بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم
السوق العراقي
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم
التحديات الكبرى التي تواجه الاتحاد الأوروبي
مقالات ودراسات -
ترجمة وإعداد الدكتور سعود المولى - 8:37 - 09/07/2024
-
عدد القراء : 509
محاضرة للدكتور برونو دوبري
ترجمة وإعداد الدكتور سعود المولى: زميل أول زائر في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية- قطر
برونو دوبري Bruno Dupré دكتوراه بالقانون الدولي، زميل فولبرايت، حائز على الماستر من مدرسة كينيدي للإدارة الحكومية ومن جامعة هارفارد ومن جامعة باريس 2. هو منذ العام 2017 المستشار السياسي للأمين العام للدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية (وهي الإدارة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي) ومسؤول عن تنسيق ملف “الاعتماد الذاتي الاستراتيجي autonomie stratégique “. عمل في السلك الدبلوماسي الدولي في باريس وواشنطن وبروكسيل (ضمن الناتو ثم الاتحاد الأوروبي) وكان مختصًا بشؤون الأمن العالمي (إيران، نزع السلاح، انتشار الأسلحة، الدفاع الأوروبي، التخطيط الاستراتيجي). وهو أحد مؤسسي مؤسسة “المفاوضين من أجل العالم ” وهي منظمة حقوقية خاصة تتعلق بالتفاوض والوساطة الدولية. هو منذ نيسان 2023 المستشار السياسي للمحيط الهندي في الاتحاد الأوروبي ومهمته تقوية الوجود البحري الأوروبي في المنطقة (القرن الفريقي والبحر الأحمر والخليج وآسيا) والبحث عن توفير الدعم من الدول الساحلية والدول الصديقة (أمريكا- بريطانيا- الهند – اليابان) لتنسيق العلمليات في المنطقة.
هذه خلاصة محاضرة ألقاها في 14 ديسمبر 2022 ويقدم فيها تحليلًا مميزًا للوضع الجيوبوليتيكي للاتحاد الأوروبي في مواجهة حرب أوكرانيا وهو يحدد 5 مجالات كبرى من عدم اليقين داعيًا دول الاتحاد الأوروبي إلى تجاوز نقاط ضعفها وترددها في القضايا الرئيسية وأن تطور ثقافة مشتركة استراتيجية مع رؤية شمولية.
1- عدم اليقين حول نوايا بوتين ومشاريعه
بداية، يشير برونو دوبري إلى انعكاس الوضع لصالح أوكرانيا. ويذكر أن السيناريو الأقل مصداقية في 24 فبراير 2022، وهو انتصار أوكرانيا، صار اليوم ممكنًا. ويستشهد بهذا المعنى بكلام جوزيب بوريل الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في 1 أكتوبر 2022 : “أوكرانيا لم تنتصر بعد لكن روسيا تخسر الحرب”.
ومع ذلك، لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن الرئيس بوتين فهو حاليًا غير قادر على قبول الهزيمة. خطر التصعيد على الأرض الأوروبية لا يستهان به، ً للتعبئة الجزئية (للرجال من 150 ألف إلى 300 ألف جندي) التي أصدرها فلاديمير بوتين في 21 سبتمبر 2022، ونظرًا للتهديد النووي، وتخريب خطوط أنابيب غاز نورث ستريم في بحر البلطيق في 26 سبتمبر 2022، إضافة إلى زيادة الهجمات على المدنيين والبنية التحتية الحيوية. ومع ذلك، ففي نهاية نوفمبر في عام 2022، كان قدوم الشتاء يشير إلى سيناريو الاستنزاف، أي فترة استراحة نسبية بين المتحاربين.
ومهما كانت نتيجة الحرب في أوكرانيا، هناك بنية أمنية جديدة ويجري حالياً إنشاء اتحاد أوروبي، لا تشكل روسيا جزءاً منه. في الواقع، لقد عاشت اتفاقيات هلسنكي (1975) التي تكرس بشكل خاص عدم استخدام القوة وحرمة الحدود. وفي هذا السياق، تعيد المؤسسات العسكرية والاقتصادية التركيز على ولايتها الأصلية. يركز الناتو على الدفاع والتوازن، بينما يركز الاتحاد الأوروبي على الدعم الاقتصادي والمالي لأوكرانيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا لا تزال معاقةا. يصر بي دوبري على ضرورة أن يجد الاتحاد الأوروبي له مكان ضمن هذا الهيكل الأمني الأوروبي الجديد. وبهذا المعنى فإن الاتحاد الأوروبي
يجب أن يكون له مقعد على طاولة المفاوضات. ومع ذلك، ومن وجهة نظر صارمة في هندسة الأمن العسكري، لم يتم الحصول على هذا المكان. ومن ناحية أخرى، وإذا أعطينا معنى أوسع لمفهوم الأمن، أي بما في ذلك الأمن السيبراني والرقمي، والاتصال، والطاقة، والنقل، والفضاء، يتمتع الاتحاد الأوروبي بمكانته بالفعل.
