Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

«الكتابة والشراكة» تحولات مفهوم المؤلف في الأدب

«الكتابة والشراكة» تحولات مفهوم المؤلف في الأدب
ادب وثقافة - 0:27 - 02/09/2015 - عدد القراء : 928

عندما كان عبد الفتاح كليطو يفكر في «المؤلف» في الثقافة العربية القديمة، في كتابه «الكتابة والتناسخ مفهوم المؤلف في الثقافة العربية»، لم يكن ينطلق من تصور محدد نظريا في الثقافة العربية التراثية، كما لم يهتم بتتبع المعنى المفهومي للمؤلف في النقد القديم، في محاولة منه لإعادة إحياء المعنى الذي كان يعنيه المؤلف آنذاك، كما لم يكن يعتمد تصورا تاريخيا، يجتهد من أجل تمثل واقع المفهوم في الوعي الثقافي العربي، إنما التفكير كان يتأسس على طبيعة المفهوم وهو يتجلى في الكتابة/الثقافة العربية، باعتبارها خطابا ونظاما، من خلال تحليل النص الأدبي، واستخراج تجليات المفهوم من نظام الكتابة وترتيب عناصرها.الشيء الذي يعني، أن التفكير في مفهومِ مُعين، لا يُقصد به البحث في وضعه المعرفي القائم، بقدر ما يعني الأمر المعنى الذي تؤسسه الكتابة الأدبية عبر نظامها، والذي تحدده طبيعة القراءة ضمن دلالة مفهومية. إن دلالات المفاهيم لا تتحقق إلا من خلال التجلي في الكتابة، ولا يكون لها وجود قبل ذلك التجلي. لهذا، ستظل الكتابة الأدبية عبر تجلياتها التاريخية، مادة خصبة لتجديد دلالات المفاهيم حسب تطور الرؤية النقدية، وأدواتها المنهجية، ومنطلقاتها الفلسفية، وتصبح دلالات النص عملية تفكير مستمر. لهذا اعتبر الناقد المغربي رشيد بنحدو في كتابه «جمالية البين- بين في الرواية العربية» ( 2011) أن معنى النص «ليس وراءه، بل أمامه. إنه فينا وبنا نحن القراء»(ص13). يقول كليطو في «الكتابة والتناسخ» وهو يحكي للقارئ حكاية تفكيره حول «المؤلف» في الثقافة العربية، وسفره في الشعر العربي القديم، مُتأملا نظام البيت الشعري لدى عنترة، واقفا عند المعنى الدلالي للقصيدة، «الشاعر هو، قبل كل شيء، مُنقب في الآثار التي طواها النسيان أو كاد. وعليه أن يصارع النسيان، ضد هذه «الطلول» التي تكسو الديار. ومن حسن الحظ أن «السيول» جلت الأرض وأظهرت ما كان مستورا..مهمة الشاعر أن يرسم رسما فوق آخر، ويكتب كتابة فوق أخرى. الكتابة الجديدة تخط فوق الأخرى التي تكاد تمحي»(ص 20). نلتقي هنا، بمفهوم التناص، كما ظهر في تنظير كريستيفا، وباختين وتطور مفهوميا مع جيرار جنيت، وفكرة «الطَرس»، وما له علاقة بخطاب الأثر والمحو.فالشاعر/المؤلف يقتفي آثار السابقين التي لا تنطمس كاملة، ويُعيد بناء الديار المهجورة كما فعل عنترة، من دون أن يعني ذلك، إقصاء لصوته المنفرد، وذوبانا تاما في آثار الآخرين، واكتفاءه بإعادة رسم آثار الكتابة السابقة، إنما المؤلف من يستطيع إنتاج التميز لصوته وسط الاستمرار والاقتفاء، ومن يفوز بتأليف كتابة تبدو جديدة، ومُغايرة، وإن قامت على رسم كتابة سابقة، لهذا استطاع عنترة في تقليده ـ يقول كليطو- «أن يسمع صوته بين أصوات الأقدمين بنبرة لا مثيل لها. صحيح أنها انعكاس وصدى، إلا أنها تتمتع بكيانها الخاص. إنها تتحرر من غيرها بذات الفعل الذي يجعلها مشدودة إليه»(20ص). ويحدث ذلك بفعل الذاكرة والنسيان، وحفظ ما أبدعه الأقدمون، ثم الاشتغال على نسيانه مثلما حدث مع أبي نواس.