Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

ايها العراقيون.. انهضوا، فـ”اسيا” تنهض مجدداً

الافتتاحية - عادل عبد المهدي - 0:51 - 24/12/2015 - عدد القراء : 941

في الرحلة الطويلة لمرافقة السيد رئيس الوزراء في زيارته الرسمية للصين، كنت اقرأ كتاب امين معلوف المعنون “الحروب الصليبية كما راها العرب”.. الكتاب اصلاً بالفرنسية (1989)، والترجمة العربية ممتازة للدكتور عفيف دمشقية، وطبع الكتاب الطبعة الثامنة، اي بمعدل طبعة كل 3 اعوام تقريباً. يوثق الكتاب يوميات الحرب (1096-1291)، التي لم تسمها المصادر العربية بالحروب الصليبية، بل بحروب الفرنجة، نسبة الى فرنسا التي بدأت اولى الحملات منها. وفيه من المعلومات والدروس السياسية والحربية والاقتصادية والجغرافية والنسيج الاجتماعي والديني والقومي والمذهبي والعلاقات بين الجماعات والامم الشيء الكثير.فالفرنج عندما جاؤوا لاحتلال بيت المقدس لم يكونوا ارقى من سكان المنطقة، علماً وحضارة وتنظيماً وفنوناً عسكرية، ولا عدداً.. الفرنج حققوا هدفهم لعاملين اساسيين.. الاول، فقدان الدولتين العباسية والفاطمية وهجهما، وكانتا في اسوأ مراحلهما، فحلت مرحلة طويلة من التفكك والتنازع الداخلي بين السلاطين والحكام على مراكز السلطة ومواقع الهيمنة.. اما نظرتهم للفرنج فهي ان وجودهم مؤقت، واهون عليهم من اخوانهم وابناء جلدتهم المقيمين معهم والمنافسين الدائمين لهم. والثاني الاساليب القاسية والانتقامية التي اتبعها الفرنج لارهاب الاهالي ولاخضاع المدن الشامية والفلسطينية والتركية والبيزنطية.. بحيث وصل بهم الامر الى شي ضحاياهم بالسيخ واكل لحومهم، كما حصل في “معرة” الشام، وكما يفعل “داعش” اليوم..فتعرض الجميع، من مسلمين ومسيحيين ويهود، لمجازر الفرنج، وان كان بدرجات..اما الخلافات الدينية،فتتنامى عند لحظات الانهيار، فتظهر الاصطفافات، بل احياناً الخيانات.. الجميع قاتل بشجاعة وتضحية.. لكن اغلبهم ناور الاجنبي وهادنه بل وقف معه احياناً..
خلال الكتاب تجد بغداد كعاصمة الدنيا، “ومركزاً لارقى الحضارات، ففيها الف طبيب مُجاز، ومستشفى كبير مجاني، ومصلحة بريد منتظم، وعدة مصارف لبعضها فروع في الصين، وشبكة مياه ممتازة، ومصنع للورق”، الخ.. فاذا كان هذا ممكناً قبلاً، فلماذا لا يكون ممكناً اليوم.. ومن يقول ان لا امل بالعراقيين، فهو انسان جاهل، يعتدي على نفسه قبل ان يعتدي على غيره.. فلا عيب بالعراقيين انفسهم.. بل العيب بانظمتهم، شأنهم شأن بقية الامم. فكان العراقيون الارقى والاقوى عندما ضمتهم منظومة سومرية او بابلية او اشورية او اسلامية.. وصاروا بلداً متأخراً منقسماً وشعباً فقيراً جاهلاً عندما قبلوا لانفسهم، او قبل حكامهم لهم، ان تضمهم منظومات مفككة تغيب فيها الحقوق والعلوم والاعمال والنظم والمنجزات والثقة بالنفس.فالصين ايضاً صاحبة الحضارات العريقة، والتي مرت ايضاً بحرب المخدرات وقرون الفقر والتمزق والجهل والاستعمار.. والتي استنجدت بالمنصور انذاك، لينصرها على عدو داخلي، فتوجه اليها الاف المقاتلين العراقيين وحسموا المعركة، واستقر المقاتلون وتزوجوا من اهل البلاد، مشكلين واحدة من اهم القوميات الصينية المسلمة اليوم وهي قومية “خوي” اي العائدون. الصين نهضت من جديد، وتنهض معها اسيا كلها، وتفكر باعادة “طريق الحرير”، الذي ستكون احدى فقرات الزيارة الرسمية الحالية للوفد العراقي، توقيع مذكرة تفاهم بشأن “التشارك في الدفع باتجاه الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين”.
يختم “معلوف” كتابه.. بان المسلمين “حازوا في الظاهر نصراً مبيناً”، واخرجوا الفرنج في النهاية من بيت المقدس.. الذين، رغم خسارتهم،تعلموا وكسبوا الكثير من العلوم والفنون بسبب احتكاكهم بالمسلمين وبالشرق وحضارته. بالمقابل شعر المسلمون بالنشوة ورجعوا الى خلافاتهم، التي كانت السبب الاساس للغزو الفرنجي.. فكانت السبب لتراجعهم وتأخرهم لاحقاً، وخسارتهم بيت المقدس مجدداً. فلم يتعلموا –حسب معلوف- امرين.. الاول ان الفرنج يعتمدون التفكير والسلوك المؤسسي، اكثر من الفردي.. والثاني ان الفرنج تحركوا مع الزمان.. بينما انغلق المسلمون على انفسهم، يعتاشون على انتصاراتهم الماضية ويجترون قناعاتهم القديمة. فتقدم الزمان، وتقدم الفرنج معه، وبقى المسلمون يراوحون في اماكنهم.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
36°
36°
Sat
36°
Sun
الافتتاحية