2- عدم اليقين بشأن الوحدة الأوروبية
منذ 24 فبراير 2022، أظهر الاتحاد الأوروبي وحدة فريدة في دعم أوكرانيا و في العقوبات ضد روسيا. وهكذا، في 5 أكتوبر 2022، اعتمد الاتحاد الأوروبي قراره الثامن من حزمة العقوبات ضد روسيا. وقد حشد 3.5 مليار يورو لشحن الأسلحة إلى أوكرانيا و 23 مليار يورو من المساعدات المباشرة (الإنسانية والبنية التحتية). ووفقاً لـ ب. دوبري، فإن الاتحاد الأوروبي تجرأ على المستوى العسكري، على عكس ما كان الاتحاد الأوروبي يأمل فيه الرئيس الروسي بوتين.
ومع ذلك، فإن وحدة الاتحاد الأوروبي لا تزال هشة. ثبت ذلك، كما أبرزته الصعوبات الحالية لـ “الزوجين الفرنسي الألماني”. هذا التعبير، غير مستخدم إلا في فرنسا لذلك من الأفضل الحديث عن “محرك فرنسي ألماني”. ألمانيا تبادر هذه الأيام إلى “صنع سياسة شرقية جديدة”، وترى في علاقتها مع أوروبا الشرقية أفق مستقبل جديد لسلامتها. ضعف اشتغال المحرك الفرنسي الألماني، وهو ليس حاليا ضمن منطق التكامل، أمر يدعو للقلق. علاوة على ذلك، تطرح مسألة الوحدة أيضًا على مستوى الطاقة (النفط والغاز والفحم). وهكذا، فإن الاقتراح الأخير من المفوضية الأوروبية حول آلية إيقاف التعاملات في حالة حدوث ارتفاع حاد في أسعار الغاز، قد أدى إلى إثارة العديد من التردد لجهة الاختلافات في مزج الطاقة من بلد إلى آخر.
ولكن، من دون الوحدة الأوروبية، كيف يمكننا مقاومة القوى العظمى؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه بشكل خاص فيما يتعلق بالعلاقة مع روسيا. وبهذا المعنى، يحدد ب. دوبري ثلاث رؤى مختلفة لروسيا في أوروبا. أولاً: مدرسة الواقعيين. التي ينتمي إليها الرئيس ماكرون، وهي تسعى إلى الحفاظ على خط تفاوض مع روسيا ولا تريد المخاطرة بالتصعيد. ثانياً: مدرسة المتفائلين، ومنهم حزب الخضر الألماني، يتمنون حصول تغيير بالنظام في روسيا. أخيراً، فإن مدرسة التحريفيين، أي مدرسة دول البلطيق وبولندا، تدافع عن منطق
أقصوي متطرف في الذهاب إلى الآخر، وهذا يعني تقطيع أوصال روسيا.
3- عدم اليقين بشأن خصائص الأزمة الاقتصادية
في حين صار واضحًا وجود ثلاث دورات اقتصادية (التضخم، الركود التضخمي، الكساد)،
يتساءل الاقتصاديون عن طبيعة الأزمة الاقتصادية: هل هي ظرفية؟ بنيوية؟ أم أنهاهي أزمة الرأسمالية في حد ذاتها؟ دوبري يلفت الانتباه إلى “المنزل المحترق” (إذا استخدمنا تعبير جاك شيراك)، أي “التضامن”. ووفقا له، فإن النقص الحقيقي في أوروبا هو نقص أوروبا الاجتماعية، والنمو الشامل الذي يتجاوز الربحية المالية، والنقص في تقدير الأثر الاجتماعي والبيئي للأرباح. ولذلك نراه يتساءل عن مكانة أوروبا بين رأسماليتين، الرأسمالية على الطراز الأمريكي ورأسمالية الدولة في الصين.
