Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

[easy-share buttons="facebook,twitter,google,pinterest,linkedin,print,mail" counters=0 native="selected" show_fblike="no" show_plusone="no" show_twitter="no"]

اعمال قديمة/جديدة… الديمقراطية: لها وجهان، قبيح وجميل

أعمال قديمة جديدة - عادل عبد المهدي - 20:05 - 16/01/2022 - عدد القراء : 7133

الديمقراطية: لها وجهان، قبيح وجميل

نصوص مختارة من محاضرة بعنوان “ولاية الفقيه، الديمقراطية، والثيروقراطية: رؤية مقارنة” ألقيت عام 1998 في مؤتمر الفكر الإسلامي الذي عُقد في جامعة طهران. نعيد نشرها للمساهمة في تطوير فهمنا لاي نوع من الديمقراطية يجب ان نعمل. فالديمقراطية نظام حكم. وهي في كل تجاربها المعروفة ما زالت نظام اقلية. ورغم ما حققته من تقدم في الحقوق والحريات، مقارنة بالنظم العبودية والشمولية، لكنها ايضاً عبر امتلاك صفات الانسان وغرائزه تستطيع من أسر الأغلبية الساحقة وسلب إرادتها والقدرة على تسييرها. وقد تصدى مفكرون كثيرون لتصحيح هذه المسارات، فالديمقراطية الواجب العمل لها، هي التي تسعى لتلبية الإرادة الحقيقية للانسان، ولعموم المواطنين، بل لاحترام القوانين الطبيعية والسنن السماوية.

عادل عبد المهدي

15/1/2022

الديموقراطية: نظام خاص تحت لافتة عامة

عادل عبد المهدي/1998

شيء من التاريخ..شيء من المفاهيم والخلفيات

تتعلق الديموقراطية اساسا بالحكم والنظام السياسي، واسلوب اصدار القوانين والضرائب وتحديد الحقوق والواجبات. وقد استخدمت كلمة الديموقراطية خلال العهود اليونانية وبعض العهود الرومانية، ثم اختفت عن الاستخدام، لتعود الى الظهور مع العصور الحديثة، خصوصا مع الثورة الفرنسية والامريكية.

مراحل تطور النظام

ان معاينة خط التطور، عموما، بات واضحاً في تطور عملية نظام التحكم والاستعباد، والذي مر بمراحل:

ـ التعامل مع الانسان كحيوان.

ـ التعامل مع الانسان كآلة.

ـ التعامل مع الانسان كصورة، وكوهم.

وتتطابق كل مرحلة مع تطورات اساسية:

ـ الحضارة (اليونان، روما ) ضد ما اسموه بالبربرية والوحشية.

ـ الثورة الصناعية، او عصر التنوير، مقابل ما اسموه بالعصور المظلمة.

ـ الثورة التكنولوجية والمعلوماتية.

هذه المراحل هي مراحل تطورات علمية وتنظيمية هائلة وجبارة، لكنها بالمقابل مراحل في تطور اشكال انظمة التحكم بالجماعات البشرية وبالانسان ذاته. فالعلوم (والتكنولوجيا والتنظيم) ليست احادية لا في اتجاهاتها ولا في نتائجها. وان الاكتشاف، نفسه قد يكون في خدمة الانسان والطبيعة، وهو ذاته قد يكون مدمراً لهما. فالبارود قد يستخدم في شق الطرق، لكنه قد يستخدم، ايضاً، في الحروب، او تدمير التوازن الكوني. والطاقة النووية قد تنقذ ملايين البشر، لكنها قد تدمر الحياة على الكون.

1 ـ الاشكال الواضحة للتحكم والاستعباد:

فالعبودية بشكليها الرقّي (امتلاك الانسان والتعامل معه كسلعة وكحيوان) والقني(ارتباطه بالارض وبيعه وشراؤه معها) صُورت كنظام طبيعي. وقال “ارسطو” بنظرية العبودية الطبيعية، وشرح كيف ان بعض الناس هم بالطبيعة مالكون، وبعضهم عبيد، والنظام العبودي مفيد للطرفين.

