Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

حلف شمال الأطلسي وروسيا

مقالات ودراسات - ترجمة الدكتور سعود المولى - 3:47 - 15/07/2024 - عدد القراء : 398

الحديث عن “حرب باردة جديدة” أمر مغرٍ، ولكنه خطأ
سيريل بريت
سيريل بريت هو عالم جيوسياسي في معهد العلوم السياسية.
نشرت هذه المقالة في 13 مارس 2024
The Conversation
ترجمة الدكتور سعود المولى: زميل أول زائر في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية- قطر
يُذكرنا الوضع الحالي في كثير من النواحي بالحرب الباردة ، ولكن من الخطورة بمكان أن نتمسك بهذا التشبيه، لأن مخاطر الصراع المفتوح أصبحت أعلى بشكل ملحوظ اليوم.
فهل أعادت الحرب المستمرة منذ عامين في أوكرانيا إحياء غرض منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي تأسست في الرابع من إبريل 1949، أي قبل ما يقرب من خمسة وسبعين عاماً؟ بعد حرمانه منذ عام 1991 من عدوه الوجودي، الاتحاد السوفييتي، مر أكبر تحالف عسكري متكامل في العالم، بعقدين من أزمة تحديد غرضه. ومنذ القطيعة مع الكتلة السوفييتية، أصبح الاتحاد الروسي الجديد شريكاً إستراتيجياً في مجلس الناتو-روسيا الذي أنشئ في عام 2002.
بالإضافة إلى ذلك، انضمت العديد من دول “الكتلة الشرقية” السابقة، بما في ذلك ثلاث جمهوريات سوفيتية اشتراكية سابقة (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، إلى المنظمة بين عامي 1999 و2020. ومن تسعة عشر عضوًا في نهاية الحرب الباردة، نما الناتو إلى ثمانية وعشرين عضوًا عام 2009 (اثنان وثلاثون عضواً اليوم). كان سبب وجوده في الأصل احتواء الكتلة الشيوعية في أوروبا ومواجهة حلف وارسو (1955-1991) على الجبهة العسكرية.
وقد أدى ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، والحرب في دونباس منذ ذلك الحين، والغزو الشامل في عام 2022، إلى وضع حد للبحث القلق، فقد وجدت الناتو “عدوها” في روسيا عام 2022، وفق الصيغة التي نظّر لها كارل شميت في كتابه “مفهوم السياسة” (1932)، العدو هو الشخص الذي تكون المواجهة معه جذرية ولا مفر منها، إلى الحد الذي لا يمكن معه إيجاد أرضية مشتركة.
الانطباع الجيوسياسي بأننا “نرى شيئًا مأوفًا عرفناه سابقًا” «déjà-vu» أصبح قوياً اليوم إلى الحد الذي جعل الفكرة تفرض نفسها في كل مكان: نعم لقد دخل الغرب في “حرب باردة جديدة” مع الاتحاد الروسي الذي يُعَد الوريث العدواني للاتحاد السوفييتي. فقط خريطة الكتل هي التي تبدلت، مع اندماج الدول الشيوعية السابقة ودولتين محايدتين سابقًا في الناتو (فنلندا منذ أبريل 2023 والسويد رسميًا منذ 7 مارس 2024).
على “الرغبة في الشيء نفسه”، مهما كانت مطمئنة، ألا تسيء إلى “البحث عن الآخر”. ولا ينبغي لرجوع التاريخ أن يأتي على حساب نسيان الجغرافيا السياسية. وإذا اعتبرت أوروبا نفسها منخرطة في هذه الحرب الباردة الجديدة، فإنها تخاطر بإهمال المخاطر الجديدة التي تتعرض لها.
إن التصريحات (الاستفزازية) للمرشح دونالد ترامب بشأن الناتو، والإعلانات (المنعزلة أو المتنازع عليها) للرئيس إيمانويل ماكرون بشأن إرسال قوات إلى أوكرانيا، ودخول فنلندا، وانضمام مملكة السويد (التي تأخرت طويلاً بسبب المجر) إلى الناتو يجب أن تنبهنا: تواجه القارة القديمة اليوم مخاطر جيوسياسية ذات طبيعة مختلفة تمام الاختلاف عن تلك التي حملتها الحرب الباردة. نادرا ما يتلعثم التاريخ. وعلى أية حال، فهو لا يقول نفس الشيء أبدًا. ومخاطر اليوم لا تختفي بمجرد اختزالها في تحذيرات الأمس.
