Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

قانون العشائر.. الاهتمام بالقاعدة الاقتصادية/الاجتماعية، وليس الهياكل

الافتتاحية - عادل عبد المهدي - 0:08 - 28/12/2016 - عدد القراء : 1727

اهتمت مسودة قانون العشائر بتأسيس “مجلس قبائل وعشائر العراق” ومنحه شخصية معنوية واستقلال مالي واداري، ومهمته تقديم المشورة للدولة، وحددت طريقة تشكيل المجالس وعضويتها.. اي ركزت المسودة على الامور الشكلية والاجرائية ولم تعالج الواقع والحاجيات العشائرية الاساسية. لهذا المطلوب اولاً دراسة الموضوع جيداً، من حيث طبيعة المجتمع، وبخلفيات فكرية متعمقة وحقيقية، لترسيخ الصالح وطرد الطالح.

يدعو الدستور لاستنهاض العشائر، بما يساهم في تطوير المجتمع، وليس تكريس واقعها الحالي.. فالعشائر وحدات اساسية لها مقومات اقتصادية/اجتماعية. وما لم تساعد العشائر على تنمية هذه المقومات، ليكون اعتمادها على نفسها، وليكون لتطورها الايجابي مقومات اقتدار وتكامل ونضج، بسياق ذاتي تقود اليه انماط حياتها ودوافعها، فان الدعم الخارجي، وتحبيذ ولاءات على حساب اخرى، لن يسفر سوى عن اشكال جديدة من التراجع والتدخل والاستغلال.

فالعشائر ان قامت روابطها اساساً على النسب وعلاقة الدم، لكن ديمومتها وحيويتها تتأتى غالباً من قاعدتها الاقتصادية الاساسية، والتي هي بسبب تركزها في الريف تقوم على الارض والمياه قبل كل شيء. فكل ما يتعلق بالارض عندنا يتعلق بالعشيرة والعكس صحيح، خصوصاً ما يتعلق بتنظيم الملكية والاجارة والاستثمار والحيازة وقضايا الارث والحقوق الخاصة والعامة، الخ. وخلال القرنين الماضيين على الاقل، نظمت هذه الامور انطلاقاً من مصالح خاصة قصيرة النظر. فجعلت قوانين التسوية في الفترة العثمانية او الملكية، وقانون الاصلاح الزراعي وتعديلاته.. والقوانين والتعليمات التي تصدر لاغراض متعددة، كل اراضي العراق، ليس للمزارعين او المالكين، بل ملكاً لوزارة المالية كارض “اميرية”. وجرت هذه العملية التاريخية والخطيرة، بعيداً عن خلفيات فلسفية متكاملة، ورؤى مؤسساتية مدركة للواقع ونسيجه، ومصالحه الخاصة والعامة. تشريعات وتطبيقات مملوءة بالتناقضات، وفيها من الحيف والاذى للافراد والجماعات والدولة وللعمل والانتاج الوطني اكثر مما فيها من الفوائد. مما جعل قضية العشيرة والارض والمياه، وكل ما يتعلق بها، من اعقد الامور، واكثرها جموداً وعرضة للاستغلال والتلاعب والانتهاك. وهذه من العوامل المهمة للمنازعات العشائرية من جهة، ولتراجع الزراعة والثروة الحيوانية والنشاطات الريفية وازدياد الهجرة ونقل العادات العشائرية الى المدن دون اية قاعدة اقتصادية/اجتماعية، مما يتسبب بالكثير من المشاكل الاضافية للريف والمدينة على حد سواء. فاستنهاض العشائر التي هي واقع منتشر اليوم في البلاد دون توضيح نمط العلاقات، ودون استنهاض واقعها الاقتصادي/الاجتماعي هو كتنصيب رئيس جمهورية دون جمهور. ولعل العراق هو البلد الوحيد الذي توسعت فيه الارض “الاميرية”، لتشمل كل الاراضي خارج البلديات تقريباً، بينما هي تقلصت كثيراً في سوريا وفلسطين ولبنان والاردن وبقية الدول التي كانت خاضعة للدولة العثمانية. وهذا خلل كبير، يعكس احتكارية الدولة، وغياب ملكية وحقوق الشعب باشكالها المتعددة.

لا يقف امر العشيرة في قضية الارض والمياه، بل يتعلق بكل مستلزمات الحياة الاقتصادية/الاجتماعية، كالمصانع الانتاجية والتحويلية والجمعيات التعاونية والاسواق والمصارف والمدارس والطرق والمستشفيات والسكن والمرأة والطفل والمعاهد والمختبرات والاوبئة، الخ .. فالدول كافة تهتم، حسب خصائصها، بالجماعات المختلفة ومناطق عيشها. ففي فرنسا انطلقت حملة واسعة لايقاف الهجرة وحماية المزارعين، تحت شعار [لا بِلاد بدون بلد(يين=المزارعين)] sans paysan pas de pay، وهي عبارة اطلقها “ريموند لاكومب” (١٩٧٥)، ولاحقاً الناشطة “ايف لامون” من كوبيك (كندا). وكمثال اخر، (والبحث معقد وطويل) تعتبر الولايات المتحدة العشيرة الهندية كوحدة اساسية Tribe is a fundamental unit حسب التعبير الرسمي، ويخول الدستور الكونغرس حق التعامل مع العشائر، لترتيب شؤونهم. وهو ما اكدته المحكمة الفيدرالية ايضاً بعدد من قراراتها. وتعترف الحكومة بـ٥٦٧ “وحدة عشائرية” والعدد في تزايد حسب السجلات الفيدرالية في بداية عام ٢٠١٦.

ان العشيرة واقع كبير لدينا، وان اصدار قانون دون العودة لمرجعية فكرية موحدة وعميقة لفهم تركيبة المجتمع وخصائصه كقضية الجماعات، والملكية، والارض، والعلاقة بين الريف والمدينة، والدولة والجماعات، سيرتد على المجتمع والعشيرة على حد سواء. فهو كمن يصف الدواء دون تشخيص حالة المريض والمرض وعلاجه، وسيسمح فقط لمزيد من الفوضى والتشويش، وهو ما نشهده امامنا. (للبحث صلة)

 

عادل عبد المهدي

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
31°
34°
Wed
33°
Thu
الافتتاحية