Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

المعتمد بن عبّاد.. حقائقُ حول حياتِه وأخبارعن مآسِيه

المعتمد بن عبّاد.. حقائقُ حول حياتِه وأخبارعن مآسِيه
ادب وثقافة - محمّد محمّد خطّابي - 0:14 - 08/12/2015 - عدد القراء : 1004

تاب طريف استوقفني، ولفت انتباهي في الأيام الأخيرة تحت عنوان: «المعتمد وبنو عبّاد» (1040 باجة البرتغال – 1095 أغمات المغرب) من تأليف المستعربة الإسبانية بيلار ليرولا ديلغادو، أستاذة الدراسات العربية والإسلامية في جامعة قادس.صدر هذا الكتاب عن مؤسّسةٍ للدّراسات العربية التي يوجد مقرّها في مدينة ألمرية تحمل اسمَ صاحب حيّ بن يقظان «ابن طفيل». تقول المستعربة الإسبانية: «في الحقبة التي عرفت فيها الدولة الأموية في الاندلس انقساماً لا مثيل له، حيث تمّت تجزئة أوصال هذه الدولة وتحوّلت إلى دُويلات أو ما عُرف بدول الطوائف، حيث باتت كل دولة مستقلة عن بعضها، انفردت دولة بني عبّاد في إشبيلية وبزت سواها من الدول الأخرى. ثالث خليفة من خلفاء هذه الدولة وهو المعتمد بن عبّاد تحوّل إلى ما يشبه الأسطورة، ليس فقط لاتّساع رقعة حكمه، انطلاقاً من منطقة الغرب: (غرب الاندلس) حتى مدينة «مرسية»، بل لأنه حوّل بلاطه إلى ملتقى حافل للشّعراء والمثقفين والفنّانين الذين تولىَّ بعضُهم مناصبَ عليا في البلاط العبّادي، والخليفة المعتمد نفسه كان شاعراً مبدعاً، بالإضافة إلى كونه حاكماً وخليفة ومُحارباً مُحنّكا».
حكايات عن حياته وأخبار عن ظرفه
يقدّم لنا هذا الكتاب نظرة واقعية وتاريخية عامة عن المعتمد وظرفه التاريخي، كما يقدم أقاصيص عن حياته التي واجهتها تقلّبات الزّمن وغدره ومكره، وتقوم الدراسة التي تقدمها المستعربة الإسبانية في هذا الكتاب على أسس علمية تعتمد فيها على مصادر موثوقة، ومراجع متعددة لها صلة بهذا الخليفة الذي لم يسلم من الافتراءات والأكاذيب التي شوّهت تاريخَه، وأساءت إلى سمعته، خاصة المصادر غير العربية، على وجه التحديد، التي عُنيت بحياته والأساطير التي حيكت حولها. وتشير المؤلفة إلى أن هذه الشخصية الفريدة في تاريخ الأندلس ما زالت حاضرة معنا وبيننا ومعاصرة لنا ولدى كتاب ومؤلفين أمثال: أنطونيو غالا، ورفائيل ألبيرتي وفرناندو كينيونيس، وكارلوس كانو، وإنريكي مورينتي، ولولي ومانويل وسواهم، الذين كتبوا عن هذا الخليفة أو غنّوا له وعليه، كما أن أحدهم وهو بلاس إنفانتي قام بزيارة لقبر المعتمد في أغمات (جنوب المغرب) وألّف عنه عملاً إبداعياً رائعاً. وتشير المستعربة الإسبانية في مقدّمة كتابها إلى أن بلاطات ملوك الطوائف، خاصّة في مدينتي إشبيلية وقرطبة كانت تغصّ بكوكبة من العلماء والأدباء والموسيقييّن، وبشكل خاص الشعراء الذين يؤمّونها والذين كانوا يضاهون أو ربما يتفوقون على نظرائهم في المشرق، الذين شكلوا مثالاً يُحتذى للأندلسيين. وقد بلغ الشّعر أوجَه في هذه البلاطات، خاصة في نهاية القرن الحادي عشر وعندما اندلعت الحرب الأهلية أو (الفتنة) كما كانت تُسمى في تلك الأزمان، انتشرت معها الثقافة والآداب وازدهرت في مجموع التراب الأندلسي.حُصُونُ حَربٍ مَنيعة وقُصُورُ شِعْرٍ حَصِينةتوضّح المؤلفة الإسبانية أن السيف والقلم كانا عنصرين ملازمين للمعتمد بن عباد، فكما أنّه شيّد القلاعَ الدفاعية المنيعة، ورفع الحصونَ الحربيّة الحصينة، كذلك بنى دوراً وقصوراً خاصةً للشّعر والشّعراء وللأدب والأدباء.