Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

العراقي شاكر لعيبي… المعنى بوصفه نصا تصويريا

العراقي شاكر لعيبي… المعنى بوصفه نصا تصويريا
ادب وثقافة - علي حسن الفواز - 14:20 - 27/08/2015 - عدد القراء : 1067

الشاعر يرصد الحياة عبر اللغة، يقلّبها، يستغرقه الظاهر والباطن فيها، يتكشف بين يديه سحرها وشفراتها واستعاراتها وطقوسها وأساطيرها وقصص خلقها، حدّ أنه يعيد موضعتها في نسق مفتوح، يتسع لاستعادة أسطورة الأنا، ولما تكشفه عنها الرؤيا، وما تبوح به اللذة، إذ تبيح له شغف المغامرة وفعل الاستعادة والاختزال، ومواجهة كل ضراوة الأثر والتاريخ والمقدس ومواجهة مقموعها، عبر تعرية شفرات نظامها الاستعادي، النظام الذي يتكئ على وهم الجسد وأسطورته الغامرة في النص، حيث الريّ عبر الطاسة الأسطورية، وعبر (الصلصال الخالق) أو عبر مهارة الشاعر وهو يتكئ على خبرته البصرية المفتوحة على تأويل الرؤيا وافتراس الفكرة..شاكر لعيبي شاعر (الأنا المتعالية) يختزل بصريا الطريق الى النص، ليكون هو الشاعر الرائي الذي يفكر ويستعيد ويحتفل وينتصر، وينحاز إلى لعبة الخلق، تلك تمنح اللغة طاقة متعالية للتكوين والكشف والتناسل، مثلما تمنحها تدفقها الغامر لتشكيل نوع من سيميائية الجسد، عبر رمزيته وأيقونته ونصيته، التي تقوم على التحقق في البلاغة الصورية، وعلى فاعلية الشاعر في الإفصاح عن رؤياه، وفي تقصيصه، كونه الأقرب إلى (جامع النص) والأكثر هوسا باستعادة (أنا الخبرة) عبر الأسطورة والتاريخ، وعبر الخلق، وعبر صورة الأب، إذ تتشكل سيروراته بوصفها تشكلات صورية، وأفكار تتسع فيها الرؤيا والعبارة، مثلما تتسع فيها المفارقة أيضا، تلك التي يتمثلها النص عبر تضادات سيرة الجسد/ الصلصال/ الأسطورة، إزاء سيرة اليومي والهامشي والمهمل..كتابه الشعري الجديد (الأدنى والأقصى) الصادر عن مؤسسة الدوسري/المنامة يثير الكثير من الأسئلة حول المرجعيات الشعرية، وحول ما يتكشف من صورة الشاعر المتعالي، الشاعر الكاشف لأسرار قبح العالم وسيرورته، تلك التي تبدأ من أسطرة سيرته، سيرة البدء ( بيدي طاسة نحاسية) وانتهاء بانغمارات الشاعر في حدوس رؤياه، وفي النظر إلى جنوسة نصه الشعري، وتمثله لكل ما يتبدى من تحولات الكائن المتعالي الذي يتلبسه، بوصفه كائنا خالقا أيضا، خالقا ذكوريا له سرائره وشفراته وبصائره، وله قدرته على تشبيك العالم عبر اللغة، وعبر وظائفية أدواته الفائقة، كونها وسيلته الظاهراتية في (شعرنة) الأفكار التي يتمثلها ويستعيدها..

بيدي طاسة نحاسية، شرب بها الأرباب والفلاحون كلاهما،

شرب بها أبي وشربت بها أنا نفسي. هذه جرّة من صلصال

صنع منه الحائط كذلك والفمّ الشهواني..

