Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

كُتاب: العقل العربي في خطر

كُتاب: العقل العربي في خطر
ادب وثقافة - 0:19 - 28/12/2015 - عدد القراء : 1413

إلى أي مدى استطاع المثقف العربي خلال الفترة الماضية أن يتلمس رؤية تمكننا من مواجهة الإرهاب والتطرف؟ سؤال يطرح نفسه بقوة اليوم، وغداً، ويتجدد دائماً بصيغ متعددة، مرة تحت عنوان دور المثقف في التنوير، وأخرى تحت اسم تثقيف القواعد العريضة من الجمهور، هو سؤال مراحلنا الثقافية كافة من نهضوية ورومانسية إلى حداثية وما بعد حداثية، في الاستطلاع التالي ذهبت مجموعة من المثقفين إلى التأكيد على أن مثقفنا لم يترك الساحة خالية للمتشددين وطالب دائماً بتفعيل العمل التوعوي المثمر، وذهبت مجموعة أخرى إلى العكس، فالمثقف مشغول بمعاركه الشخصية وهمومه الذاتية، لم يعد يلتفت إلى القضايا الكبرى والمسائل المصيرية، الرؤى والاجتهادات عديدة ومتنوعة ولكن الكل أجمع على أن مواجهة التطرف تحتاج إلى ثورة معرفية لأن العقل العربي نفسه أصبح في خطر.الكاتب عاصم ستيتية يقول: «لا بد للثقافة أن تكون صورة صافية وجميلة في حياة وواقع أي مجتمع. وكي تبقى الصورة صافية نضرة بما يليق ويظهر وجهها الحسن، لا بد من قدوة موجّهة ومحافظة وحارسة وحريصة على هذه الصورة. وهنا يأتي دور المثقف الذي يمثل جوهر المجتمع. وفي ظل تحولات تاريخية ومفصلية ومعرفية تشهد المجتمعات العربية عوامل وأموراً تصيب الثقافة بمقتل، وهنا أيضاً يبرز دور المثقف كمؤسس للوعي والمعرفة، عليه أن يعمل على منع التحول السلبي ووقف الانهيار الذي قد يطرأ في الواقع المجتمعي والثقافي. وأكثر ما تواجهه الثقافة في المجتمعات المختلفة والمتنوعة هي تلك (الثقافة) التي تأخذ الفكر إلى درك الجهل بدل أن تأخذه إلى منارة الوعي، وربما شهدنا الكثير من مراحل هذا التحول السلبي والانهيار الثقافي، وقد تجلى هذا الشكل المفزع في (ثقافة) غريبة كلياً تسود في مجتمعاتنا العربية.ويشير إلى أن المثقف العربي يعاني أزمات متعددة، فهو مقيد بفكرة التقليد وتقديس الماضي، ولو دخل إلى حيز المستقبل يدخله بذهنية الخوف، وهذا يجعله عاجزاً عن إنتاج فعل ثقافي مغاير، يتميز بالمرونة والقوة والصلابة التي تمكنه من مواجهة أي فكر مغالي أو متطرف. ويرى د. مبروك أن الواقع الثقافي والفكري بحاجة إلى تغيير الخطاب الثقافي الحالي، من أجل بزوغ حالة من المقاومة داخل الأنساق الفكرية الخاملة التي يعمل من خلالها كثير من المثقفين، لأن ما تشهده الثقافة من تراجع يعود بالأساس إلى الاستنامة إلى الأفكار التقليدية وهيمنتها على أي عمل ثقافي، لذا تقتل أي فكرة تنويرية من المنبع، لأن التنوير يحتاج إلى مساحة واسعة ينطلق فيها، بعيداً عن محدودية الرؤية التي يعاني منها الخطاب الثقافي الحالي.يرى د. كمال مغيث – الخبير التربوي – أن المثقف العربي يعاني أزمة حادة في عدم وجود خطاب ثقافي واضح أو رؤية كاشفة يمكن من خلالها التصدي للفكر المتطرف والإرهاب الذي يستشري في أماكن كثيرة في الوطن العربي، ويرجع ذلك إلى عدم وجود نوع من التواصل الثقافي بداية من المراحل التعليمية الأولى وصولاً إلى التعليم ما بعد الجامعي، وهي مدة صناعة المثقف.