عندما نتمعن في وضعية المؤلف، سواء في الثقافة العربية القديمة، واقتفائه أثر الأقدمين، وفي الثقافة الحديثة التي طوَرت المفهوم السابق، باعتماد صيغة امتلاء كلام المتكلم بكلام الآخر، وبالكتابة باعتبارها طبقات نصية مُتفاعلة، فإن كتابة/كلام الآخر تُشكل منبعا لكلام/كتابة المؤلف، سواء من أجل دعم مبدأ «الحجة» بالنسبة للمؤلف في الثقافة العربية القديمة، الذي ـ كما يرى كليطو- لكي يحقق المعنى لنصه، لابد أن يقع الإجماع على أنه حجة، حتى يضمن لنصه كلاما مشروعا، ينطوي على سلطة، أو من أجل إثبات النص باعتباره حياة مستمرة من وإلى، عبر تقاطع النصوص والملفوظات الاجتماعية واللغات والأصوات، ما يجعل النص عبارة عن تداخل نصي، يُشخص بدرجات متفاوتة ثنائية ظاهر/ضمني، أثر/ محو، ذاكرة/ نسيان، وفي الصيغتين معا (القديمة/الحديثة) يُعتبر القارئ الفاعل التقني والمعرفي في تحليل هذه الثنائيات.مفهومان بتنا نلاحظ تجاوزهما في الكتابة الأدبية اليوم، خاصة السردية، ضمن تحول في نظام كتابة النص، أو بتعبير أكثر دقة، انتقال مفهوم المؤلف من المُنتج المقبل من ذاكرة نصية سابقة (حفظ، تناص..) إلى المؤلف المُتجه نحو المقبل من المستقبل، والذي نعني به، حاجة التأليف إلى شريك آخر مقبل ليس من أجل تفكيك ما هو مُنجز، أو تم تحقيقه نصا، وإنما شريكٌ مُطالب، وفق طبيعة شكل الكتابة، بأن يكون مُؤلفا لاحقا في زمن الكتابة، لكنه مواز في زمن النص. نُفكر ـ في هذا المستوى من التأليف النصي- في الوضعية الجديدة التي أصبح عليها قارئ النصوص الأدبية اليوم، أو نموذج القارئ الذي باتت الكتابة الأدبية تقترح حضوره باعتباره شريكا في تأليف النص/النصوص.نتحدث هنا، عن زمن القراءة الجديد، الذي لم يعد زمنا لاحقا لزمن الكتابة، إنما زمن مُرافق للتأليف، أو بتعبير آخر، انتقال القارئ من مُحلل الثنائيات (ظاهر/ضمني، آثر/محو، ذاكرة/نسيان)، ومُفككها ومُؤوَلها سواء باعتماد التفاعل البنيوي السياقي بين المكونات النصية، أو انفتاح التأويل على تفاعل نصي- اجتماعي- ثقافي كما نجد في كثير من المقاربات الاجتماعية والثقافية، إلى قارئ- مُؤلَفٍ. يُعزَز المفهوم الجديد للمؤلف إذن، صيغة الشراكة الجماعية (المؤلف/القارئ) في تأليف النص/الكتابة. ولعلنا نتمثل هذا الانتقال في معنى التأليف/القراءة من خلال طبيعة الكتابة الأدبية اليوم، التي تشهد تحولات في مستوى نظامها وشكلها وترتيب مواد عالمها. يتضح ذلك، في بعض مظاهر الغموض التي يشعر بها القارئ وهو يتلقى هذه النصوص، إذ تبدو له خارج التعاقدات المألوفة، غامضة وملتبسة أحيانا، وتقريرية ومباشرة أحيانا أخرى.