العنوان بدلاته الرمزية يثير أسئلة حول المرجعيات والحمولات الاستعارية، وحول أحكامها في إثراء الدلالة، وفي استنطاق النصوص، بوصفها نصوص (الأنا المتعالية) التي تحتفي بالمؤوّل من المعنى والوجود، والتزوّد بحدوس الكشف عن الطاقة الفائقة لشعرية المكاني والزماني، وطاقة المتخيّل الجمالي/البصري الباعث على استجلاب العالم والأسطورة السحري والسيري إلى النص، لكي يحقق الشاعر إشباعته البصرية واللفظية.هذه الإشباعات تتحول إلى لعبة في تبئير موجهات الكتابة، إذ يرى الشاعر تحولاته عبر مرقاب اللغة، وهي تتلبس عين الاستعاري والسيميائي والتشكيلي، وكأنه يحاول- عبر هذه اللعبة- أن يستكنه سر الوجود وإشراقاته، ويضع خبرته بوصفها حيازة تصويرية، أمام حدوس الكشف والتأويل، وإدراكا قارّا لقوة أناه وشراهتها في الانفتاح على شساعة المتخيل، وتلمّس حدود الفكرة الشعرية، والتوسّع بالاستعارات، تلك التي يجوس من خلالها تخصيب المعنى، والاحتفاء به، فضلا عن العناية بهيئة الجملة الشعرية، بوصفها الأداة الياكوبسنية للإيصال، والأداة البارتية للتشفير، حيث استدعاء الآخر/ اللذة عبر اللغة، واستدعاء فكرة الإشباع/ الخلق عبر الإيقونة السيميائية، فهو يقرن استعارته اللغوية، باستعارة بصرية لكي يضبط التدفق التصويري للأفكار، ولكي يحافظ النص – من خلالها- على تكوّن النص العضوي بوصفه نص الرؤيا، ونص الخبرة أيضا، وحتى استعادة الشاعر لتبديات اليومي، والشخصي، لا تتم إلاّ عبر وظيفة الخبرة بوصفها تجسيدا لـ(روح الفخامة) وتمثلا لسيرة الشاعر وتاريخه الشخصي المُشبَع بالتحولات الوجودية واللغوية والبصرية، التي تنعكس على تحولات الصياغة للجملة الشعرية في مستواها النحوي والثقافي والسيميائي، إذ يحمل تدفقها هاجس الشاعر وقلقه وسؤاله الفلسفي القائم على إثراء الدلالة، والى الاهتمام بأحكام التشكيل البصري/ الشعري، لأنها لعبة الشاعر الأثيرة..

لن أغلق النافذة، فمازالت أغاني العرس تتسرب في العتمة من أفواه

السيدات المُطيبات بالرياحين، مازال الصوت مقداما لكي يصل مثل

ساقية الى مصبّها.

لم نبرح العاشرةَ بعدُ من الليلة التي تزوغ من حساب الليالي،

أتمسك بقامتي على الشرفة لأنّ قطرات العرق كانت تنصبّ

من جسد على جسد، ولأنّ الرائحة كانت تتقلب على الرائحة.

استعادة فعل اللذة ليس بريئا، وليس مناورة، بقدر ما هو تمثيل ينطوي على شبكة من الموجهات، إذ يتجه بعضها نحو الخبرة الشاعر، ونحو رؤيا الشاعر، ونحو اقتراح مسار دلالي للنص والفكرة والصورة، عبر (أدنى) ما يتساقط من تلمساته للمكان وحضور الجسد فيه، وعبر (أقصى) ما تبيحه تلك الخبرة من استكناه لما يهجس به الغياب، وربما هي (أقصى) ما يمكن أن يقترح الشاعر كحدس متعالٍ لتأويل رؤيا الأنا للوجود الأنطولوجي، أو لفكرة استعادة قوة الأب الذي يرنّ صوته، إذ يستعيده فحلا متناسلا، له ميراث الحضور التي ينسحر به الشاعر، مقابل ضدية الغياب/الموت الذي يرى أشباحه من خلال اللغة..