فالنظام العبودي يبني منطقه وشرعيته على هذا الاساس. فالملاّك والرجال الاحرار -قانوناً وعرفاً- هم الشعب والمواطنون، ولا احد غيرهم. اما العبيد والاقنان والنساء والاجانب فكلهم خارج محيط دائرة الشعب والمواطنة. وان الحريات والحقوق اي ما تضمنه القوانين، او “الديموقراطية” هي للطرف الاول. اما اغلبية السكان فخارج الدائرة، وليس لها شيئاً منها. هذه هي القاعدة الاساسية والاولى لنشأة المجتمعات الحديثة. يقول (انجلز): “بدون الرق لم يكن بالامكان تصور قيام الامبراطورية الرومانية، وانه بدون الاسس التي ارستها الهلنستية (اثينا) والامبراطورية الرومانية لا وجود لاوربا الحديثة”( Engels, Anti Duhring p:213).

2 ـ الاشكال التجريدية او الخفية للتحكم والاستعباد:

لكن للشكل الاول من التحكم مشاكله وعقباته وحدوده. فمصادر توفير الرق بكميات كبيرة محدودة، ثم ان كلفته عالية جداً. والاهم من ذلك كله فان تطور التحكم يحتاج الى تطوير انظمة التحكم. لذلك شهدنا انتقالاً من الانظمة الواضحة والمباشرة الى الانظمة الاكثر تجريدا، ومرونة وديناميكية. ولتحقيق هذه المرحلة كان لابد من توفير الشروط اللازمة لها، وهي انتزاع الانسان من ارتباطاته العقائدية والقرابية والطبيعية وتحويله الى مجرد صفة او قوة. هذه العملية تمت خلال مراحل تاريخية متعددة ومعقدة.

أ ـ الفصل عن الخالق:

فتم الفصل بين الايمان والتشريع. واصبح الايمان الفردي هو الساحة التي يتناولها الدين (Religon) ليصبح التشريع امراً وضعياً يختص به الحاكم، وهكذا اخذ الدين معنى غيبياً فقط. واعتبر امراً فرديا. فانتقلت القدسية من السماء الى الارض، ومن الخالق الى المخلوق. (انظر “علي قلي قرأي” مميزاً بين المعنى الحقيقي للدين، كما استخدم تاريخياً واسلامياً، والمحرف لـ Religon، مجلة Aux sources de la sagesse العدد العاشر، 1996).

ب ـ الفصل عن الجماعة والمحيط:

اي فصل الانسان عن امته وارضه وعائلته او عشيرته وجماعته، الخ. وذلك تحت ستار تصفية العلاقات النسبية او “البطرياركية”. وبالتالي تصفية، او الحط من اي انشداد او انتماء يمنع بشكل مباشر او غير مباشر من التحكم بالفرد، وتجريده من حمايات وضمانات وولاءات تصطف مع الفرد طبيعياً، لتتركه عارياً مجرداً اعزلاً وحيدا. يقول امير المؤمنين عليه السلام: “ومن يقبض يده عن عشيرته فانما تقبض منه عنهم يد واحدة وتقبض منهم عنه ايد كثيرة”.

ج ـ تجزئة صفاته وفصلها عنه:

كسب الفرد بعض الحريات القانونية والشكلية. لكن هذه لم تتم بدون تطورات في شكل العلاقة مع الانسان. اذ تم تجزئة صفاته وطاقاته واستلابها واخضاعها والسيطرة عليها، بتحويل كل صفة الى وحدة مستقلة يمكن ان تباع وتشترى وتُقاس وتُحدد كميا. فلم يعد الانسان كلا متكاملا له صفات وطاقات مختلفة، بل صار صفة، ليس إلا، يُعرف عبرها، وعبرها فقط… فالذي يباع لم يعد الانسان، بل تباع صفة الاثارة فيه (الجنس)، او جهده (قوة العمل)، او فكره (الخبرة)، الخ.

عندما فصل الانسان عن هذه الامور وغيرها، فان اشكالاً كثيرة قد تغيرت. ان بعض القيود واشكال الاخضاع قد زالت شكلاً ومضموناً، لكن اشكالاً ومضامين اخرى قد تولدت. وهذه الاخيرة قد تكون من حيث النتيجة النهائية اكثر عنفاً وتعقيداً وشمولاً.

