Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

جاك دريدا في «أحادية الآخر اللغوية»: اللغة في حدود التملك… المنع… الإقصاء

جاك دريدا في «أحادية الآخر اللغوية»: اللغة في حدود التملك… المنع… الإقصاء
ادب وثقافة - 1:41 - 10/11/2015 - عدد القراء : 797

في زمن الارتحالات، والهجرات التي بدأت تغير وجه العالم، وفي زمن اللجوء بحثاً عن أوطان بديلة، وبين ثنايا هذه المحطات… وعلى شواطئ بلدان الآخرين، تتولد الحكايات حول الأوطان المتروكة المهدورة في لغة الذات، أو ذاك الوعي المبكر بها، بيد أن هنالك حكايات تنشأ في أرض الآخر، وبلغة الآخر، وهناك نبحث عن اللغة التي تقينا ذلك الانعزال، كي توصلنا إلى مفاتيح الاستقرار والأمان، وكما معظم اللاجئين والمهاجرين الذين ينخرطون بتعلم لغة الآخر، حيث يخضعون لاختبارات فيها، تؤهلهم لفعل الامتصاص الثقافي من أجل قيم الاندماج.. كما تتطلب دوائر الهجرة في بلدان اللجوء، وكي يتمكن هؤلاء اللاجئون الجدد من ترويض الانتماء للأرض الجديدة، ولهذا لا بد لهم أن يستعيروا لسان من يستضيفونهم بأرضهم، ولكنهم حين جاؤوا إلى أرضنا، لم يحملوا معهم سوى لغتهم، وسلبوا لغتنا، ففي البدء كان هذا الشرق مشرعاً أمام الغزاة والمستعمرين، وحين رحلوا تركوا جرثومة العنف حسب تصنيف فرانز فانون، ومن هذه الجرثومة بالتحديد انبثق هذا العنف، لتبدأ رحلات عكسية نحو أوروبا، وبين محطات التوقف، نبقى مرغمين على الخوف، أو حيرة البدء في الكلام، واللغة تستوطن ذاتنا المهزومة، وحين نخلع لغتنا، فإننا نخلع هوياتنا، أو وجوهنا، كي نبدأ البحث عن وجوه جديدة، وبين هذه التّحولات والمعطيات نقرأ إشكالية اللغة بوصفها أداة لتشكيل الهوية الفردية والجمعيّة، على حد سواء، في كتاب الناقد والفيلسوف جاك دريدا الذي جعل من التفكيك، ونقض مركزية المعنى في حالة إرجاء لامتناهية كما في كتابه «أحادية الآخر اللغوية» الذي يبدو مقاوماً لكل الاحتمالات المشروعة، ولا سيما في البحث عن معنى تمحور لغة واحدة في الوعي، أي تلك اللغة المستعارة، والمستجلبة من أفق الآخر المهيمن، الذي لا بد من أن تشتق منها ذاتك الجديدة لتنفيها مرة أخرى، ولتعيد نفسك في ضوئها، ولكنها تبقى اللغة التي ليست لك.. مجالاً مفتوحاً لكافة القراءات والاحتمالات، وكما يقول دريدا «إن ما أجد صعوبة بالغة في فهمه لحد الساعة، هو ذلك الجهاز المفاهيمي الكبير الخاص بالتملك، بالعادة، وبحيازة لغة ليست هي لغتك، أو لغتي على سبيل المثال، كما لو أن الضمير والنعت الدال على التملك في مستوى اللغة يصبحان من المحظورات لدى هذه اللغة ذاتها». جاك دريدا الذي ولد في الجزائر لعائلة يهودية، والفرنسي واللافرنسي، والجزائري واللاجزائري، والباحث عن عالم لا يوجد فيه مجال للاستقطاب، وتحديداً تلك الأحادية المطلقة؛ ولهذا يبدو الكتاب شكلا ًمن السيرة، أو البحث الفكري، ولكنه قبل كل شيء نص لا يمتلك حدوده النهائية، إنه تساؤلات لا تصل إلى حسم، وقيم في إرجاء