4- عدم اليقين بشأن ميزان القوى بين الدول الكبرى
إن التحالف القوي الذي يبدو أنه بدأ في الظهور بين الصين وروسيا يثير تحديات كبيرة
في أوروبا: إذا رفض الاتحاد الأوروبي روسيا، أليس هناك خطر من أن تصبح روسيا قارة أوراسية؟
لكن يفرض هنا سؤال مركزي: هل التحالف بين هاتين القوتين العظميين قابل للاستمراية ؟ وفي الواقع، إذا كان من الممكن أن تتقاسم روسيا والصين نفس المصالح، فإنها لا تملك نفس الطرق لتحقيق ذلك. بينما تسعى روسيا إلى تدمير النظام الغربي من الخارج (الهجمات السيبرانية، والسرديات المسمومة)، تريد الصين الحفاظ عليه. ولذلك يفترض دوبري أنه ستكون هناك حدود لما يمكن أن تقبله الصين من شراكةتها مع روسيا. فهل من مصلحة الاتحاد الأوروبي، إذن، استعداء الصين؟ يعتقد دوبري أن أوروبا يجب أن تنظر إلى الصين في وضع الثلاثية (خصم غير موضعي، منافس، شريك). ومن نفس المنظور يرى أنه من الضروري عدم القيام بقطع كل حوار مع روسيا، على الرغم من هول حربها في أوكرانيا وانزياحها صوب آسيا.
في ضوء التطورات التي حدثت أواخر العام 2023 والمتوقعة لمطلع عام 2024(المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر 2022، الانتخابات النصفية في نوفمبر 2022 في الولايات المتحدة، وانتخابات 2024 في روسيا والولايات المتحدة)، ثمةهناك تغيرات عميقة تتشكل من دون أن يكون من الممكن تخمين معناها.
ومع ذلك، يبقى هناك يقين واحد: الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا حتى تتمكن كييف من الوصول إلى مرحلة التفاوض من موقع القوة. ولذلك يؤكد الاتحاد الأوروبي على قيمه ومثله الديمقراطية الغربية، على العكس من عالم ما بعد الغرب لذي يعد له الرئيسان بوتين وشي جين بينغ.
5- عدم اليقين بخصوص تموضع “الجنوب العالمي”
كان نقص الدعم من الجنوب العالمي منذ غزو أوكرانيا صدمة كبيرة لروسيا والاتحاد الاوروبي في آن. وبالفعل، رفضت 40 دولة التصويت لصالح قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين روسيا. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من 8 أشهر من المفاوضات المكثفة لشرح الأثر العالمي الأوسع لهذه الحرب على القيم الديمقراطية، ظلت الأصوات من دون تغيير تقريبًا.
ومع ذلك، يتساءل ب. دوبري عما إذا كان ينبغي لنا أن نتفاجأ حقًا بهذا التحول. ترى بلدان الجنوب أن هذه ليست حربهم، وأنه تهمهم العواقب أكثر من الأسباب، وهم صاروا يعيدون التذكير باتهاماتهم لأوروبا الاستعمارية. من هنا يتساءل بي دوبري عن وضعية الاتحاد الأوروبي: ألا ينبغي لنا قبل كل شيء أن نستمع بدلاً من أن نحاول جعل هذه البلدان تتبنى وجهة نظر المصالح الأوروبية؟
ورغم نقاط الاختلاف مع الجنوب، يبقى نظام تعدد الأطراف هو الأفضل من حيث تحقيق التلاقي. ويعلم الجنوب أن هذه الطريقة مهمة لإسماع صوته، وذلك بفضل مبدأ “دولة واحدة، صوت واحد” الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولكن في ظل الاختلالات التي يعاني منها مجلس الأمن وضعف قوة الجمعية العامة للأمم المتحدة، من الملح أن ينكب الاتحاد الأوروبي الآن على مسألة إصلاح تعددية الأطراف. و يجب عليه تجديد شرعية منظومة الأمم المتحدة ، ولكن أيضًا فعاليتها. في هذا الصدد، يناقش ب. دوبري الأداء السليم لـ شكل آخر من أشكال التعددية، وهو نظام تعدد الأطراف المصغر، أي استخدام منتديات ومنصات مثل مجموعة السبع ومجموعة العشرين لمحاولة إيجاد ديناميكية شاملة مع البلدان التي تتقاسم نفس المنطق (أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية على سبيل المثال). باختصار، يشكل هذا الوقت من عدم اليقين خبراً طيباً لأنه يشير إلى نهاية “الوضع الراهن”.
يجب أن تتكيف المفاهيم والقيم الأوروبية مع تحديات اليوم والحاضر والغد، أي عالم متعدد الأقطاب، وتحديات الهجرة، والتغيير المناخ والرقمنة. ولذلك فإن هذا هو الظرف السانح للاتحاد الأوروبي لكي يصبح أقل سذاجة، وأكثر استقلالية، وأكثر وضوحا في التصميم على ألا يكون حقل اللعب بين القوى العظمى.