورنا يرتبط بتغيير هذه السلوكيات والنظرات. فكلنا يطالب بالاصلاحات وتلبية المتطلبات والقضاء على الفقر والبطالة والتخلف والجهل والفساد.. لكننا نستمر في الاعتماد على النفط، ونحافظ على مجموعة من المرتكزات الحاكمة لسلوكنا، والتي ورثناها عن حق او باطل من ظروف قامت وانتهت.. وان وقفة جادة وشجاعة وجماعية من اشكاليتي، الاجنبي/ الوطني من جهة، والرأسمال/ العمل من جهة اخرى، سترينا ما نفرط به، في هذين الامرين، دون ذكر غيرهما.

وكخطوط عريضة، ما زلنا نتعامل مع اجنبي الجوار كعدو وخصم ودخيل علينا، بينما هو صديق وشريك وضرورة لنهضتنا، وان تقليص الخلافات معه، بتعظيم المشتركات، هي الوطنية وخدمة البلاد والعباد اليوم.. بل واجبنا، بعد تحررالبلدان والشعوب، واندحار عهود الاستعمار، او اخر مخلفاته، ان نعيد تقويم نظرتنا للعالم كله، ولشعوب الارض قاطبة، لنراها جزءاً من استثمارنا ومصلحتنا ومستقبلنا.. بدون هذه النظرة الصديقة والجاذبة، فاننا لا نقوم سوى بالتفريط بفرصنا ليستثمرها الاخرون. فكثير من الامم التي حاربت الاستعمار طويلاً وهزمته، عرفت كيف تستثمر تداعيات الظرف الجديد وحقائقه وتوازناته المتجددة، لتتحول الى دول متقدمة حتى على من استعمرها سابقاً. فاذا كان الانكفاء والتحفظ موقفاً وطنياً سابقاً، فان الانفتاح الواعي والمسؤول على العالم كله هو الموقف الوطني الذي يعزز استقلالنا ويضمن تقدمنا، ويمنحنا الحصانات والقوة لحماية انفسنا والدفاع عن بلداننا.

الأمر نفسه يتعلق باشكالية راس المال/العمل.. اذ ورثنا من المراحل السابقة الكثير من المفاهيم التي افرزتها تلك الظروف.. والتي تغيرت ولم تتغير المفاهيم… فالاقتصاد العالمي بات متداخلاً اليوم، وهيكيلاته مترابطة، والكل يدرك ان تراكم راس المال والتكنولوجيا والادارة الراشدة هي العناصر الاساسية اليوم لنهضة البلدان، ولكسب الاسواق وخوض المنافسات وتوفير مصادر العيش اللائق. فلم يعد بالامكان تلبية حاجيات البشر بالوسائط اليدوية البسيطة، وانماط العمل والاسواق المغلقة. فليس اصح اليوم مما قيل قديما، من ان الفقر يورث الفقر، والغني يورث الغنى، والجهل يورث الجهل والعلم يورث العلم، وهلمجرا.. لذلك ان كنا نحب شعبنا وبلدنا، فان واجبنا يتطلب اغراء رؤوس الاموال الوطنية والاجنبية، والانفتاح على ارقى الاداريات والتقنيات، وتشجيع واحات العز والكرامة والرفاه، لا عشوائيات الفقر والبطالة والجهل والارهاب والفساد.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
16°
31°
Sun
29°
Mon
الافتتاحية