لامتناه، كما هي تلك الذوات التي لا تمتلك إلا لغة، ولكنها ليست لغتها، وهنا نقرأ محاورة جاك دريدا لعبد الكبير الخطيبي الذي واجه إشكالية عشق مزدوج للغتين، في حين أن دريدا منشغل أكثر بمعنى أن تكون مالكا فقط للغة واحدة، ولكنها ليست لغتك، إنها لا تمتلكك، ولا أنت تتملكها، وعند محاولة الانفكاك، فإن طريقك لن تكون إلا في هذه اللغة، حيث أنك خارجها، وداخلها في الآن، إنها صوتك الغريب واللامألوف، ولكنك لا تملك غيرها، إنها معضلة ذاتية أنطولوجية عميقة، فثمة نسق شديد العطب لمعنى التكوين، وهنا نتلمس تلك المستويات المعقدة في بناء دريدا الذي كان في توترات الولاء، والجنسية، والهوية، فهو ليس فرنسيا، وليس جزائريا، ولغته التي كانت مؤهلة لأن تكون لغته الأم تعرضت للإقصاء، فالعربية، وكما الأمازيغية قد حوربتا في السياقات الثقافية، والمدرسية من قبل المستعمرين الفرنسيين، ولذا لم تعد تلك اللغات المحلية خياراً، فالسيد لا يملك سوى لغته الخاصة التي ربما لا تكون لغته، إنما يغتصبها بالمعنى الاستعماري، وكأنها شيء يخصه، وهذا الدور الأول في حين يأتي الثاني ممثلاً بفعل الثورة من منطلق أنه ليس هنالك من تملك مطلق للغة. في هذا البحث العميق لدريدا حول معنى اللغة، وكيف تكون اللغة ملاذاً غريباً، وشكلاً من الغربة، إنها حالة متقدمة من الاغتراب، وهنا نستدعي تلك التداعيات التي نتجت بفعل الاستعمار الكولونيالي اللغوي الذي أصاب عمقاً في دول المغرب العربي، وأفريقيا، وسائر المستعمرات، إنها البقايا التي لا تزال تمارس حضورها، كما فعل الاستعارة اللغوية التي لا تكون فعلاً اختيارياً، ولكن الانفكاك منها لا يبدو خياراً، ومقاومة تلك اللغة يبدو شكلاً من الانتقاص؛ لأنك تتحدث اللغة التي لا تريدها، ولا تمتلكها، ولا تنتمي لها، ولا هي شكل من المكان أو رائحة الزمن، وتلك الحدود، فلغتي الخاصة كما يقول دريدا لم ترقَ بعد إلى مستوى اللغة التي يمكن تمثلها، ولغتي، أي اللغة الوحيدة التي أنوي التحدث، ومن ثمة التفاهم بها، هي في الواقع لغة الآخر. ومن هنا فإننا نتحول إلى مظهر من مظاهر الاغتراب. في مناقشات دريدا نقرأ تلك الأصوات، وتلك المتشابهات للمثقفين العابرين العالقين على تخوم الثقافات، الذين ربما يلجؤون إلى هدم كل هذه المنظومات للتخلص من هذه الإزدواجيات اللغوية، وقيم الشتات كما تحدث عنها دريدا، وإدوارد سعيد، وحنة أرندت، ولا سيما في علاقتها الإشكالية مع اللغة الألمانية حيث نزعت عنها تبعات الممارسات النازية، ولتبقى وفية لها. وهكذا نجد أن اللغات تحمل معها طابعها المقدس والتاريخي، وتلك النصوص الأدبية بما تستبقيه من الحدود الجمالية التي تنتمي إلى فائض مألوف وحميمي، ومع ذلك فإنك تبقى… لكنك لست من الهناك كما يقول دريدا، هذه (الهناك) التي شكلت معنى أن تكون ملقى خارج الأشياء، خارج الثقافة، خارج البوح، ألا تكون قادراً على أن تلتقط صوتك، أو لكونك لم تختبره من قبل، ولكن هنالك صوت ما، تعرف أنه صوتك، ولكنك لا تعرفه، لم تختبره بعد، إذن هنالك لغة ما، هناك بيد أن (الهناك) هي الشيء الغريب، والبعيد الذي لا يمكن لك أن تمتلكه.