شاكر لعيبي شاعر ينفرد بوعي صاخب عبر تلك العنونة إلى فضاء النص، إذ يكتب سيرة رؤيته الحدسية، ويفصح عن شراهتها للكشف عما يحوط المعنى والحياة والفكرة والأسطورة والتاريخ والأحلام والأبراج، فهو يضع ذلك النص بوصفه الرؤيوي أمام اللعبة الفائقة لما يمكن أن تستدعيه الكتابة، وما تفترضه حساسيته البصرية، وما يتمثله أنموذجه الأيقوني للأنا المتعالية، والذي يجسّد عبره الملامح التعويضية لفكرة الانتصار/ الإشباع (أنتصر على نفسي، أنتصر على هشاشتي، أنتصر للأرض، أنتصر للشعر، أنتصر على العرس، أنتصر للمرضعات) والذي تجسّده تحولات القاموس والاستعارات والمفاهيم، واشتباك المعنى خارج اللغة، مع التأويل النافر من الصورة، ومع إرث الحكمة والنبوءة بما يتركه له ابن خلدون، أو ما يشاطره في رؤية إبن سيرين.. الفضاء التشكيلي لنصوص لعيبي تسعى لتكريس ثنائية (البث البصري والبث الذهني) كما يسميها الناقد محمد صابر عبيد، التي تجعل النص أكثر انفتاحا، وأكثر مراوغة وأكثر حساسية، إذ يظل فعل التشكيل هو الموجّه للفاعل التصويري، ولاستدعاء صور الوجود/ الطبيعة إلى الكثير من تفاصيل الحياة اليومية، وإلى الإبانة عن نقائضه ومفارقاته، بكل ما يمكن أن تشكله من معادل تعبيري وتصويري للصراع الوجودي الذي يعيش رعبه الواقعي ولذته السيميائية، وبقدر ما يمكن أن تثيره هذه النقائض من هواجس، فإنها تنشد أيضا تشحن الأفعال المضارعة بقابليات تعبيرية، تتسع فيها الفكرة، وتتسع فيها بنية الجملة، لتكون جملة تصويرية مفارقة يتقصى من خلالها الشاعر ثنائيات متضادة للغياب والحضور، والمقدس والمدنس والمعنى والعدم..

الطريق طريا ينحدر للبستان،

إلى الجانبين أسمع ثغاءً وهريرا،

وبعد الواحة ثمة بيوتات ناصعة

البياض مضروبة بالقيظ، كما لو أنها

خرجت للتو من أحياء الكتاب المقدس،

وفي أطرافها خمارة الحي..

لا نسمع هنا سوى الثغاء والهرير

المختلطين بتصدعات حجارة بدء الخليقة..

يستنطق الشاعر لعيبي عبر هذه اللعبة الوجود بوصفه قائما على المفارقة، وبدلالة أنه صراع دافق تعيشه الأنا المتعالية، وله علائقه البصرية، تلك التي يساكنها النص، ويكاشفها كونها تمثل وجودا استعاريا، له طقس اللذة التي تهجس بها تلك الأنا، وله طاقتها الاستثنائية التي تستعيد الاستعارات، تلك التي تدفع الجملة الشعرية لأن جملة بصرية، وتدفع رؤيا الشاعر لأن تكون مكاشفة للنسق المضمر في في تلك الجملة وفي معادلها الصوري، فضلا عن شغفها بالكشف والتعرية والبحث عن سرائر المعنى/ الجوهر بمعناه الفلسفي، وبما يغوي الشاعر الذي يظل واقفا مثل حراس الجحيم الدانتوي يستعد الجسد، ويستعيد الخلق ويستعيد العذاب المثيولوجي وكشوفاته وأسفاره، العذاب الذي يجرّنا إلى الكتابة/ اللذة/ الخلاص بوصفها تملك جوهر السر المضاد والمفارق…

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
24°
34°
Sun
32°
Mon
الافتتاحية