Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

شيء عن الشاعر الفرنسي إيف لوكلير وقصائد من

شيء عن الشاعر الفرنسي إيف لوكلير وقصائد من
ادب وثقافة - 1:22 - 05/04/2016 - عدد القراء : 2142

تعرضت لاسم إيف لوكلير بفضل أعماله وتحقيقاته الشغوفة حول شاعر فرنسي كبير، بيار ألبير جوردون، كان ربما قد نُسي تماما لولا التزامه وتفانيه في التعريف به. كان ذلك منذ عشر سنوات، وكنت آنذاك طالبا شابّا يحاول – بصفة شعرية محضة – أن يقطع طريقا له وسط زحام الصمت والخوف والمجهول.وكان بوسعي أن أراسل إيڤ لوكلير منذ سنة 2002 وأن أصبح صديقه الحميم، لكنني انتظرت. وخلال شهر أفريل 2005، قبل بضعة أسابيع من اجتيازي لمناظرة التبريز في دار المعلمين العليا بتونس، وسط نوع آخر من القلق والخوف من المجهول، قررت الاتصال به.وبحثت عن رقم هاتفه واتصلت به من هاتف عمومي ببطحاء الخيل بالفرجاني.وأتذكر جيدا كل التفاصيل، كل هذه التفاصيل الصّغيرة التي، ومنذ الوهلة الأولى، جعلتني أحس بنشوة الحوار وأنا أحادث إيڤ. فلم أكن أكلم شخصا مجهولا ولم يتعجب هو البتّة من اتّصالي. سعد إيف باتّصالي وتحدث إليّ وكأنه كان ينتظر أو يعلم ذلك مسبقا. قال لي بكلّ مودّة إنه يحب تونس الّتي زارها مرّتيْن وأنه سعيد بالتعرف على شاعر من الضفة الجنوبية للمتوسّط، في انتظار أن يقرأ ما جادت به القريحة عليّ من أشعار وكتاباتٍ. أملى علي عنوانه الإلكتروني وطلب مني أن أراسله.وأعرف أن حواراتنا الإلكترونيّة ساعدتني كثيرا في خوض “معركة التبريز″، وزادت سعادة إيف عندما نجحت بتألّق. بعد شهر، وصلني طرد بريدي كبير يحتوي على مجموعة من كتبه، زيادة على ذلك “الكراس″ الرائع الذي جمع فيه مجموعة من النصوص والمقالات والحوارات والشهادات والتّكريمات الهامّة حول بيار ألبير جوردون.وعندما رحلت للاستقرار بمدينة ليون الفرنسيّة في شهر سبتمبر 2005، شجعني إيف كثيرا وهو الذي تنبّأ بأنني سأعيش حالة من الغربة بعيدا عن وطني. نعم، كان إيڤ متيقّنا من أنّي، وإن أحببتُ فرنسا لغة وأدبا وفكرا، فإنّ قدري أن أعيش وأعمل وأبدع في تونس.وصدر “مسافر بلا أوراق” خلال تلك الفترة (سبتمبر 2005)، لكن الشاعر أرسله لي خلال شهر نوفمبر برفقة مولود جديد بعنوان “مُختَصَرُ التأمل في الجبل” الصادر عن دار “لا تابل روند”.علي أن أقول في هذا الصّدد إنّ إهداءات إيف رائعة فهي ترقى عن المألوف وتكرّس لعلاقة وجوديّة بين الشاعر والقارئ والنّص أي بين الواهب والمُهدى إليه والهديّة. فالواهب سخيٌّ والهبة حاتميّة (حاتم الطّائي) لامحالة والمُهدى إليه كذلك شاعر له من الأحاسيس ما يجعله عنصرا أساسيّا في فعل الكتابة التي يمارسها الشّاعر على أنها إضفاء معنى على العالم.وإهداءات إيف رائعة فهي ترقى عن المألوف وتكرّس لعلاقة وجوديّة بين الشاعر والقارئ والنّص أي بين الواهب والمُهدى إليه والهديّة وجاء إذن “مسافر بلا أوراق” محفوفا بإهداء تبدو من خلاله العلاقة بيننا الثلاثة (الشاعر والقصائد وأنا القارئ) علاقة وئام ووحدة وتجذر في الزمان والمكان. “من مسافر بلا أوراق إلى آخر يعرف كيف يستثمر هذه الأوراق الوحيدة جاعلا منها جواز عبور، مع مودتي الخالصة…”ذكرني هذا الإهداء بالبيتيْن الأخيريْن لقصيدة الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش “جواز السّفر” حيث يقول:
«كل قلوب الناس… جنسيّتي
فلْتُسقطوا عني جواز السّفر!»
ليس هذا التقريب اعتباطيّا، إذ أن التناصّ بين إيف لوكلير ومحمود درويش قائم الذّات، علاوة على أن الشاعر الفرنسي من القرّاء الشغوفين بالشاعر الفلسطيني الرّاحل، وهو كذلك مدافع منحاز للقضية الفلسطينيّة، لكن عليّ أن أقول إنّ مثل هذه الأشعار تدحض معاني ومفردات الجنسيّة والنّسب والهويّة باحثة عن عمق فكري وحضاري وتاريخي آخر، هو بحث عن الإنسان في أسمى تجلّيّاته.يقول إيف لوكلير في “قصيد كشّاف” الصّادر في مجموعة “ذهب المشترك” (“ماركير دو فرانس″، 2001):