إن دريدا معني بفكرة، أو مشكلة وحدة اللغة، في تشكيلها الطباقي، أي ليست الأنا النحوية بمقدار تلك الأنا الثقافية الشاسعة، والقابلة لكل معطيات اللغة، والدين والأدب، وهذا ما يفضي إلى معضلة الهوية والكتابة بالتشكيل السّيري الذاتي، دريدا يعمل على نقض فكرة معنى أحادية اللغة، أو تلك اللغة الواحدة، ولا سيما في زمن هيمنة بعض اللغات، فالبشر تتوزعهم الرغبات لتعلم لغة الأسياد، بهدف البحث عن حياة أفضل، إنها عملية تتسم بتكوينها المعقد، ولهذا تتحول الكتابة عن الذات معضلة حقيقية، فالمنع عن التواصل الذي مارسه المستعمرون الفرنسيون تجاه السكان المحليين، هو منع يهدف إلى خلف مفهوم اللغة الواحدة، ولكنها هنا تتسع لتتحول إلى إشكالية الهوية، وكما يقول دريدا، فإن هذا المنع يتطلب مني أن أخترع لغتي، ولكن قبل كل شيء أن أخترع أناي في الوقت عينه. يناقش دريدا في كتابه أفق ذلك الفعل الاستعماري لمنع اللغة، ولا سيما العربية والأمازيغية في المستعمرة الفرنسية، وتبقى العربية فضاء لدريدا فهلي لغة الجار، والجوار العربي، أو المغاربي، وهي اللغة التي باتت لغة ثانية مرشحة للتعاطي، ولكنها من دون أي تشجيع على دراستها، فالنظام الفرنسي الاستعماري جعل من الفرنسية اللغة الأولى، في حين أن جعل اللاتينية لغة ثانية إجبارية لاجتياز المرحلة المدرسية، مما يعني أن هنالك دفعا للعربية للتأخر، للمنع، أو للإقصاء، وهذا يعد شبيها بما نعاني منه من تراجع أثر العربية بوصفها لغة مستقبلية، يمكن أن يحول دون الاستثمار بها. إن الفعل الكولونيالي يحضر باللغة، وهذا يتم عبر نسق التعيين كما يقول دريدا «فكل ثقافة في الأصل هي كولونيالية (استعمارية) بحيث أن الاعتماد على الاشتقاق وحده غير كاف، كما ينبغي أن نذكر. فكل ثقافة أيضا تتكون عبر فرضها أحادي الجانب لما يشبه سياسة معينة حول اللغة، فالسيطرة كما نعلم تبدأ عبر تملك سياسة معينة حول اللغة، فالسيطرة كما نعلم، تبدأ عبر تملك سلطة التعيين، الفرض، ومن ثم شرعنة التسميات المختلفة». هذا المنع الاستعماري قد مورس تجاه دريدا حيث أقصي عن اللغة العربية والأمازيغية والمغاربية عامة، كما أقصي عن الثقافة الأوروبية برمتها، وعن الذاكرة اليهودية، وهنا تنشا إشكالية الهوية، وفقدان التواصل في زمن أحوج ما يكون له. إن الأحادية اللغوية نموذج من الضياع حيث يتوصل دريدا الذي يحوصل ما توصل من مناقشة، تتسم بأنها ذات منحى تفكيكي؛ ليخلص إلى أن أحادي اللغة الذي يتحدث عنه، هو الذي يتحدث لغة معينة، ولكنه في الحقيقة محروم منها، إنها ليست لغته، وبذلك فإنه سوف يكون محبوس الكتابة، وعقيم التّعبير.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

Screenshot 2024-05-16 at 00.19.17

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
33°
45°
Mon
46°
Tue
الافتتاحية