وتصف المؤلفة المعتمد بن عباد بأنه كان: «رجلاً ساذجاً ونبيلاً ومثقفاً وعالماً وشاعراً مُجيداً، وكان راعياً للعلوم والآداب»، وقد قيّض الله له أن يعيش في عصر حافل بالقلاقل والمشاكل والأهوال والتقلبات السياسية والحربية، حيث رأى بأمّ عينيه كيف مات بعض أبنائه خلال المواجهات العنيفة التي شهدها عصره.. وتشير المؤلفة إلى أن المعتمد عاش زهاء عقدين من الزمان باعتباره الرجل الأقوى في الاندلس، خاصة بين ملوك الطوائف. وكان يحافظ على دفع الجزية السنوية (الجباية أو الخراج) للملك الإسباني ألفونسو السادس، المعروف في الرّوايات العربية باسم «الأذفونش». كما كان والده المعتضد يدفع هذه الجزية بانتظام كذلك. إلاّ أن هذه الجزيات باتت تشكلّ في ما بعد عبئاً اقتصادياً على خزانة الدولة وتثقل كاهلها، وأصبح من الصعوبة بمكان أداؤها للنصارى. أمام هذا الوضع الاقتصادي الصّعب، وحيال التهجّمات المتوالية لجيش النصارى على الدولة العبّادية، وجد المعتمد بن عباد نفسه مضطراً إلى طلب نجدة المرابطين في شمال أفريقيا، الشيء الذي سيغيّر الوضعَ ومجرى التاريخ رأساً على عقب في شبه الجزيرة الإيبيرية بشكل تام. وتقول الكاتبة إن المرابطين جعلوا حدّاً لحملات وهجمات النصارى، إلاّ أنهم ظلوا ومكثوا في البلاد التي حرّروها، وانتهى بهم الأمر في ما بعد إلى ضمّ الأندلس إلى الدولة المرابطية، وبسط نفوذهم عليها. ونهاية المعتمد نهاية حزينة جدّاً، فقد انتهى به الأمر، أو آل به المآل إلى أغمات (من أرباض مدينة مراكش) حيث مات وهو أسي،ر وكان يبلغ من العمر خمساً وخمسين سنة، ومنذ تلك اللحظة طفقت الأسطورة في الظهور.
أقاصيص وأساطير عن مآسيه
وفي دراسة مستفيضة مشابهة عن حياة المعتمد بن عباد للمستعربة الإسبانية كذلك أورورا نافارّو ثاراتي، تعرّضت هي الأخرى للفترة الممتدّة بين القرن الحادي عشر وبداية بسط الهيمنة المرابطية على شبه الجزيرة الإيبيرية، حيث عرفت الأندلس في تلك الفترة ازدهاراً ثقافياً وأدبياً. وتتعرّض الباحثة لانشغال المعتمد بالجَمَال والشعر والحياة الهانئة المُترفة، كما تتعرّض لشخصيةٍ كان لها تأثير بليغ في حياة المعتمد بن عباد وهو أبو بكر بن عمّار الشاعر الداهية والأديب الألمعيّ الماكر.وقد أوردت المستعربة الإسبانية عدّةَ قصص وحكايات طريفة في حياة المعتمد بن عباد، منها قصّة تعرّفه على زوجته اعتماد الرّميكية، واعتبرت الباحثة هذه القصّة ضرباً من الخيال والأساطير التي يرويها العامّة لتهويل الحدث، وقد أثبتت (مع ذلك) هذه القصّة نقلاً عن المقرّي في «نفح الطيب»، التي مفادها أن الصديقين المعتمد وابن عمّار بينما كانا يتنزّهان في أحد متنزهات المدينة كانت النّسمات تحرّك مياهَ الوادي الكبير حركات خفيفة فقال المعتمد لصديقه الشّاعر أجز: «صنع الريحُ من الماء زرد» ولم يجب ابنُ عمّار على الفور، بل أطال الفكرة وكانت امرأة من الغسّالات على مقربة منهما وسمعت ما قاله المعتمد لابن عمّار، ولمّا عجز ابنُ عمّار عن الإجابة قالت المرأة على الفور وعلى البديهة: «أيّ درعٍ لقتال لو جمد» فتعجّب المعتمد من حسن ما أتت به مع عجز ابن عمار، ونظر إليها فإذا هي حسناء فاتنة فأعجب بها وأخذ بجمالها فسألها أن كانت متزوجة..؟ فقالت لا، فلمّا سأل عنها إذا هي جارية رميك بن حجّاج وأنّ اسمها هو اعتماد فاشتراها وتزوّجها وأصبحت أحظى نسائه عنده. وقد كانت الرّميكية معاصرة لولاّدة بنت المستكفي صاحبة ابن زيدون، التي كانت تجيد قرض الشعر كذلك، وتألقت فيه تألقاً كبيراً.كما أوردت الكاتبة قصة اعتماد عندما كانت تطلّ من نوافذ القصر في الشتاء والسّماء تندف بالثلج فعاتبت المعتمد كيف لا يوفّر لها هذا المنظر الجميل كلّ شتاء، فأمر بزرع أشجار اللّوز على جبل قرطبة حتى إذا نوّر زهرُه بدت الأشجار وكأنّها محمّلة بندف الثلج الناصع البياض! وأمام تعاظم قوة ألفونسو، وتكاثر أعداد جيشه، واشتداد بطشه، فكّر المعتمد في طلب الاستغاثة من المرابطين فحذّره بعضُهم من عاقبة ومغبّة ذلك، حيث قال ـ مخاطباً ابنَه رشيد الذي كان ممّن يعارضون، كلمتَه المشهورة: «رعيُ الجِمال خيرٌ لي من رعي الخنازير»، ومعناه أنّه ما دام موكلا ليوسف بن تاشفين برعي جماله في الصّحراء فهذا خير من كونه أسيراً عند ألفونسو يرعى خنازيرَه في قشتالة!وقد أوردت الكاتبة الإسبانية نماذجَ من شعر المعتمد، منشورة في أصلها باللغة العربية وقبالة كل قطعة ترجمتها إلى اللغة الإسبانية. وبعض هذه القصائد تُترجم لأوّل مرّة إلى هذه اللغة، على الرّغم من ترجمة ابن عباد من قبل خاصةً على يد شيخ المستشرقين الإسبان الراحل إميليوغارسيا غوميس وسواه.
المعتمد بن عبّاد وأبو بكر بن عمّار
ولد ابن عمار في شلب جنوب غرب الأندلس وسرعان ما تعرّف على صاحب إشبيلية المعتضد بن عباد (والد المعتمد) فعينه شاعراً في بلاط قصره فصاحب ابنُ عمار ابنَه المعتمد الذي جعله أخلص ندمائه، ولحق بابن عمّار في ما بعد لقب «ذي الوزارتين»، وزارة الدولة ووزارة الشعر. كانت نيران الغيرة تشتعل، وتُضرم، وتتأجج في صدر الشاعر الوزير الغريب الأطوار ابن عمار، وتكاد هذه الغيرة أن تنسيه النّعم والأفضال التي أفاء بها المعتمد بن عبّاد عليه إذ كان المعتمد قد عيّن إبنَ عمّار والياً على مدينة مرسية وعندما أمر المعتمدُ ابنَ عمّار العودة إلى إشبيلية، تمسّك هذا الأخير بالولاية على مرسية لأنه خشي من ترصّد زوجة المعتمد اعتماد الرميكية له، والإيقاع به. ويشير بعض المؤرّخين إلى أن هذا ما يفسّر سرّ تمرّده على المعتمد بن عبّاد، إلاّ أن المعتمد ألحّ من جديد عليه بالعودة إلى إشبيلية إلى حيث زلق لسان بن عمّار في أحد المجالس بقصيدة هجاء، تطاول فيها بشدّة على المعتمد وعلى زوجته الرميكية وأولادهما، من أبياتها :
ألا حيّي بالغرب حيـاً حـلالاً
أناخوا جمالاً وحازوا جمـالا
وعرّج بيـوميـن «أم القرى»
ونم فعسى أن تراهـا خيـالا
تخيرتها من بنـات الهجـان
رمكيـة ما تسـاوى عقـالا
فجاءت بكل قصيـر العـذار
لئيم النجارين عمـّاً وخـالا
قصـار القـدود و لكـنهـم
أقامـوا عليها قروناً طـوالا
سأهتك عرضك شيئاً فشيئـاً
وأكشف سترك حـالاً فحـالا
واعترى المعتمد بن عبّاد حزن بليغ، وغمّ شديد وقال: أما إنه لو تعرض لي لعفوت عنه بحق الأيام السالفة.. ولكنه تطاول على أولادي وزوجتي، وتحكي لنا كتب التاريخ أن الشاعر ابن اللبّانة دخل بابن عمّار إلى بلاط المعتمد ومجلسه في مظهر ذليل، وقد وُثقت يداه إلى عنقه، وبعد أن جعلوه يرتدي جلباباً أو أسمالاً لبائعي الحبوب في سوق الدواب من شعير وما أشبه، وعاتبه المعتمد عتاباً شديداً، وأمر بأن يُزجّ به في غياهب السجون التي كانت في قصره وطال سجنه.. وطفق ابن عمّار يكتب إلى المعتمد العديد من رسائل الاستعطاف طالباً الصّفحَ والمغفرةَ ومن قوله في هذا المجال:
