اعلنت الحكومة الليبية عن الانتهاء من تطهير “سرت”.. وشهدت مصر تطورات استراتيجية على صعيد محاربة الجماعات الارهابية داخلياً وخارجياً، وميزت نفسها عن تلك القوى التي تخلط بين الخلافات السياسية والمذهبية، ومحاربة الارهاب، الذي آخر اعماله، الجريمة البشعة في الكنيسة القبطية. بالمقابل حصلت تطورات مهمة وايجابية على الجبهة السورية، فرغم سقوط تدمر مجدداً بيد “داعش” واستخدامه ٥٠٠٠ مقاتل، والتقدم نحو مطارها، لكن العملية جاءت كرد فعل لمعركة“حلب” وتطهيرها من قوى الارهاب، وأهمية ذلك في حسم المعركة السورية بمجملها، ليس على الصعيد العسكري بل السياسي ايضاً، وذلك بفرز المعارضة، عن “داعش” و”النصرة”، واحتمال عودة المفاوضات، لانهاء الحرب والانشقاق المجتمعي والسياسي الخطيرين.وعلى نفس السياق تسير الاوضاع في اليمن.. اذ رغم القتال والقصف والدمار الذي حل بهذا الشعب الشجاع، فان الاطراف المؤثرة في الصراع باتت مقتنعة، او هكذا يبدو، بالخطة الامنية للوسيط الدولي.. وهو ما اكده الاجتماع الرباعي لامريكا وبريطانيا والسعودية والاماراتمؤخراً، والذي محتواه الحقيقي فشل الهجوم الظالم الذي تعرضت له اليمن، وان الاستمرار عليه هو مجرد عناد، وتحسين شروط تفاوض،خصوصاً بعد انسحاب “الامارات” من الحملة، والانتقادات البريطانية والامريكية المتكررة.
فالحرب ليست مجرد قصف وقتال، فهي ايضاً حوار وتوافقات وتدافعاتواستنتاجات بين المتحاربين المحليين، والخصوم الاقليميين والدوليين. ولعل ابلغ هذه الحوارات واكثرها دلالة ما حصل في لبنان، الذي هو احدى الحلبات الاساسية التي تتكثف فيها صراعات المنطقة. فانتخاب الرئيس عون لرئاسة الجمهورية.. وهو المتحالف مع “حزب الله”، الداعم للنظام السوري، والمدعوم من ايران وروسيا.. واختيار
لاشك ان هذه تطورات مهمة قد تنهي سنوات الصراعات القاسية، او تخففها على الاقل. ولاشك ايضاً انها لم تلد من فراغ، بل هي تطورات عمدتها الدماء والتضحيات، ولعل ابرز مرتكزاتها الحرب القاسية التي خاضها العراق ضد الارهاب، ومن وقف معه عراقياً وخارجياً، معتقدين انهم سيحققون مكاسب، باستثمار نتائج العمليات الارهابية في البلاد. فكان الشعب العراقي السباق والوحيد تقريباً لاعتبار ان المعركة ضد الارهاب لها اولوية على كل ما عداها. فالخلافات السياسية او المذهبية شيء، والمعركة ضد الارهاب شيء اخر. وانه مهما كانت التأثيرات متبادلة، لكن عدم التمييز بينهما اوقع الاغلبية الساحقة باخطاء خطيرة. ففريق رأها طائفية او ضد ايران، فجاء بحلول طائفية، او اساءت تقدير الموقف مع ايران. ورأها اخرون فرصة لتوحيل خصومه، وجعل هذا هدفه قبل محاربة الارهاب. فتغيير موازين القوى بدأ من العراق، وقدمتنجاحاته الاخيرة في الانبار والفلوجة، واليوم في نينوى، البرهان ان الخلافات المذهبية والسياسية شيء، واعتبار محاربة “داعش” اولوية، وطريق لاحتواء الخلافات المذهبية والسياسية شيء اخر.
لن تكتمل الصورة ان لم نذكر التطورات الاخيرة التي حصلت في تركيا، وتعرضها بدورها لهجمات ارهابية جعلتها على قناعة اكثر باولوية محاربة الارهاب. فتحسنت العلاقات التركية الروسية، ليصل الامر لاعلان الطرفين عن عزمهما تشجيع مفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة في العاصمة الكازاخستانية “استانا”، استكمالاً لعملية جنيف التفاوضية. وحسناً فعلت الحكومة العراقية باحتواء موقف التواجد العسكري التركي في “بعشيقة”، والاصرار على الموقف المبدئي، بان لا تواجد لاية قوة خارجية، دون موافقة الحكومة العراقية.
قد تتأكد هذه المسارات، خصوصاً ان شهدنا تطورات ايجابية في المشهد البحريني، وفي كل الاحوال يجب انتظار ما سيفعله الرئيس الامريكي “ترامب” عندما توليه الادارة فعلاً بعد اسابيع من الان.. فهل سيتعاون مع روسيا والصين واوروبا؟ وهل سيمضي قدماً في الاتفاق النووي مع ايران؟ وهل سينقل فعلاً السفارة الامريكية للقدس؟ وهل سيرفض عبر ودروس اسلافه؟ ويتبنى الرؤية “الكيسنجرية” في تصعيد الاوضاع لحافات الحرب، والاعتقاد ان بامكانه تطويع الحديد وهو ساخناً؟ لنبدأ بمسلسل عنف جديد ودروس وعبر جديدة.
عادل عبد المهدي