فَتَشيؤ الانسان (جعله شيئاً او سلعة) لم يلغَ بالغاء رقيته، وان التعامل مع الانسان كسلعة لم يتغير بزوال عملية بيعه كانسان. هذه الممارسات استمرت وتعمقت. فتحتَ واجهة العلاقات الحرة بين انسان وانسان، تختفي شبكة علاقات تحكُم انسان بصفات وخصائص انسان آخر. فالانسان لم يعد يسحب من يده او عنقه، بل صار يسحب من غرائزه او احتياجاته او طاقاته، وهلمجرا. فالصفات قد استرقت، اما الانسان نفسه فقد اصبح حراً “قانونا”.

اصبح الحكم والحاكم أعلى سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية، بعد ان استبدل الغيب (باشكاله الخرافية او السماوية) بالسلطة الخفية المتحكمة. اصبح باستطاعة الحاكم او الحكم، الكلام باسم المجتمع كله. هذا المجتمع الذي لم يعد اجتماعا لتفاعل المجاميع والكيانات العقيدية او الطبيعية (الامة، العائلة، العشيرة، الخ)، بل تحول الى مجرد كمّ عددي من الافراد المجردين من انتماءاتهم الطبيعية. صحيح ان مفهوم “المجتمع المدني” يوفر بعض الحصانات والدفاعات للافراد لكن تنظيمات المجتمع المدني اقيمت على حالة فردية تقوم على المصلحة الخاصة والمطلبية الفردية والقيم التنافسية، التي يستطيع نظام التحكم ان يساومها او يسيطر عليها دون تهديد حقيقي لنظام الاستبداد والاستلاب والاستغلال.

اصبح بالامكان الغاء وتحريم الرق والقنانة، ولم تعد هناك من حاجة لبيع الانسان وشرائه ككل. فالمطلوب هو ليس الانسان، بل المطلوب هو صفته. والولاء والطاعة المطلوبتان لم تعودا حركة او موقفا او رأي الانسان ككل، بل المطلوب هو اخضاع وقبول الصفات والطاقات الانسانية كاملة لنظام التحكم. هذه التطورات التي تنعكس في قوانين وقيم وتنظيمات جديدة. فبدل ان تكون فئة محددة من الناس هي السلعة والقنية والشيء، تحول الناس كلهم او في غالبيتهم الساحقة الى سلع او اشياء وادوات تحت مفهوم تجزييء الانسان وتشيئه والاستحواذ والسيطرة على صفاته. فتحول الانسان المستغَل المستضعَف من انسان/حيوان في الحالة العبودية او الاقطاعية، الى انسان/آلة في النمط الحديث. وان اعظم تلخيص لهذا التطور كله نجده لدى (ديكارت 1596-1650) خصوصاً في (Les principes de la philosophie) الذي تعتبر نظرياته حول الفيزياء الميكانيكية وحول الحيوانات/المكائن (animaux-machine) الاساس للعلوم الحديثة (المنهج الكارتيزي). والذي يقوم منهجه على الشك وعلى المعرفة الوضعية (انا افكر اذاً انا موجود). فكرٌ يرى الانسان الة، ويرى اعضاءه كعتلات ورافعات، ويرى قلبه كمضخة. «فالخلية هي ماكنة»، ولا شيء آخر. والطبيعة هي ماكنة كبيرة. والحياة كلها عبارة عن الة وماكنة لصنع الاشياء من نبات وحيوان وانسان. فلم يعد الانسان يُخضع العلوم الطبيعية ويعطيها صورته، بل صارت العلوم الطبيعية من ميكانيك وفيزياء وكيمياء وغيرها تُخضع الانسان وتعطيه صورتها.