سجاياك أن عافيت أندى وأسجح
وعذرك أن عاقبت أجلى وأوضحُ
وإن كان بين الخطتيـن مزيـة
فأنت إلى الأدنى مـن الله تجنـحُ
ولا تلتفت قول الوشاة ورأيهـم
فكـل إناءٍ بالـذي فيـه ينضـحُ
نَمَاذِجُ من أشعاره
هذا الشاعر العاثر الحظ، المنكود الطالع المعتمد بن عبّاد، الذي تمّ نقله من نعيم الأندلس، إلى جحيم الأسر في أغمات بين عشيّة وضحاها حيث أصبح أسيراً كسيرَ القلب، مهمومَ الخاطر، يُسام سوء المعاملة، ويتجرّع مرَّ الذلّ والهوان، ولكنّه مع ذلك كان يتجلّد ويتذرّع بالصّبر، وكان يؤلمه ويشقيه منظر بناته وهنّ في الأطمار يغزلن ليحصلن على القوت، وكان ينفس عن نفسه بنظم القصائد الشجية المؤثرة، ولم تخذله قريحته الخصبة، وبديهيته الوقادة في خضمّ تلك الهنيهات الحالكة، والأيام المظلمة، والسّنين العجاف، وقد دخلت عليه بناته السّجن في يوم عيد، فلما رآهنّ في الأطمار الرثة، والأسمال البالية وقد بدتْ عليهنّ آثار الفاقة،وأمارات الخصاصة والعوز وما هنّ عليه من بؤس الحال، وشقاء المآل أنشد قائلاً:
فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورا
وكان عيدك باللذات معمورا
وكنتَ تحسب أن العيدَ مسعدة
فساءك العيدُ في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة
في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا
معاشهنّ بعيد العز ممتهنٌ
يغزلن للناس لا يملكن قطميرا
برزنَ نحوك للتسليم خاشعةً
عيونهنّ فعاد القلب موتورا
قد أُغمضت بعد أن كانت مفترةً
أبصارهنّ حسيراتٍ مكاسيرا
يطأن في الطين والأقدامُ حافية
تشكو فراقَ حذاءٍ كان موفورا
وأثّر سوءُ الحال، وشظفُ العيش، ورداءةُ المطعم والمسكن في صحّته، واتفق وفود الوزير الأندلسي أبي العلاء بن زهر بن عبد الملك بن زُهر على مدينة مراكش، وكان قد استدعي لعلاج أمير المسلمين، فكتب إليه المعتمد لعلاج بعض كرائمه ومطالعة أحوالها بنفسه، وابن زُهر إشبيلي وأحد أفراد أسرة اشتهرت بالأدب والعلم، فلم يتردّد في تلبية دعوة المعتمد وقام بعلاجها على الوجه المُرضي، ورفع قدر المعتمد بالتبجيل، ودعا له بطول البقاء، فكتب إليه المعتمد إثر ذلك بالأبيات التالية:
دعا لي بالبقاء وكيف يهوى
أسير أن يطول به البقاءُ
أليس الموت أروح من حياة
يطول على الشقي بها الشقاءُ
فمن يكُ من هواه لقاء حب
فإنّ هواي من حتفي اللقاءُ
أأرغبُ أن أعيشَ أرى بناتي
عوارى قد أضر بها الحفاءُ
و كان الشّاعر ابن اللبّانة قد قال لحظةَ خروج المعتمد بن عبّاد من إشبيلية في موكبٍ رهيب إلى منفاه في أغمات في داليته المؤثّرة الشهيرة :
تبكي السماءُ بمُزْنٍ رائحٍ غادي
على البهاليل من أبناء عبّاد
على الجبال التي هدّت قواعدُها
وكانت الأرض منهم ذات أوتاد
والرّابيات عليها اليانعات ذوت
أنوارُها فغدت في خفض أوهاد
حان الوداعُ فضجّت كل صارخة
وصارخ من مفداة ومن فادي
سارت سفائنُهم والنّوحُ يتبعها
كأنّها إبلٌ يحدو بها الحادي
كم سال في الماء من دمع وكم حملت
تلك الفظائعُ من قطعات أكباد
إن كان بعدكم في العيش من أربٍ
فإنّ في غصصٍ عيشي وأنكاد.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
25°
35°
Sun
36°
Mon
الافتتاحية