«وطني ذو لون ضائع..
أستعمل قلمي وكأنّه مكنسة
أطرد الكلمات السّوداء للعثور بسهولة أكثر
على النور الأبيض القابع تحت القصيدة».
بعد قراءة “مسافر بلا أوراق” و”مختصر التّأمّل في الجبل”، انتابتني رغبة كبيرة في مُصاحَبَتِهما، أي في المساهمة في التعريف بهما. لم أكن حينها أمتهن الصّحافة الأدبيّة، لكنّي شرعتُ في كتابة نص نقدي طويل بمثابة القراءة الأكاديميّة والشعريّة في نفس الوقت. أعجب ذلك النّصّ إيف لوكلير إلى حد كبير واقترحتُ نشره على صديقنا المُشتَرَك الشاعر والناقد الكبير جون ميشال مولبوا الذي أصدره في مجلته المرموقة “الديوان الجديد” (Le Nouveau Recueil) الصادرة عن دار “شون فالون” (العدد 78، مارس ـ ماي 2006، ص. 157ـ169).اخترتُ لهذا النّصّ عنوانا شعريا محضا “Au clair de la vie¸ autour d´Yves Le clair”وهو بمثابة اللّعب أو الغزل بالكلمات. ربما هو جِناس يتناغم فيه اسم الشّاعر ولقبه مع كلمات “clair” – نور، ضوء، ضياء، وضوح – و”vie” – حياة ووجود – “في وضح الحياة، حول إيڤ لوكلير”.
علاقة وئام ووحدة وتجذر في الزمان والمكان
و من هنا تظهر إشكالية التّرجمة وثنائية الترجمة والخيانة. صحيح أنّني ترجمت عددا لا بأس به من القصائد لمحمود درويش وأمل دنقل ومظفر النّوّاب ومحمد الماغوط وابن عربي والحلاج وعنترة… لكنني قمت بذلك رغبة منّي في التّعريف لدى أصدقائي الفرنسيّين بأصوات لها صدى ووقع خاصّ عندي. صحيح كذلك أنّني ترجمت برنار نُويل وموريس بلانشو لأسباب مُشابهة، لكن في الحقيقة خامرتني فكرة ترجمة “مسافر بلا أوراق” منذ قراءتي الأولى له، فسلاسة لغة إيف لوكلير، كلماته البسيطة، صوره الطّريفة، رحلاته، وجوديته العميقة، إنسانيّته، حميميّته، قلقه، سعادته…، تُضفي جميعُها على الشعر معنى فريدا وتعطي للقصيدة نفَسا جديدا. فوجدتُ نفسي أترجم بطريقة جِدّ طبيعيّة: أقرأ، أتأمّل، أترجم.عندما اكتشف ذلك صديقي الباحث منير السّرحاني الذي التحق بدار المعلمين العليا للآداب والعلوم الإنسانيّة بليون في سبتمبر 2007، تحمس “للمشروع″ واقترح علي بعد قراءة متأنّية وعميقة للقصائد أن يرافقني على هذا الدرب الوعر الجميل. فصرنا كالخليليْن نَجُوبُ قصائد إيڤ لوكلير بعيون طريّة، بأقلام متعثّرة وبحوار مفتوح متواصل لا رغبة لنا إلاّ أن تتمكن لغتنا العربيّة من احتواء عالم إيڤ لوكلير وربما التّأقلم مع وجوديّته…صحيح أنّ منير السّرحاني مبرّز مثلي في اللّغة والآداب والحضارة الفرنسيّة من دار المعلمين العليا بالرباط ـ المغرب، لكن يجمعنا سويًّا هذا الحب المتأجّج للغة والشعر العربي، وتلك الرغبة الفيّاضة في تمرير صوت عزيز علينا إلى عالمنا وثقافتنا.أتمنّى أننا قد نجحنا في ذلك، وأتمنّى أن تحظى هذه التّرجمة بالإعجاب. ربما ستكون نقطة البداية لترجمة أعمال أخرى لإيف لوكلير، أعني تحديدا أعماله النثرية الشعريّة التي نجحت في فسخ الحدود بين الأجناس الأدبيّة جاعلة من النثر شعرا ومن الشّعر فلسفة ومن الفلسفة حكمة إنسانية عميقة.آخر أعمال إيف لوكلير صدر أواخر سنة 2010 عن دار “غاليمار” المرموقة تحت عنوان Orient intime – “الشرق الحميم”. أظن أن إيف كتب فصلا كاملا من الكتاب لمتابعة الحوار المتواصل بيننا، أي منذ أول اتصال جرى بيننا. يقول إيف “مدينة سوسة العتيقة، حديقةٌ، حبات تين من تونس، جمال النساء، عبق الجزر، ولحظات معلقة من القراءة والكتابة والتأمّل، شرق الطّفولة، شرق اللّغات، شرق العوالم، كلها فينا إن عرفنا كيف نجلس في صمت في حديقتنا الذّاتيّة لنستمع بسلام إلى ما يُنشد القلب لنا”.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
34°
35°
Sat
34°
Sun
الافتتاحية