ويقول: لم يعد اختفاء التواصل الثقافي مقصوراً على الثقافة الوطنية والمثقفين الوطنيين، بل تعدى ذلك إلى الثقافة العالمية بتجلياتها المختلفة، لقد أصبح المثقف عاجزاً تجاه القضايا الكبرى، أقصى ما يفعله هو إصدار بيانات موقعة من عدد من المثقفين للرفض أو الشجب، لكنه لا يستطيع المشاركة الحقيقية أو الخروج بفكرة تنويرية تقود الآخرين لمواجهة ما تواجهه الأمة من غزو إرهابي منظم، على أعلى مستويات التنظيم، في حين أن كثيراً من المثقفين منشغلون بهموم ذاتية ومعارك شخصية لا تجدي ولا تسمن من جوع.لا بد للنخبة الثقافية أن تعمل لتغيير الواقع وتطويره والبحث عن الأفضل وعدم الانغلاق على الذات والتواصل مع الآخر ثقافياً وحضارياً وتأهيل الأجيال الجديدة، فالعقل العربي بحاجة إلى حالة من التنوير خاصة في تلك اللحظة الملتبسة التي تتطلب تكاتفاً معرفياً، وهذا يحتاج إلى جهد جماعي، بحيث تعمل مراكز الثقافة المتعددة والمنتشرة في ربوع الوطن العربي، على تعميق فكرة الهوية والخصوصية العربية، ونحتاج لإرادة الفعل، وتفعيل مبدأ المشاركة الثقافية، من أجل تثقيف الملايين من أبناء الوطن العربي، وهذا يتطلب من دور النشر التابعة لوزارات الثقافة أن تصدر سلاسل خاصة لتنوير المجتمع ولإخراج مثقف يكون بإمكانه مواجهة ما يعتري المجتمع من مشكلات، نحن نحتاج إلى ثورات ثقافية قوية.يقول الروائي طلعت رضوان: أعتقد أن الرؤية فيها ضباب شديد، يبدو أن البعض يقفون ضد الأعمال المسلحة والعنف والتطرف، ومع التمعن في آرائهم المختلفة، ستجد أنهم لا يقفون على أرض ثابتة، فكثير منهم تنبع أفكاره من رؤى تقليدية، كثير من المثقفين ينحازون إلى الماضي أكثر من الحاضر، هناك حل وهو تأكيد الدولة المدنية وأفكارها المنفتحة على الآخر، والعمل بمبدأ المواطنة، فهناك عدد من الكتاب والمثقفين يمتلكون قدرة لنشر ثقافة التنوير، لكن الرؤية المستقبلية غائبة عند البعض.يؤكد رضوان أن المثقف في تلك الفترة لا بد أن يكون مؤمناً بالمفهوم العصري للدولة، ولا بد من تطوير التعليم واستحداث مادة اسمها «الأخلاق» للارتقاء بالشخصية حتى يخرج الطفل مؤمناً بفكرة الهوية، نتمنى أن تنتشر ثقافة التنوير بشكل جماعي، فالتعريف العلمي للمثقف هو الطليعة الروحية لشعبه، وهذا مفتقد عندنا، في الدول الأجنبية نجد المثقف له دور فاعل، عندنا كثير من الروائيين الشعراء والأدباء لكنهم يسعون لمصالحهم الشخصية، فنحن نفتقد كثيراً للمثقف العضوي.
يؤكد د. حسين حمودة – أستاذ النقد بكلية الآداب جامعة القاهرة – أن المثقف بحاجة إلى الخروج من عزلته التي فرضت عليه لسنوات طوال، وأن تكون عنده استراتيجية للتفكير على أن يعمل بشكل منظم، يجعله يحلل ويدقق فيما حوله من تحولات حتى يقف على أرض ثابتة في مواجهة الأفكار الهدامة التي تسعى من خلال التطرف والإرهاب إلى محو الذاكرة العربية والهوية، بالتأكيد العقل العربي – في خطر- وعلى الجميع أن يتصدى لذلك. ويضيف د. حمودة قائلاً: لا بد أن ينزل المثقفون إلى الجمهور ليلتحموا مع آمالهم وطموحاتهم، فالشعوب الآن تمتلك وعياً نقدياً في فهم الأمور، لكنها بحاجة إلى من يؤسس لهذا الوعي ويؤصله، وكل ذلك بيد المثقف، وعلى مثقفينا أن ينظروا للأمور برؤية مستقبلية وألاّ ينعزلوا كما كان الأمر في السابق، وأن يطرحوا أفكارهم بكل حماس.وهناك دور مهم لوسائل الإعلام في نشر ثقافة المواجهة التي تحتاج إلى حشد بدلاً من الإسفاف والفوضى الذي يملأ كثيراً من القنوات والبرامج، وعلى إعلام الدولة دور مهم، حتى يتم توجيه الفعل الثقافي لمواجهة التيارات الظلامية التي تسعى إلى القتل والتدمير وتشويه التاريخ، لذا على العقل العربي أن يستعيد دوره من خلال فتح نوافذ للنشر وقنوات لنشر الثقافة، فالعمل الثقافي – في تلك اللحظة – ضريبة لا بد أن يدفعها كل المثقفين الشرفاء.الأكاديمي الدكتور عبدالسلام ولد حرمة يقول: «مثل غيره من مدارس النهضة الثقافية في البلاد العربية انتبه التيار القومي في وقت مبكر إلى أن مجتمعاتنا مهددة في نهضتها الحديثة من طرف اتجاهين يولد كل منهما الآخر: التغريب من جهة والغلو في الدين من جهة أخرى».
