Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

المخرج كارلوس شاهين يودي بـ«بستان الكرز» اللبناني إلى الهاوية

المخرج كارلوس شاهين يودي بـ«بستان الكرز» اللبناني إلى الهاوية
ادب وثقافة - 1:23 - 01/11/2015 - عدد القراء : 836

العرض مأخوذ عن آخر أعمال الكاتب الروسي أنطون تشيخوف:

تستضيف خشبة مسرح «المدينة» في بيروت عرض المخرج اللبناني كارلوس شاهين لمسرحية «بستان الكرز» 1901-1904 آخر أعمال الكاتب الروسي أنطون تشيخوف 1860-1904، ما بين 10 تشرين الأول/أكتوبر و22 تشرين الثاني/نوفمبر.عودة شاهين إلى لبنان وخشبته المسرحية هي كعودة الشيخة «ليلى» إلى ضيعتها ومنزلها وبستان كرزها (الإقطاعية رانيفسكايا لوبوف في النص الأصلي/ أدّت الدور الممثلة رندا أسمر). هي كقول الشاعر السوري أحمد درويش: «ها قد عُدت .. كزحفِ الرملِ بلا هدفٍ ولا غايات». لعودته هذه، بعد نجاح عرضه الأول «المجزرة» قبل عام، يختار شاهين أحد تحف المسرح العالمي الكلاسيكي، التي يكفل اسمها وحدّه باستقطاب جمهور خاص، «بستان الكرز» عرض لمختلف شرائح الجمهور أساساً، لكن النص الذي لم يزل يُعرض ويُقدّم بقراءات متنوعة عالمياً بعد مرور أكثر من مئة عام على كتابته، غدا حاملاً ثقله معه، فلا أحد يستطيع اليوم أن يُقدّم «بستان الكرز» لمجرد متعة اللعب المسرحية وحدها.
بستان كرز كارلوس شاهين:تاريخ الفن وتاريخ نص «بستان الكرز» لا يُهادنان هنا، فتغدو الخشبة مسرحاً لامتحانات فكريّة كثيرة، إلاّ أنّ مخرج العرض وأحد ممثليه كارلوس شاهين، لا يبدو مشغولاً بكل هذا حقيقةً، إذ يقول في كلمته التقديميّة للعرض: «إنّ مسرحية بستان الكرز هي مرحلة العبور من عالم الطفولة إلى معترك الحياة. إن بساتين الكرز لم يعد لها وجود في الواقع، إنما نحن نصر على وجودها في مكان ما في حياتنا ونتعامل معها أحياناً على أنها حقيقة». مُنطلق قراءة شاهين للنص، هو ذات منطلق رؤية «رانيفسكايا» للأمور، تلك المرأة ابنة الطبقة الإقطاعية التي عاشت كل حياتها في هذه البيئة وتجذّر وعيها حول وجودها، وحول الحياة وفق قواعد تلك الطبقة الآفلة وهي لا تستطيع حقيقة أن تفتح عينيها لتدرك مدى واقعيّة هذا الزوال، من هنا يتأتّى عجزها عن القيام بفعل يوقف تدهور الأمور وضياع أملاكها وأملاك أخيها «جايف» الذي أدى دوره كارلوس شاهين ببراعة، هما غير قادرين على الحياة خارج «المألوف» أو «الطبيعي» الذي عرفاه طوال حياتهما. هما سيدان لا يعملان، هناك خدم يعملون. وهناك أموال في مكان ما يملكانها بحكم أنهما سيدان، هي حقهما وليس من واجبهما التفكير في كيفيّة الحصول عليها، لهذا نراهما في لحظات اصطدامهما بالواقع المتمثل بشحّ أموالهما حزينين لكنهما يعودان وبعد لحظات لمتابعة نمطهما اليومي السابق من بذخٍ وتسلّط عفوي، نمط نراه بأعيننا اليوم «استهتاراً». في الواقع نتعاطف معهما، هم يحبان منزل طفولتهما وبستانهما الجميل، هم ليسا سيئين جداً مع مُستخدميهما، يحاولان أن يكونا لطيفين، لكن دوماً من موقعهما كسيدين. وهنا إحدى جماليات النص وإحدى نقاط عظمته، قدرة تشيخوف على تصوير انغلاق تلك الشخصيات على عالمها الخاص وبيئتها، وكأنّها أسيرة ماضيها الجميل، وبالتالي يغدو سقوطها التراجيدي حتميّاً بحكم التطوّر التاريخي الذي سيُذهِب بكل تلك الطبقة الأقطاعية وأفكارها وقوانينها وعالمها. إنّ السيدة «رانيفسكايا» غير قادرة على إدراك أنها تستدين أموالاً من مُستخدَمِها التاجر «لوباخين» الذي يرعى شؤون المنزل، «لوباخين» الذي عملَ والده وجدهُ من قبل في خدمة أهل البيت واقطاعيتهم، وكان ممنوعاً عليهم حتى دخول مطبخه، هذا التاجر هو من يشتري المنزل والبستان معه حين يُباع في المزاد العلني، يشتريه ليهدمه ويبدأ مشاريع البناء عليه كاستثمارٍ رابح، يهدم كلّ الماضي الظالم بالنسبة له، ويفتح للمستقبل باباً. البورجوازية العاملة هي عنوانه الأساسي، وحتى لحظة مغادرتها الأخيرة للمنزل تبقى «رانيفسكايا» كفاقد البصر والبصيرة، تغادر وحنين عميق يغمرها لمنزل طفولتها وألعابها، تغادر وهي تسأل عن صحة خادمها العجوز المريض لكنها في الواقع تنساه خلفها!