Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

بين الغرب وإفريقيا: حرب الاتفاقيات التجارية

مقالات ودراسات - إعداد الدكتور سعود المولى - 3:51 - 04/07/2024 - عدد القراء : 74

إعداد الدكتور سعود المولى
:زميل أول زائر في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية- قطر
تعول الدول الإفريقية على إنشاء منطقة تجارة حرة قارية (زليكاف Zlecaf) التي ما كادت أن تولد، إلا وكان اخترقها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
انضم المغرب هذا العام 2024 رسميا إلى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. ومن جانبها، قامت جنوب إفريقيا بأول صادراتها في ظل هذا النظام الجمركي الجديد. وقد وقعت أربع وخمسون دولة إفريقية على اتفاقية زليكاف هذه، أي جميع البلدان الإفريقية، بما في ذلك بلدان المغرب العربي، باستثناء إريتريا. كما صدقت عليها 47 دولة وقدمت 45 دولة منها بالفعل قائمتها المؤقتة للامتيازات الجمركية.
يتضمن ذلك قيام كل دولة إفريقية تدريجيًا، ومن تلقاء نفسها، من دون تفاوض، بتحديد المنتجات التي توافق على استيرادها من الدول الإفريقية الأخرى الأعضاء في زليكاف، مع رسوم جمركية ضئيلة أو معدومة. وهذا رهان كبير: الجميع يأملون أن يؤدي هذا التكامل القاري من خلال التجارة، أي تكثيف الروابط التجارية بين البلدان الإفريقية، إلى دعم التنمية في هذه البلدان.
الوعود ساحرة. ووفقاً لتقرير صادر عن البنك الدولي يَفترض أن هذه التجارة القارية البينية ستكون خالية تماماً من الضرائب الجمركية ــ وهو أمر لا يزال بعيداً عن الواقع ــ فإن زليكاف قادرة على انتشال 30 مليون إفريقي من براثن الفقر المدقع، وزيادة دخل ما يقرب من 68 مليون شخص آخرين يعيشون على أقل من 10% من الدخل، 5.5 دولار في اليوم، من خلال زيادة الأجور بنسبة 10% تقريبًا من الآن حتى العام 2035.
مفاوضات إفرادية
ومع ذلك، وبالتوازي مع اتفاقية زليكاف، واصلت الدول الإفريقية أيضًا، كل على حدة، التفاوض على اتفاقيات للتجارة الحرة مع دول خارج إفريقيا. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أطلق الاتحاد الأوروبي مفاوضات اتفاقيات الشراكة الاقتصادية (EPA)، حيث وافقت الدول الإفريقية على فتح أسواقها تدريجيًا من دون رسوم جمركية على المنتجات القادمة من أوروبا لكي تحافظ هي بالمقابل على وصولها، الحر تاريخيًا، إلى السوق الأوروبية من دون رسوم جمركية.
أطلق الاتحاد الأوروبي بداية مفاوضات مع مجموعة ACP (دول إفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ)، والتي تضم المستعمرات الأوروبية السابقة. وبسبب الفشل هنا، تفاوض الاتحاد بعد ذلك فقط مع الاتحاد الإفريقي، ثم في مواجهة مقاومة الاتحاد الإفريقي لهذه الاتفاقيات، تفاوض الاتحاد الأوروبي مع المجموعات الاقتصادية الإقليمية الإفريقية بشكل منفصل، وأخيراً مع عدد قليل من البلدان إفراديًا. “لم يتوصل إلى اتفاق شامل بين إفريقيا والاتحاد الأوروبي، بسبب التشرذم الكبير داخل المجموعات الاقتصادية الإقليمية وفي إفريقيا ككل”… بحسب جاين نالونغا Jane Nalunga، المديرة التنفيذية لمعهد جنوب وشرق إفريقيا للمعلومات والمفاوضات التجارية (سيتيني Seatini) في أوغندا، التي أضافت أن “إفريقيا لم تمثل جبهة موحدة في قبالة الاتحاد الأوروبي، فاستفاد الاتحاد الأوروبي بالطبع من ذلك”.
وحالة كينيا نموذجية. وقعت البلاد في 18 ديسمبر/كانون الأول، بمفردها وخلافًا لنصيحة الدول الأعضاء الأخرى في مجموعة شرق إفريقيا، على اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، وقبل ذلك بعامين، مع بريطانيا بعد خروج هذه الأخيرة من الاتحاد الأوروبي. كانت كينيا تاسع أكبر اقتصاد في القارة، فأصبحت شركاتها الكبيرة ذات النفوذ تعتمد على الأسواق الأوروبية والبريطانية لصادراتها من الفواكه والخضروات – وبشكل خاص – الزهور.
