Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

الوحشية لا تعترف بالجغرافيا

الوحشية لا تعترف بالجغرافيا
ادب وثقافة - 2:25 - 12/10/2015 - عدد القراء : 848

«صلاة لأجل المفقودات» الوجه الآخر للسحر المكسيكي:

«آلاف الأشخاص فقدوا في المكسيك بينهم مئات النساء اللواتي اختطفن لتجارة الجنس في العقد الأخير فقط. هذه رواية عن هؤلاء، تمكّنت جنيفر كلمينت من كتابتها بشجاعة في بلد قُتِلَ فيه 45 صحافياً ومدوناً بين عامي 2006 و2012 بسبب تحقيقاتهم عن الفساد وتورّط المسؤولين مع تجار المخدرات». بهذه الكلمات تقدّم عبير مرعي لرواية «صلاة لأجل المفقودات» باكورة أعمال الكاتبة والشاعرة جنيفر كليمنت، التي ولدت في أمريكا عام (1960) وانتقلت بعد عام مع عائلتها إلى المكسيك. ترجمت مرعي الرواية الصادرة مؤخراً 2015 عن دار «الجمل» في بيروت، مُستفيدة من الاهتمام العالمي الإعلامي الذي أثارته الجماعات الجهادية التكفيرية مثل «داعش» وAبوكو حرام» من حيث خطف النساء وسبيهن/ تجارة الجنس، إذ وعلى رغم ما تمارسه هذه الجماعات، وما مارسته عصابات المخدرات التي تخطف النساء في المكسيك لإجبارهنّ على العمل في الدعارة طوال عقود فإنّ العالم لم يزل مُقتصرّاً على التنديد بين الحين والآخر، من دون إي سعي لإيجاد آليّات حماية توقف هذه الممارسات. «prayers for the stolen» التي تعني «صلاة لأجل المسروقين» تُرجمت إلى العربية «صلاة لأجل المفقودات»، ربما هو عنوان الرواية، ربما هي كلمات التقديم، وربما هي جغرافية المكان – المكسيك- التي اشتهرت في السنوات العشرين الأخيرة بما تعانيه من سيطرة عصابات المخدرات وتجّار الدعارة، كلّ هذه الأسباب أو بعضها يوحي للقارئ بأنّه أمام عمل يتناول مأساة النساء المخطوفات كما فيلم «Trade- 2007»، لكن مع الوقت نكتشف أننا أمام سرد وصفي لذاك الريف المكسيكي، ووحشيّة الحياة فيه، أكثر منه عملاً يتناول التجربة الإنسانيّة بذاتها، هذه التجربة بكل قسوتها وخصوصيتها.
الريف والسجن وبُنيّة الرواية:نصف العمل تقريباً هو الجزء الأوّل من ثلاثة أجزاء تشكّل رواية «صلاة لأجل المفقودات» التي طُبِعَت في (280) صفحة من القطع المتوسط. الجزء الأوّل هو عالم البراءة، حيث تعيش بطلته الطفلة «ليدي دي» ووالدتها، عالم مهجور سوى من أشباح شخصياته القليلة المسكونة برعب خطف الفتيات. في هذا الجزء تختلط الصور التي ترسمها كليمنت لعالم جبال المكسيك بالنسبة لمن يجهل المنطقة، مع صور أتقن تشكيلها فنان «الواقعية السحريّة» الكولومبي الحائز جائزة «نوبل» للآداب «غابرييل غارسيا ماركيز 1927-2014»، إغراق كلمينت في وصف قسوة المكان وحرّه وتنوّع حيواناته ونباتاته ليس تكراراً مجانيّاً، بل يُضفي على العمل جوّاً من الثقل والحرارة، ينسجم مع محاولتها الاستعانة بتقنيات كتابة «الواقعية السحرية»، لكن المشكلة أنّ الرواية والكاتبة تحتاج أن نؤمن بشدّة واقعية ما يحدث، ما نقرأ، لأنّه حياة كانت وتكون كل يوم في المكسيك، حيث أفضل ما يمكن لك أن تكونيه هناك (هو