Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

لا دستور بدون دستوريين، ولا ديمقراطية بدون ديمقراطيين

الافتتاحية - عادل عبد المهدي - 1:15 - 13/09/2017 - عدد القراء : 1674

يقارن البعض بين نمطية الدكتاتورية واستقرارها الظاهر، وفوضى وصراعات الحريات.. وان الحريات السائدة اليوم لا تؤطرها وتضبطها التشريعات والمؤسسات التي تمنع من التجاوز والتي تفرض القانون والنظام. فتحولت في احيان كثيرة الى اكاذيب وضياع حقوق ومهاترات والاعتداء على الحريات ما يدفع البعض للقول، ما جدوى الحريات ان كانت ستؤدي الى عدم الاستقرار والفوضى من جهة، والى الاعتداء والقتل والنهب والسلب من جهة اخرى. فقد نخسر حريات في النظم الدكتاتورية لكننا نكسب هدوءاً واستقراراً وامناً ومنجزات.. فنحن في الدكتاتورية امام دكتاتور واحد، لكننا مع فوضى الحريات والقوى امام الف دكتاتور.

هذه النظرة لها براهينها ووقائعها، لذلك يجب اخذها بجد، وتشخيص جذورها. ورأينا ان هذه نظرة جزئية وخاطئة. ففي المحصلة لا نكسب استقراراً وأمناً في النظم الدكتاتورية الشمولية الا لشريحة معينة ولوقت معين. فالدكتاتورية عمادها الخوف حتى للمستفيدين منها، وسلاحها القمع لتغييب كل الاخرين. فلا يعمل قانونها، ولا تتحقق قوتها الا بالتفرد والقمع، والمزيد منهما، ليصيب في النهاية اقرب الحلقات، ولترتد في المحصلة على الدكتاتور نفسه. اما منجزاتها فهي، وان تحققت، فلحين وجزئية، وتتلاشى مع المطامع والمغامرات والحروب وسقوط الدكتاتورية، في وقت ما. والذي سيعقبه بالضرورة فراغاً لوقت قد يقصر او يطول، حتى يستعيد المجتمع لملمة وعيه وقواه الذي غيبته الدكتاتورية، خصوصاً الشمولية.

وللدارسين في شؤون المجتمعات وتطوراتها، فانه –خصوصاً بعد مراحل الدكتاتوريات الشاملة- لا توجد حريات وديمقراطية ولدت بدون مخاضات وارهاصات معقدة. والمشكلة ليست كما نسمعها من البعض ان شعبنا غير مستعد لممارسة الحريات او الديمقراطية، وانه بحاجة لمستبد عادل، او لدولة قاهرة، او لمستعمر وطرف اجنبي ليعلمنا الحرية والديمقراطية. فهناك مجتمعات عاشت دكتاتوريات اكثر وحشية وقسوة ومرت بتجارب من الفوضى والفساد اكثر بكثير مما عرفناه او نعرفه حالياً، لكنها استطاعت في النهاية موضعة الحريات في مكانها الصحيح، وممارسة الديمقراطية والمؤسساتية بشكل نافع. بل نرى ان في تجاربنا الكثير من المقومات التاريخية والقيمية والدينية والاجتماعية التي تسمح باعلى درجات الحرية والمؤسساتية وضمان الحقوق بالتزاماتها وضوابطها. فالمقومات موجودة، شأننا شان الشعوب الاخرى. فنحن اهل شرائع ولوائح وعقود سماوية ووضعية، لكن الامر يتطلب شرطاً اساسياً لابد ان يتوفر، لتحقيق الطفرة النوعية المطلوبة، ونقصد به انعقاد العقد. لذلك قيل “اهل الحل والعقد”، وقيل “العقد الاجتماعي” ومئات التعابير التي تدور كلها حول مفهوم ان الاجتماع او المجتمع سينتظم امره ان انعقد العقد، وسيبقى فوضى وشريعة غاب او اقرب، ان لم ينعقد.

ليست المشكلة اختلافات السنة والشيعة، او الكرد والعرب والتركمان وغيرهم، او الاحزاب السياسية، او الدينية والعلمانية او التيارات المختلفة، فلكل من هذه مكانها في العقد. وكنا ولا زلنا نعتقد ان الدستور، او اية وثيقة او تعديلات، يمكن ان يكون هذا العقد. لكن مشكلتنا كانت وستبقى ان دستوراً بدون دستوريين، وديمقراطية بدون ديمقراطيين، وحريات بدون ضمائر حرة، ستُبقى اي عقد عرفي او مكتوب حبراً على ورق. واننا لم ندرب انفسنا لا في فترات الدكتاتورية ولا بعدها لنكون دستوريين وديمقراطيين واصحاب رأي حر حقيقية.

امامنا طريقان، اما ان ننساق وراء المفاهيم الجارية في ادارة الدولة وفي خطاب السياسيين ووسائل الاعلام وفي الانتخابات التي تدغدغ ذات المفاهيم والمشاعر التي انتجتها عهود الفوضى والاستبداد والفساد، والتي تجدد انتاج فوضويين وليس دستوريين، ومتفردين ومستبدين وليس ديمقراطيين.. واسرى وعبيد افكار ضيقة وليس اصحاب فكر حر يحكم سلوكهم وضميرهم ووعيهم، او ان تعي النخبة والقيادات على الاقل ان مصالح شعبها، بل مستقبلها، هي بانعقاد العقد والارتقاء الى مستواه، وليس الهبوط به الى مستوى موروثاتهم البائسة، واختيار ما يناسبهم ويلزم غيرهم، واهمال ما يلزمهم ويحكمهم. وان يتحولوا من منتج لعهود الفوضى والاستبداد، الى منتج للحقوق والمؤسسات والمفاهيم المتقدمة، والتي تؤسس لسلوكيات واعمال تضع كل امر في نصابه ومكانه، وتقود شعبها لما يحقق مصالحه وأمنه وحقوقه.

عادل عبد المهدي

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

الطقس في بغداد

بغداد
25°
26°
الجمعة
27°
السبت

استبيان

الافتتاحية