“من المهم أن نلاحظ أن جميع دول مجموعة شرق إفريقيا الأخرى، باستثناء كينيا، هي من البلدان الأقل نموًا. ومن ثم، فإن كينيا […] [لم تعد] قادرة على الاستفادة من نظام الأفضليات المعمم أو برنامج “كل شيء ما عدا الأسلحة” الذي [لا يزال] يستفيد منه أعضاء آخرون في مجموعة شرق إفريقيا بسبب وضعهم كأقل البلدان نمواً [الذي يسمح لهم بالتصدير من دون رسوم جمركية لأوروبا. ومن دون اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، سيترتب على كينيا رسوم تصدير تبلغ قيمتها حوالى 100 مليون دولار، كما أن المملكة المتحدة تمثل أيضًا جزءًا كبيرًا من الصادرات الكينية. “من وجهة نظر عملية واقتصادية، كانت كينيا في أمس الحاجة إلى اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، أكثر من أعضاء مجموعة شرق إفريقيا الآخرين، أو، بدلاً من ذلك، مع المملكة المتحدة، في ضوء واقع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي اليوم”، هذا ما كتبه الكينيان هاريسون مبوريHarrison Mbori، الباحث في معهد ماكس بلانك Max Plank في لوكسمبورغ، في القانون الدولي والمتخصص بإفريقيا ، وجيمس تي غاثيي James T. Gathii، رئيس كرسي وينغ تات لي Wing-Tat Lee للقانون الدولي والأستاذ في كلية الحقوق بجامعة لويولا Loyola في شيكاغو، في مقال لهما حول القضايا التي تثيرها اتفاقيات الشراكة الاقتصادين بين كينيا وبريطانيا.
وبما أن الدول الأخرى في مجموعة شرق إفريقيا تخشى رؤية المنتجات الأوروبية تدخل أسواقها وتتنافس مع إنتاجها الخاص، يتوجب على هذه الأخيرة الآن إعادة فرض الضوابط على الحدود، في حين أن إقامة مجموعة دول شرق إفريقيا، كان يهدف على العكس من ذلك، إلى جعل البلدان المختلفة في المنطقة أكثر استقلالية ضمن كتلة موحدة ومتجانسة. والأسوأ من ذلك أن كينيا “يمكنها الآن استيراد مدخلات لمنتوجات من دون رسوم جمركية، والتي يمكنها بعد ذلك تصديرها إلى جيرانها في المنطقة الإقليمية الفرعية الذين لا يستفيدون من هذه الميزة”، كما يوضح مارك مايس Marc Maes، المحامي البلجيكي المسؤول عن السياسة التجارية في جماعة 11.11. 11 (التحالف الفلمنكي للتضامن الدولي). تستورد كينيا من الاتحاد الأوروبي أكثر بكثير مما تصدره، وسوف يتزايد هذا العجز مع اتفاقية الشراكة الاقتصادية، ولكنه يمنح كينيا الميزة على جيرانها في المنطقة، لذا فإن هذه البلدان لديها “شعور بأنها تدفع ثمن نمو كينيا”.
فرق تسد
إن الاتفاقية التي وقعها الاتحاد الأوروبي مع كينيا هي مجرد واحدة من اتفاقيات عديدة: في المجمل، جرى التوقيع على اتفاقيتي شراكة اقتصادية مع التجمعات الإقليمية ومع أربع دول في مناطق أخرى. وكل هذه الاتفاقيات تخلق نفس حالة الصراع كما هو الحال في جماعة شرق إفريقيا. إلا أن الاتحاد الأوروبي يزعم في كل علاقاته مع إفريقيا أنه يدافع عن التكامل الإقليمي للقارة. وفي الموقع الرسمي للمفوضية الأوروبية المخصص لاتفاقيات الشراكة الاقتصادية، إشارة إلى نقطة رئيسية: “تهدف اتفاقيات الشراكة الاقتصادية إلى المساهمة في التكامل الاقتصادي الإقليمي”. “لماذا التكامل الإقليمي؟”، سأل لويس ميشال Louis Michel، المفوض الأوروبي للتنمية والمساعدات الإنسانية آنذاك، في خطاب ألقاه في عام 2007. “إذا كانت هناك نقطة أساسية واحدة يتفق عليها خبراؤنا، فهي الدور المحوري الذي يلعبه التكامل الإقليمي في خلق أسواق ذات حجم وأهمية حاسمين، وأكثر تكاملا.”
فيما وراء هذه الخطابات، اتهم هاريسون مبوري المفوضية الأوروبية باتباع سياسة “فرق تسد”. ومن الواضح أن مثل هذه الحيلة تهدف إلى ضمان تفاوض الدول الإفريقية بشكل فردي وفقدان مزايا التفاوض ككتلة واحدة. ومثل الاتحاد الأوروبي، وقعت الولايات المتحدة بالفعل اتفاقيات إطارية للتجارة والاستثمار (TIFA) مع ثماني دول وثلاث مجموعات إقليمية إفريقية، وهي اتفاقيات تساعد في تنظيم علاقاتها التجارية وتسهيل الاستثمارات الأمريكية في إفريقيا.
“نحن في وضع حيث تسعى زليكاف إلى ترسيخ نفسها كسوق واحدة، لكن الاتحاد الأوروبي [والولايات المتحدة] لديهما بالفعل موطئ قدم في كل مكان. في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تضغط من أجل التوقيع على اتفاقية TTIP [اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي]، عانت من احتجاجات قوية. لذلك، أعلنا أننا سنتخلى عن شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي وأن الولايات المتحدة ستوقع بدلاً من ذلك اتفاقية مع ألمانيا فقط، كما يتذكر مارك مايس. وهذا جعل الجميع يضحكون. الاتحاد الأوروبي عبارة عن اتحاد جمركي، وسوق واحدة: ما يدخل إلى ألمانيا يمكنه الوصول إلى جميع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. ولكن هذا هو بالضبط الوضع الحالي في إفريقيا”.
blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

Screenshot 2024-06-17 at 04.54.21

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
30°
42°
Mon
43°
Tue
الافتتاحية