فتاة بشعة) كما تقول والدة الراوية. «كان هذا في مقاطعة غيريرو. أرض حارة لأشجار الكاوتشوك، والأفاعي، والإيغونا، والعقارب، العقارب الشقر الشفافة، التي كان من الصعب رؤيتها ممّا يجعلها قاتلة. كنا واثقين أنّه في غيريرو عقارب أكثر من أي مكان آخر في العالم، ونمل. نمل أحمر يجعل أذرعنا تتورّم وتبدو مثل الساق. هذا هو المكان الذي كانت أمي تقول إنّه وبكل فخر يجعلنا الأكثر غضباً ولؤماً في العالم». بواسطة هذا الإيقاع تبني الكاتبة روايتها، تكشف الشخصيات مع إغراقها في وصف المكان، مقاطع صغيرة مرتبة كمونتاج فيلم سينمائي يسير فيه الخط الزمني بمنطقية عمر راويته «ليدي دي» العمري، لكنه يُبنى كجملٍ منثورة هنا وهناك، تعود في وقتٍ لاحق لتوضيحها، فتشدّ القارئ للمتابعة وهي تفتح ذكرى جديدة، حديثاً جديداً، مغامرة ما، لا تنسى أن تربطها بتلك الإشارة السابقة أو الشخصية العابرة. المكانهو دوماً إطار الذكرى والحدث الذي تنسج الكاتبة بواسطته مشهديّة اللوحة ولا تسمح للقارئ بالخروج منها: «كان الأمر سريعاً، تلك السرعة التي تبدو مثل ذراع تحوّلت إلى أفعى. تحرّكت ذراعها، رأيتُ الظل على الجدار ثمّ، وبسرعة كبيرة، مثل العقرب عندما يرفع ذيله ليلدغ أو الإيغوانا عندما تمدّ لسانها إلى سديم يشبه القفير من البعوض الصغير. بهذه السرعة. كانت أمي تحمل المسدس الصغير الفضي في يدها وكل شيء جاهز» ص123تفاصيل المكان التي تفردها كلمينت تحوّل روايتها إلى قاموس حياة مكسيكي، ليست وحدها أسماء القرى والجبال وأنواع النباتات، بل نوع صندل «فيلب- فلوب» مثلاً وكيف تقوّس النساء أصابعهنّ وهنّ يرتدينه، تقول والدة «ليدي دي»: «إن كان لأحد أن يبتكر رمزاً أو علماً يدّل على هذه القطعة من الأرض فيجب أن يكون صندل فيلب- فلوب بلاستيكي». «الباراكوت» الذي تلقيه مروحيات الجيش لقتل نبات الخشخاش، لكنه وكما تقول الوالدة «جسدي هو حقل خشخاش» يُرمى على أي شيء سوى هدفه الأساسي خوفاً من استهداف تجّار المخدرات للمروحيات حيناً، وخوفاً من خرق الاتفاقيات مع هؤلاء التجّار حيناً آخر. الجزء الثاني في المقابل أقصر الأجزاء، يبدو كحلمٍ مسروق مؤسّس بطريقة سيئة دراميّاً، فالفتاة التي انتقلت للعمل كمربية في منزل أحد الأثرياء تكتشف مع مدبرة المنزل العجوز و»خوليو» الذي يعتني بالحديقة أنّ جميع أفراد العائلة قتلوا في حادث على الطريق، لا توضح الكاتبة طبيعة الحادث أكان اغتيالا أم حادث سير، لكن لا أحد يأتِ لتفقد المنزل وممتلكاته، لا أقرباء ولا شرطة. في هذا المنزل الجميل وحديقته المُشذّبة تعيش «ليدي دي» حبّها مع «خوليو» ورفاهيّة العيش طوال أشهر حتى تقتحم الشرطة المنزل لتعتقل «ليدي دي» المتهمة بجريمة قتل لم ترتكبها. «خوليو» الذي يبدو خيالاً بلطفه وصدقه مع «ليدي دي» أكثر منه واقعاً تخبرنا الكاتبة أنّه مُقيّد في السجلاّت الرسمية كونه متوفّى، وهي الخدعة التي مارسها ليتهرّب من جريمة قتل حارس الحدود.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
22°
36°
Sat
36°
Sun
الافتتاحية