رجوع إلى المستقبل: أوكرانيا، حرب بالوكالة بين الناتو وروسيا؟
في الجغرافيا السياسية، كما هو الحال في غيرها، ثمة العديد من “عباد الدورات”. كم مرة يتم استحضار مقولة كارل ماركس حول انقلابات بونابرت اليوم؟ وكان ماركس قد كتب (في كتابه الثامن عشر من برومير لويس بونابرت)، إن كل حدث يحدث مرتين: الأولى بشكل “مأساوي”، والثانية على هيئة “مهزلة” – دموية في بعض الأحيان. سيكون هذا هو الحال مع الحرب الباردة: فقد ظهر أول ظهور لها في الحرب العالمية الثانية لتأليب الحلفاء الغربيين والكتلة السوفييتية ضد بعضهم البعض. ومنذ عام 2022، أو حتى منذ عام 2013، دخلنا في حرب باردة ثانية.
وفي مواجهة رعب الحرب في أوكرانيا والخوف الذي تثيره روسيا في أوروبا، فمن المغري العودة إلى شبكة تحليل أثبتت جدواها. إن زعزعة استقرار أوكرانيا ثم الغزو اللاحق، باسم “إزالة النازية” الوهمية، يذكرنا بالتخريب السياسي والتدخلات العسكرية التي قام بها الاتحاد السوفييتي في ألمانيا عام 1953، وفي المجر عام 1956، وتشيكوسلوفاكيا عام 1968، أو حتى في أفغانستان عام 1979.
وكما حدث أثناء الحرب الباردة الأولى، نلاحظ اليوم انقسام أوروبا إلى كتلتين عسكريًا وسياسيًا وإستراتيجيةً ودبلوماسيةً. ها هو الستار الحديدي يُسدل اليوم على خط المواجهة في أوكرانيا وليس على الحدود بين جمهورية ألمانيا الاتحادية وجمهورية ألمانيا الديمقراطية، ولكن الفجوة نفسها على وشك أن تترسخ في جميع المجالات.
على المستوى السياسي، يتبنى المعسكران نماذج متعارضة بشكل جذري: وبالتالي فإن روسيا تنتقد الليبرالية المنحطة للمجتمعات المفتوحة، من أجل التأكيد بشكل أفضل على نموذجها السياسي، الاستبدادي والمحافظ والقومي بشكل علني وصريح.
وعلى المستوى الإستراتيجي، يعتبر كل طرف من قطبي القوة نفسه مهددًا من الطرف الآخر، ومضطرًا إلى تطوير إستراتيجية صد الآخر على المستوى القاري، ثم على المستوى العالمي. وبالنسبة إلى روسيا فإن موجات توسع حلف شمال الأطلسي هي امتداد “لخبل الحلف” الذي مارسته الولايات المتحدة في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، والذي كان المقصود منه احتواء وقمع “الخطر الأحمر”.
وبالنسبة إلى الغرب، فإن موسكو ضاعفت أشكال التعاون المناهضة للغرب ــ من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وما إلى ذلك ــ بحجة مواجهة امتدادات حلف شمال الأطلسي، بنفس الطريقة التي كانت تعمل بها موسكو أيام الاتحاد السوفييتي حين وقّعت العديد من الاتفاقيات، وخاصة العسكرية، مع “الدول الشقيقة” في أركان المعمورة الأربعة.
وعلى المستوى الاقتصادي، تتابعت موجات العقوبات الأوروبية والأمريكية، وكان الرد عليها بعقوبات روسية مضادة؛ لدرجة أن الشركاء السابقين يحاولون الآن الاستغناء عن تموينات بعضهم البعض.
