Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

مجموعة جديدة تمازح الألم بالحنين: العراقي غريب اسكندر «لا يخص أحداً» بلغته الشعرية

مجموعة جديدة تمازح الألم بالحنين: العراقي غريب اسكندر «لا يخص أحداً» بلغته الشعرية
ادب وثقافة - عدنان الهلاليّ - 1:15 - 03/02/2016 - عدد القراء : 864

صدر حديثاً، عن دار «رياض الريس» في بيروت، للشاعر والمترجم العراقيّ المقيم في لندن، غريب إسكندر، مجموعة شعريّة بعنوان «لا أخصُّ أحدًا بهذا». وقد تمّ الاحتفاء بها في أمسية شعريّة مع مجموعة من قصائد قديمة في مجموعته «أفعى كلكامش» التي صدرت سابقًا عن «دار الفارابي» (2012)، ضمن فعاليات «ملتقى شهريار» الأدبيّ في بيروت. وأصدر إسكندر، أيضاً «سواد باسق» (شعر) و»محفة الوهم»، ودارسات نقديّة، منها «الاتجاه السيميائي في نقد الشعر»، وترجم « الخطاب» لسارة ميلز، و»ترجمة السياب» باللغة الإنكليزية، و»هنا يكمن الفراغ» مختارات شعرية لديريك والكوت.تقع المجموعة الشعرية في 72 صفحة من الحجم الصغير، وتحوي على عشرين قصيدة بعناوين متنوّعة. بدأها الشاعر بقصيدة «فلامينغو» ثم قصيدة «لا أخص أحدًا بهذا»، وهو عنوان المجموعة، ثم «سلالم» ثم «دجلة» ثم «شارع المتنبي» ثم «بغداد مسلة الضوء». يفاجئك نص إسكندر من الوهلة الأولى، بمناخ الحزن والوجع المهيمنين على لغته يقول في قصيدة «فلامنكو»: «الراقصة التي رقصت في أشعار لوركا، ارتدت وشاحًا أحمر بلون الحانة، لم تعرف أن الأحمر الذي يذكرها بلون الحانة يذكرني بلون الوردة». لكن، الرقص بالنسبة إلى الشاعر، يستدعي ضدّه وفقًا لثنائية الرقص/ الفرح/ الحزن / الدم.لغة إسكندر، هي لا لغة. لغة تتجاوز المعنى إلى الرؤية والألم والغربة والحنين والتوحّد بالمكان والحبيبة: «هذا الكلام الذي سأقوله عنكِ، حشد كلمات فواصل.. أسطر بلا نهاية، عالم مفتوح كالأبد. لكنكِ مثل زهرة بيضاء تقفين وحيدة» هكذا، تصبح اللغة في بعض الأحايين غير قادرة على نقل ما تشعر به الذات من ذاكرة. لكن، من دون أن ينسى الشاعر ينبوع الأمل المتدفق في داخله، فالحياة مفاجئة بالنسبة لهذا الغريب في المكان الغريب، وعالم مفتوح كالأبد.يحضر في مجموعة «لا أخصُّ أحدًا بهذا» كلمة سُلّم التي بنى عليها الشاعر أكثر من قصيدة، فأصبحت بمثابة لازمة دلاليّة وشعريّة، كرّرها في أغلب عناوين قصائد المجموعة: سُلّم العشق/ الانتظار/ الخسران/ السحر/ القصيدة/ الشاعر. الشعر بالنسبة إلى الشاعر طقس من الحزن للوصول إلى سُلّم الحريّة. من الملاحظ على هذه المجموعة ارتكازه الواضح على الأمكنة والشخصيات. يتعرّف القارئ عبرها إلى فضاءات جديدة. تنبئ في الوقت نفسه عن ثقافة متنوّعة ومصادر شعريّة مختلفة، وظّفها الشاعر في التعبير عن معانيه وبناء نصوصه. غريب إسكندر شاعر مغرم بالمكان في هذه المجموعة، مدوّن بارع للأمكنة التي يمرّ بها: فلورنسا/ باريس/ برشلونة/ فيينا/ بغداد/ المتنبي… الخ – لا يملُّ عن هذه المهنة. وهو بهذا يعيد ترتيب العلاقة بين الذات والمكان والزمان والغياب:« وماذا عنه؟ هذا الذي تركته وحيدًا يلهثُ في العتمة. يتبع مساقط الضوء. ماذا سيفعل بكل هذا الظلام. الكلام الذي لم يكتب بعد؟ كيف ينجو؟ كيف سيكتب صمته… حكايته مع الفجر؟» (سُلّم الشاعر).في المجموعة حركة المكان بالنسبة إلى الشاعر حركة دائرية، تبدأ من بغداد بستان طفولة الشاعر وتنتهي بها. فيحضر نهر دجلة الذي يتحوّل إلى دم وحبر لما مرّ ببلد الشاعر من مآسٍ وحروب: « كيف استطعت كل تلك السنين؟ عجزي أن أكتب عنك أغنية خالدة، فكن رفيقا بنا
كن أبًا لنا أمًا لا مقبرة كن نايًا ولو مرّة واحدة.
نعزف به أحلامنا الضائعة» (دجلة).
ثم قصيدة «شارع المتنبي»، يقول فيها: «أعني هناك ليس بعيدًا جدًّا قرب دجلة ببغداد حيث كانت القنبلة العمياء.
– أكانت واحدة أم أكثر؟
– لم تخبرنا الكتب القتلى؟
– لم يخبرنا الشهداء.
– لم يخبرنا الحبر الأحمر.
– هذا الشارع الذي يحيا فينا لم يمت
– كان المتنبي كتابًا. هل رأيتم كتابًا يموت» (شارع المتنبي). تنبني أغلب القصائد على تراكيب لغويّة شعريّة ظاهرها الحزن البالغ لمّا حدث في شارع المتنبي من أعمال إرهابيّة وباطنه الأمل والحياة والعنفوان والتحدي. باعتبار أنّ «شارع المتنبيّ» يمثّل في الذاكرة العربيّة عامّة والعراقيّة خاصّة، رمزًا للثقافة والمعرفة. إذا يتحوّل الحبر في القصيدة إلى دم. وهي كناية ذكية وظّف الشاعر فيها اللون والتضاد «الحياة / الموت» يقول في قصيدة بغداد/ مسلة الضوء:
« هذا الموت الذي تراه ليس موتًا أبدًا
إنه قدر المدينة العظيمة.
جسدكِ يحترقُ أعرف هذا يا حبيبتي
لكنه لا يموت..
إنه يلتهب… يلتهب
مثل ضوء أو ينبعث مثل عنقاء « (بغداد مسلة الضوء).
تعمل الرموز في الشعر على تخصيب النص. فالكلمة الرمز حين تدخل إلى الفضاء الشعريّ، لم تعد مجردّ عنصر معجميّ محايد، بلد تدخل محملة بكامل كوْنها الدلاليّ. يحضّر في نصوص غريب إسكندر المتنبي وبغداد بكل تاريخهما الدلاليّ ومرجعياتهما الثقافيّة. تستقطب في هذه المجموعة عدّة فضاءات: المكان/ الذاكرة/ الزمان/ الأمل/ الرقص/ الوطن/ الحبيبة. هي بالنسبة إلى الشاعر فضاءات تخصُه وحده فقط. لكنها، تصبح للقارئ مواضيع مشتركة مع شاعر يعرفُ جيّدا ترحيل اليومي/العادي والعامّ إلى الخاصًّ في متنه الشعريّ. يستفزنا عنوان المجموعة ويوهمنا بأنّ ما سيأتي لا يخصّ أحدًا. لكن، الغوص في النصوص والتماهي معها، تجعل من هذا الشعر يخصّنا.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

الطقس في بغداد

بغداد
20°
26°
الجمعة
27°
السبت

استبيان

الافتتاحية