إن العودة لكتابات المفكرين والمثقفين القوميين العرب في النصف الأول من القرن الماضي، نجد أنهم يحذرون من أن تحل المادة محل الروح وأن يحتل الإلحاد مكان الإيمان والانفلات والتطرف محل الأخلاق.ذلك أن الغلو هو الرافد الأول للإرهاب والتطرف الثقافي وغيرهما من الخلفيات الذهنية التي وضعت العرب في السنوات الأخيرة على حافة الشهقة الحضارية الأخيرة، إن الإنجاز الأول المنتظر ربما يكون في البدء بتنقية الوجدان وتكاتف القوى التنويرية في المجتمع لإحياء وتطوير القيم الثقافية والرمزية التي تستجيب لمطالب المجتمع الراهن وفي مقدمتها السكينة والتآخي بين مكوناته وإنهاء التوجس المتبادل وإعادة القوة للحمته الثقافية والوجدانية التي تضررت نتيجة انتشار أفكار الغلو الديني والتطرف المذهبي واكتساحها لمساحات واسعة منه.ويختم ولد حرمة بقوله: «لن يكون هذا متاحاً إلا من خلال جهد يتداخل فيه جهد القوى المدنية مع جهد الجهات الرسمية المدركة أن صيانة أمن أمتنا الثقافي الرمزي هو المدخل الوحيد لصيانة أمنها السيادي من خطر العدوان».الشاعر الدكتور ناجي محمد الإمام يقول: «الحقيقة أن المثقف العربي يجد نفسه في حالة انعزال عن فرص وأدوات الإسهام في تحصين الأمة من الإرهاب الذي هو نتيجة حتمية للتطرف». ورغم واقعه المزري فقد أدى المثقف العربي ما يستطيع، في الظرفين الزماني والمكاني، في التصدي لها.وتوجد استثناءات قليلة عربياً سمحت لبعض المثقفين العرب بالولوج إلى وسائل الإعلام الجماهيري لأداء هذه المهمة النبيلة.وتبقى الأغلبية منهم محرومة من الانتشار إلا ما كان بالوسائط التواصلية الاجتماعية التي أصبحت، لحسن الحظ، أقرب وأشيع وأسهل التقاطاً على العامة وأكثر تأثيراً على الخاصة.ومن هنا يتضح الأثر البالغ لمثقفي العرب وخطورة دورهم ونجاعة المنشور الاجتماعي، بعيداً عن مقص الرقيب الصدئ، ولكن هذه الوسيلة بقدر ما تبشر به من انعتاق وحرية في إيصال المعلومة الأصيلة الصادقة بقدر ما تفتح من آفاق لكل أفَّاق متطرف ضليل.إن كلمة المثقف العربي المستنير هي التي ترد على هرطقات الغلو وتحاول إخماد حرائق الإرهاب بالممكن البسيط و الموقف الحازم الحاسم.الباحث سيد أحمد الأمير يقول: «إن خطاب المثقف حول موضوع التطرف غير مسموع الآن، وصوته تعلو عليه أصوات أقوى لا تتركه يصل، وبالتالي فإن رؤية المثقف حول هذا المشكل الكبير الذي هو الإرهاب ما زالت غائبة أو مغيبة».على أن تراجع اهتمام الدول العربية بالثقافة جعل المؤسسات الثقافية قاصرة عن مواجهة التطرف فغابت المشروعات الثقافية الكبرى التي تستوعب المهمشين والمستبعدين والممولة وطنياً وغير الخاضعة لرأس مال أجنبي أو محلي. والأخطر من هذا أن بعض دولنا العربية تتبع سياسات تنموية ليبرالية جديدة من شأنها تقليص الإنفاق العام وتخلي الدولة عن مسؤوليتها الاجتماعية، لأن اقتصاد السوق يعني ذلك. وبغياب دور الدولة الاجتماعي انفتح الباب واسعاً أمام التطرف، لأنه ينبغي على الدولة أن تدرك أن مسؤوليتها الاجتماعية تجاه الفقراء لا يمكن التخلي عنها نهائياً فهم محور البناء التنموي، وإلا فإنهم سيكونون عرضة لدعوات تجرهم إلى التطرف والجريمة.إن جوهر رؤية المثقف للحالة الراهنة وما يمكنه أن يقدمه من حلول ينطلق من فكرة أساسية وهي «إنجاز العدالة»، فتحقيق أي تنمية تشمل كافة الطبقات والمناطق الجغرافية المحرومة ينطلق من تحقيق العدالة الناجزة.إن التصدي للإرهاب ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً، وعلى المؤسسات الإعلامية إشاعة ثقافة التفاعل الخلاّق بين تراثنا الغني وبين منجزات الثقافة الإنسانية، وترسيخ ثقافة الديمقراطية والتنوع والتعدد، مع التزام هذه المؤسسات بالمواثيق المهنية والأخلاقية التي تضمن الابتعاد عن التعصب الفكري أو الترويج للتطرف، أو إثارة السجالات الدينية أو المذهبية، أو التنابذ السياسي أو العرقي.
سقوط وفشل

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
23°
36°
Mon
35°
Tue
الافتتاحية