وهكذا تطور فكر يعتبر المصدر الرئيسي لما يسمى بالفكر العقلاني والذي يعتمد المنهج الصارم (méthode). مما سمح بتنظيم رؤية فلسفية وتنظيمية واجتماعية تساعد بتأكيد قولبة المجتمع وتنظيمه بشكل دقيق لاستثمار طاقاته بشكل جبار وعظيم. ولو كان ذلك على حساب امور مقابلة ستظهر خطورتها لاحقاً في تدمير المعاني الاولى للانسانية (وبيئته الطبيعية)، وفي حرف مسيرة البشرية كليا. مما قادها وسيقودها اكثر للدخول في مرحلة الانتحار الذاتي. سواء اكان هذا المنهج، او هذا الفكر، هو مجرد تسجيل وتنظير للحقائق التي نمت عبر القرون في تشيؤ الانسان، او انها كانت انطلاقة فكرية مجردة اسست هذا المنهج. اذ بدأ في الغرب عهدٌ جديد سيعزز عملية انفصال مسيرة الغرب عن مسيرة البشرية ككل. وفي آن واحد سيعزز عملية سيطرة الغرب على مقومات وامكانيات البشرية (والطبيعة) كلها.

لقد دخلت دورة الحضارة في نمو متسارع، لم يعد بالامكان السيطرة عليها، مهددة بتدمير الحياة على هذا الكوكب. هذه التطورات دفعت مفكرين كبار منهم المؤرخ المعروف «توينبي» للقول بانه لو عاد «فولتير» بيننا الان لجعل صرخته «التقنية» هي العدو! دمروا هذا العدو الشائن. «فولتير» نفسه رغم دعواته للعصرنة والحداثة صرح قائلا:”اي بؤس، واي فقر القول بان الحيوانات هي مجرد آلات لا احساس ولا ذكاء لها” (نقلاً عنLa Grande Implosion.Pierre Thuillier). لكن الامر لم يتوقف عند هذه الحدود فعملية تحويل طبيعة الانسان والسيطرة عليه والتمكن منه اخذت في كل يوم اشكالا اكثر تجريدا.

من انسان حقيقي الى انسان وهمي:

فاذا كان تطور «الحضارة» قد حول الانسان المُستضعَف الى حيوان، واذا كان تطور الثورة الصناعية قد حول الانسان الى آلة، فان تطور الثورة التكنولوجية والمعلوماتية بدأت بتحويل الانسان الى صورة ووهم. الى انسان يزاوج الحالة الوهمية او النظرية “virtuel” لتزول عنه حتى فرديته، متحولا الى مجرد جهاز غرائز واعصاب، ليس فقط بتأثير المخدرات والكحول بل بما هو اخطر، اي بتأثير السقوط تحت تأثير الوهم والصور الاجتماعية التي تولد له احاسيس شخصية وهمية وكاذبة تدغدغ مشاعره وغرائزه لتخضعه الى اقسى اشكال العبودية والاسر. ودون الكلام عن تاثير ذلك في مجالات الصناعة والادارة والسياسة والاعلام نشير فقط الى تأثير تطور هذه الحالة في العلاقة الانسانية وتطور مفهوم الانسان ذاته فيما اصبح يسمى بـ”cybere-culture”(علم التوجيه). اذ اصبح بالامكان الان عبر اجهزة الحاسوب التي تُربط بطرفين ان يقيم شخصان علاقة جنسية كاملة (ولكن وهمية) ليحصلا على المتعة الجنسية. بل اصبح بالامكان ان يحصل (او تحصل) عليها ليس بالضرورة مع طرف اخر (رجل او امرأة) بل ذاتياً (ليس عن طريق الاستمناء) عبر علاقة مع جهاز كامل يضبط له التوقيت وشكل المتعة واساليبها. يقول الكاتب “Clarke.A.C” “بان الممارسة الجنسية كما نقوم بها اليوم ستختفي بعد سبعين عاما”.

وان هذا الشكل من الثقافة الذي يتطور بسرعة عبر الحاسوب وما يسمى بالخط الوردي التلفوني (minitel rose) (في فرنسا مثلا) يروج له بالطبع لاعتبارات تجارية ومادية. ويجد ارضية لا حدود لها، بعد ان حُطمت كل الحواجز الفاعلة التي تمنع من انتشاره. وتقول احدى وسائل الترويج ان هذه الممارسة الجنسية نظيفة من مرض الايدز. فتصور عظم المصيبة ومدلولاتها. حيث يتم استيعاب انهيار اجتماعي واخلاقي بانهيار اجتماعي واخلاقي آخر.