ولهذا، بتنا نلتقي ببعض التعبيرات التي تتحدث عن أزمة النقد الذي لا يقترب من منطق التحول في الكتابة الأدبية، أو هيمنة القراءات الانطباعية، أو عودة القراءة المباشرة- أحيانا- تلك التي تعتمد التفسير وعنصر الانعكاس، إنها مظاهر تُعبر عن صعوبة الانتقال إلى المفهوم الجديد للمؤلف باعتباره ذاتا جماعية تُنجز الكتابة في إطار شراكة تفاعلية.ولعل أول هذه الصعوبات تتمثل في الفهم المُلتبس للتأليف الجماعي، الذي قد يُفهم ـ إلى حد ما- في النص الرقمي، لكون خطاب هذا الأخير يُحتم على القارئ اتخاذ قرار/إرادة التأليف النصي، نظرا لكون تقنية الرابط التي يعتمدها الرقمي، والتي تربط بين معلومتين/ نصين، وينتج عنهما معنى معينا، تُؤمَن دلالة القارئ/المؤلف الذي عندما تتدخل رغبته وإرادته في اختيار الرابط، وتفعيله، فإنه يفعل في إنتاج نوعية العلاقات المترابطة، ومن ثمة، في نوعية المعنى المنتوج من هذه العلاقة، ويكون بذلك مُنتجا للنص، من خلال اختياراته في تفعيل الروابط، أو تركها بدون تفعيل، غير أن هذا الوضوح في تجربة الرقمي، يتحول إلى غموض في حال الكتابة الأدبية على الوسيط الورقي، لأن القراءة مُطالبة بالانتقال إلى زمن مختلف، بدون دعامات مباشرة مثل فتح الروابط وتفعيلها. لهذا، يأخذ مفهوم الشراكة في التأليف في النصوص غير الرقمية، مستوى آخر من المعنى، يتعلق الأمر بدرجة متقدمة من القراءة المُنتجة، تتجاوز التفكيك والتحليل والتأويل إلى الإنتاج الجديد للنص من خلال القدرة على التصرف- برغبة وإرادة وجُرأة- في تنويعات الضمني/المحو/النسيان، وعدم الاستسلام لوهم الظاهر/الأثر/الذاكرة. لم يعد الأمر يتعلق بانتظار أفق القارئ، بقدر ما أصبحنا نلتقي بكتابة بين- بين، يتأسس أفقها ـ بالتوازي- بين التأليف والقراءة. زمنان مختلفان من حيث الصيغة، لكنهما يلتقيان في عملية كتابة/ تفجير النص. غير أن العملية لا تعني نوعا من الحرية المفتوحة على جرأة القراءة التي تظل مرهونة بالكتابة باعتبارها نظاما وخطابا. كيف يمكن قراءة النظام الجديد للنص الأدبي اليوم؟ الاقتراب من الجواب، هو اقتراب من معنى الكتابة-الشراكة. لهذا، نطرح سؤالين:
هل يمكن إرجاع إكراهات انتقال القراءة من مفهوم التلقي إلى مفهوم الشريك في القراءة إلى وضعية الفرد العربي في المجتمع، والذي لم تُهيئه السياسات المُدبرة للشأن العام إلى جعله ذاتا تمتلك القدرة على إنتاج الشراكة، وامتلاك المبادرة، وغير ذلك من الأفعال التي تجعل من الفرد ذاتا مُبدعة وفاعلة وحرة في التفكير والخيار والمبادرة؟ هل تُعبر أزمة القراءة- المُؤلفة عن وضعية الفرد العربي في التدبير العام؟ الكتابة والشراكة في التأليف مفهوم ينقلنا من صيغة اقتفاء أثر الأقدمين، واعتماد كلام/ نص الآخر، إلى صيغة القارئ المؤلف. وبين الصيغتين (الأثر/الآخر والقارئ/المؤلف) تظل المسألة مُرتبطة بمكتسبات الفرد في التاريخ والسياسة والاقتصاد والمجتمع.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
21°
36°
Sat
34°
Sun
الافتتاحية