رغم كلّ ما يفتح عليه النص من إمكانيات مقاربة للحظة التحوّل التاريخي في لبنان، لتمسّك ساسة بواقع قد يكون حاضراً يأفُل، بعالم يتغيّر ولا يريدون الاعتراف بحقيقة تغيره، وكأنّ لبنان هو ذاك البستان الجميل الذي يعجز أصحابه عن رعايته بطريقة أفضل ليبقى بستاناً لا تأكله وحوش السياسة والاقتصاد، رغم هذا وأكثر يختار شاهين أن يرى بستان الكرز كما تراه «رانيفسكايا» صورة طفولتنا الضائعة ومُقيماً بهذا مفارقة عجائبيّة في الواقع، إذ أنّ هذه القراءة للنص ذهبت بعرضه إلى الهاوية.
اللبننّة وحدها لا تكفي:يتمثّل مقتل العرض الأبرز في غياب «الدراماتورج» الذي يُعد النص لنقله من زمن كتابته (1904-1901) وزمن عرضه الأوّل (1904) إلى لحظة الحاضر وزمن العرض (2015)، الذي يقوم اساساً على تلخيص رؤية المخرج وغايته للعرض. إخراجياً أمام المخرج خياران لدى فتح خزانة كلاسيكيات المسرح العالمي، إمّا تقديم عرض كلاسيكي بكل أمانة فنياً ولغوياً وإخراجياً، أو بتقديم رؤية معاصرة عن النص الأصلي. للاسف فإنّ رؤية شاهين للنص كصورة عن «طفولة ضائعة» دفعه إلى أن يُضيع بوصلته الإخراجية، فقدّم النص بكل أمانة مع لبننة الأسماء والأماكن، لتتحوّل «موسكو» إلى «بيروت» والإقطاعيان «رانيفسكايا» وأخاها إلى الشيخة «ليلى» وأخيها «كميل»، وهكذا باقي شخصيات العرض، وهم يتحركون على خشبة أثقلت بإكسسوارات تنقل تصويرا واقعيا لبيئة المنزل الاقطاعي بسجاده السميك وأثاثه الكبير، كذلك يبدّل شاهين زمن الحكاية من روسيا (1904) إلى لبنان خمسينيات القرن الماضي، من دون أن ينجح مصمم الصوت شريف صحناوي في ضبط أجواء تلك الحقبة الزمنيّة في مواءمة بين لبنان وموسكو، إذ كان عليه في الوقت نفسه ألاّ يكشف اللعبة المسرحية ويخون روح نص «تشيخوف» الأصلي. من جهتها نجحت غيدا حشيشو في بناء سينوغرافيا متحرّكة خلقت عدّة فضاءات ومستويات للعب والحركة في حدود الخشبة، من دون أن تخون تصوير تشيخوف الواقعي، وتشيخوف من الكتّاب الذي لا يغفلون عن ملء نصّهم بالملاحظات الإخراجيّة أو المُعينة للمخرج في ذاك الوقت. لمسات إخراجية غريبة جداً أتت من مخرج العرض، كدخول المرأة المتسوّلة من بين مقاعد الجمهور، كعرض الفرقة الموسيقيّة الشعبية التي من الصعب دراميّاً أن تميل إلى اختيارها عائلة اقطاعية تفضّل نوعا موسيقيا مُعيّنا ينسجم ومُجمل ثقافتها، أو حتى رؤية الفنيين الذين يبدلون قطع الديكور بين المشاهد، هذه التقنيّات التغريبيّة لا يمكن نثرها ذات الشمال وذات اليمين في عرض يتمسّك بواقعيّة التصوير في اللباس والمكياج وتصفيف الشعر ومختلف تفاصيل مستوياته الأخرى.غياب الرؤية الواضحة، إغلاق الأعين عن ثقل النص الفكري والذهاب بعيداً في رومانسية طرحه الشعري وهي أحد أوجه كتابة تشيخوف الساحرة، لم تذهب فقط بعمق الشخصيات النفسي، وبتعقيد لحظة الصراع الزمنيّة الغنيّة جداً، بل ذهبت ببستان كرز كارلوس شاهين فنيّاً ودراميّاً إلى أدراج الريح.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
31°
30°
Tue
31°
Wed
الافتتاحية