فولَد نظامٌ تتقدم فيه الصورة (image) على الحقيقة. بل صارت الصورة وسيلة رئيسية لتوليد “الحقيقة”، وذلك في كل المجالات السياسية والاجتماعية وغيرها. وهذه حقيقة كبرى لا يمكن مناقشة موضوع الحريات والقيم السائدة بدونها.

على كل حال، فان هذا التجريد ان كان قد فتح امام الانسان طاقات استغلالية هائلة اصبحت ممكنة بسبب السيطرة على الانسان (التنظيم، الكم، السرعة، العلوم..)، لكنه بالمقابل جرده من خصائص هي من صلب انسانيته. اذ تحول الانسان الى فرد معزول مُستلب. صفاته وخصائصه العامة مُسيطر عليها في الكليات، رغم اعتقاده انه يتصرف بها بكل حرية وقناعة. لم يعد الدين او المجتمع او الانسان هو الذي يسيّر الحياة. بل صارت قوى اخطبوطية عملاقة تسيّر الجميع نحو لعبة الموت. هذه القوى ليست قوى المافيا او النوادي والتكتلات الخاصة، بل هي نظام القيم الذي عممته آلية التحكم عبر شتى الوسائل لتصبح قيماً عامة واجتماعية ليس في الغرب فقط، بل في العالم كله. ولا يتعلق الامر -بالضرورة- بسوء نية او بتصميم مسبق، بل يرتبط بانحراف الفكرة او الافكار الاولى عن الخالق والمخلوق والعلوم والمصالح الخ. والذي شكل بالتدريج سياقا ينمو طبيعيا ليولّد هذه النتائج. ولقد شكك “ماكس فيبرM. Weber” (L’éthique protestante)، متسائلا في مطلع القرن (العشرين)، عما اذا لم تؤذن الحضارة باعلان “الانسان الاخير”. مؤكداً ان الغرب الحديث قد انتهى من حضارته. وهو حبيس “قفص من حديد”. وان هذا التجريد ان كان قد اعطاه حريات شكلية او حقيقية، لكنه سلب منه ايضا حريات شكلية او حقيقية. فالقيد الذي كسر عن معصمه او عن عنقه، استُبدل بقيد وضع في عقله وقلبه. وان قوانين الغاء العبودية والقنانة لن تبدو عملية تحرير حقيقية للانسان من داخله، بل ستبدو بوضوح كامل كعملية تحرير خارجية، لتجعله اكثر ميسورية ومطاوعة امام القوى الطاغوتية.

صار بالامكان تحميل الانسان كامل كلفته ليؤخذ منه كامل جهده. بل نحن نسير -إن لم تتغير المسارات- الى مستقبل لم تعد فيها القوى الطاغوتية بحاجة الى الكثير من البشر لتسيير مجتمعات الغد. فالمجتمع كله قد يصبح عبئاً على القلة التي تمسك بامكانيات استغلال الطبيعة والكون. وان علم الجينات وعلوم التكاثر الصناعي هي ليست مجرد اكتشافات علمية لمصلحة الانسان، بل انها تبشر ايضاً بتطورات تنظيمية اجتماعية لتغير جذرياً من مفهوم المجتمع، ليتحول بدوره الى عبء على القوى المتحكمة، كما تحول الانسان في جمهرته العظمى الى عبء على هذا النظام.

هذه التطورات ونتائجها عندما ينظر اليها بالعين التاريخية والفعلية ستبدو في احيان كثيرة اكثر تعسفاً واسراً من القيود التي كانت تضعها الانظمة العبودية، يخاطب (P. Leroux) مواطنيه (Payot, 1994 Trois discours,) قائلا: “انك تعيش ميكانيكياً كرجل آلة، او كانسان منوم”.

انتهى.

مقال_1

blog comments powered by Disqus
[easy-share buttons="facebook,twitter,google,pinterest,linkedin,print,mail" counters=0 native="selected" show_fblike="no" show_plusone="no" show_twitter="no"]

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

Capture

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
15°
14°
Sat
12°
Sun
الافتتاحية