على المستوى العسكري والصناعي، يجري سباق التسلح و(إعادة) العسكرة على قدم وساق، كما حدث خلال المرحلة الستالينية من الحرب الباردة. لقد زادت الجهود الدفاعية التي تبذلها دول الناتو بشكل كبير: في عام 2024، سيخصص ثمانية عشر عضوًا من أصل الاثنين وثلاثين عضوًا أكثر من 2٪ من ناتجهم المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري. أما بالنسبة إلى روسيا، فلديها ميزانية دفاع تمثل 6% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024، بزيادة قدرها 70% مقارنة بعام 2023، الذي كان عام الحرب بالفعل.
وفي ظل هذا الاستقطاب، كانت الحرب في أوكرانيا لتؤدي إلى التعجيل بإبراز وتحفيز ولادة انقسام لا يمكن جسره بين حلف شمال الأطلسي و”الآخر” الراديكالي، روسيا، الانمساخ الجديد للاتحاد السوفييتي. وعلاوة على ذلك فإن أوكرانيا سوف تصبح مسرحاً لـ “حرب بالوكالة” ، هي نموذجية في الحرب الباردة، أشبه بتلك التي شهدتها الكوريتان أو فيتنام أو حتى أنغولا وموزمبيق خلال الحرب الباردة. وفي دونباس وشبه جزيرة القرم وأماكن أخرى في أوكرانيا، يقال إن حلف شمال الأطلسي وروسيا يقاتلان بعضهما البعض من مسافة بعيدة، في ظل التهديد النووي العالمي.
بعض توقعات شبكة التحليل هذه دقيقة تمامًا. وعلى وجه الخصوص، فإن كافة آليات الحوار والتفاوض والتحقق مجمّدة في منظمة حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ومع “العدو” بحسب توصيف شميت، أو “الآخر” المتطرف، أصبح التواصل مستحيلًا ــ ناهيك عن أي شكل من أشكال التعاون.
مخاطر الوهم
بقدر ما أن هذه الرؤية لمهمة حلف شمال الأطلنطي ولإستراتيجية روسيا موحية، إلا أنها تظل مضللة. وإلى جانب تبريرها الخطابة البلاغية الخادعة التي أطلقها الرئيس الروسي منذ خطابه الشهير حول حلف شمال الأطلسي في مؤتمر ميونيخ الأمني في عام 2007، فإنها تخفي المخاطر الحقيقية للوضع الحالي. وينبغي أن تقنعنا ثلاثة أحداث أخيرة بهذا الأمر.
في 10 فبراير 2024، أكد المرشح والرئيس السابق والرئيس المستقبلي المحتمل للولايات المتحدة دونالد ترامب، رغبته في النأي بنفسه عن الناتو، وبالتالي تقليل تعرض بلاده للصراعات الأوروبية. ولا ينبغي لنا أن ننظر إلى هذا التصريح باعتباره صراخاً معتاداً صادراً عن محرض نزوي، ولا باعتباره حجة انتخابية من مبتدئ في السياسة الخارجية. فهو يحدد نغمة روح العصر الدولي Zeitgeist لأنه يلخص العديد من الاتجاهات الرئيسية التي تتعارض مع الحرب الباردة.
إن الالتزام تجاه حلف شمال الأطلسي لم يعد الأداة المفضلة لدى واشنطن للتدخل في توازن القوى مع “الآخر”. ولقد اختفى الاستقطاب الثنائي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، والصراع العملاق بين حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو، بسبب ظهور قوى أطراف ثالثة: جمهورية الصين الشعبية، ومجموعة البريكس+، والاتحاد الأوروبي في المقام الأول والأهم.
لم يعد قائماً ذلك الاحتكار العسكري الثنائي العالمي الذي كان مستقرًا نسبياً بين حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو، والذي يركز على الردع النووي المتبادل. وبذا فقد ازدادت مخاطر الانزلاق الخطر. سوف تتضاعف استفزازات دونالد ترامب بخصوص حلف شمال الأطلسي لأن الخلل في التوازن الأوروبي لم يعد ينظمه التوتر الخاضع للسيطرة بين كتلتين مستقرتين ومنضبطتين. وهذا خطر خاص بعصرنا، لا يجوز إهماله باسم نظرية «الحرب الباردة الجديدة».
وثمة عامل يزيد من الخطورة: جميع مجالات الحياد أو الوساطة أو الضبط، بين الناتو والاتحاد الروسي، في طريقها إلى الاختفاء، ويستند الاتحاد الروسي إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم العديد من الجمهوريات السوفيتية السابقة. وتشهد نهاية الحياد الفنلندي في عام 2023 ثم الحياد السويدي هذا العام على هذا الاتجاه. لقد تركت الحرب الباردة مساحات محايدة علناً أو ضمناً: ولهذا أفلتت الدولتان الشماليتان (فنلندا والسويد) من النظام الشيوعي في حين ضمنتا علاقات صحيحة مع جارتهما السوفييتية. قللت المناطق الجليدية والمناطق العازلة والمناطق الرمادية من الاحتكاك المباشر بين حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو.
هي حرب ساخنة في الواقع
لقد جرى تقليل المخاطر (الحقيقية) للاحتكاك والانزلاق. ومن الآن فصاعدا، أصبح الفضاء الأوروبي منطقة واسعة من المواجهة المباشرة (أوكرانيا) أو غير المباشرة (بحر البلطيق، البحر الأسود). والتخلي عن حياد بلدان الشمال- وربما حياد مولدوفا في نهاية المطاف- يجعل من “الآخر” الروسي الجار المباشر. وهذا هو الخطر الذي قد تحجبه نظرية “الحرب الباردة الجديدة”. لم تعد المواجهة الأوروبية تجري على مسافة بعيدة، في ما بعد المناطق العازلة.
وأخيرًا، أكد إعلان إيمانويل ماكرون المثير للجدل مساء يوم 26 فبراير 2024 كيف تختلف المخاطر الحالية عن تلك التي كانت موجودة في القرن العشرين. وبالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي، فإن إرسال قوات برية رسميًا إلى دولة ثالثة، خارج الحلف، من شأنه أن يغير طبيعة الصراع الدائر حاليًا. وفي الوقت الحالي، فإن الصؤرع يضع دولتين في مواجهة بعضهما البعض، دولة معتدية وأخرى تتعرض للغزو. وتقوم كل منها بتعبئة شبكاتها الخاصة من التحالفات لدعم مجهودها الحربي. ولكن الصراع ثنائي ـ ولا ينبغي لنا أن نقلل من أهمية هذه النقطة، أو أن نهملها، أو نرفضها في الخيال.
وعلى الرغم من أن حلف شمال الأطلسي (ككل) والدول الأعضاء فيه (كأطراف) يدعمون أوكرانيا بطرق متعددة، إلا أنهم ليسوا أطرافًا في الصراع لأن بند المساعدة المتبادلة الوارد في المادة الخامسة لا يمكن تفعيله بالنسبة إلى أوكرانيا، التي ليست عضوًا في معاهدة 1949. الخطر الذي يتذكره الرئيس الفرنسي- عن حق أو خطأ- هو أن المواجهة المسلحة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا أصبحت الآن ممكنة. إن إضفاء الطابع الإقليمي على الأعمال العدائية، ودخول دول أخرى في الحرب، وإضفاء الطابع النووي على بعض العمليات، وما إلى ذلك: هذه هي المخاطر الحالية.
واليوم، لا يخوض حلف شمال الأطلسي حرباً باردة جديدة. ولم تعد الإستراتيجية الأمريكية تعتمد عليها بشكل أساسي. وظهرت قوى عسكرية أخرى مختلفة عن المنظمة. ولم يعد “عدوها” الوجودي، حلف وارسو، المنضبط والمنظم، وبالتالي الذي يمكن توقع أعماله نسبيًا، موجودًا. ولم تعد الحرب بالوكالة هي القاعدة. إن المخاطر هي تلك التي تنطوي عليها حرب نراها اليوم ساخنة بالفعل، بل وحتى ساخنة للغاية.
blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
24°
30°
Wed
31°
Thu
الافتتاحية