القهوة العربية مدرجة في القائمة التمثيلية للترات الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة اليونيسكو منذ عام 2015، ليست مجرد مشروب ساخن يفوح منه عبق البن والهيل والزعفران والزنجبيل، يُقدم للضيوف في مختلف المناسبات، وإنما هي تاريخ وثقافة ومواريث وعادات وتقاليد تتضمن طقوساً معينة أشبه ما تكون بأخلاقيات وآداب الإعداد والتقديم والتعامل معها من قبل الضيف والمُضيف. عن تاريخ القهوة وارتباطها بمفهوم الضيافة والكرم عند العرب بشكل عام،وطقوس وآداب إعدادها وتقديمها، يقول أحمد سعيد الأحبابي: «تعد القهوة جزءاً أساسياً من الضيافة العربية، ويعكس تاريخ المنطقة ارتباطها الوثيق بهذا المشروب، ويعد تقديم القهوة من أهم تقاليد الضيافة في المجتمع العربي عامة ، فضلاً عن كونها رمزاً للجود والكرم. وقد ظلت القهوة العربية تشكل جزءاً رئيسياً في الثقافة العربية على مدار قرون عدة».يشير الأحبابي إلى أن القهوة كان لها عدة استخدامات؛ منها علاج بعض الأمراض، وكانت تستورد من الدول التي تمر عليها السفن التجارية، مثل اليمن والهند وسريلانكا وبلاد الحبشة، وتوزع بواسطة التجار وأصحاب المحال، وتباع للمستهلكين بسعر زهيد لا يتعدى ثلاث أو أربع روبيات هندية، وكان يوجد أسواق لبيع القهوة بالجملة، وعملية البيع والشراء تتم إما نقداً أو عن طريق المقايضة.ومع تطور الحياة المادية لدى السكان، توفر البن الذي يستورد من مختلف دول العالم بأنواعه المختلفة، كما تطورت صناعة القهوة، وأصبحت المحال المختلفة المتخصصة تقوم ببيع البن المحمص بنكهات مختلفة؛ إذ انتشرت المحامص الحديثة في الدولة التي توفر أجود أنواع القهوة والبهارات.يسلط الأحبابي الضوء على طقوس وتقاليد تحضير القهوة وتقديمها، وتوضيح بعض المسميات المرتبطة بجميع مراحل إعداد وتقديم القهوة، وتبدأ بتنقية حبوب القهوة وتخليصها من الشوائب وتحميصها في وعاء وتقليبها ب«المحماس» حتى تصل إلى اللون المطلوب؛ سواء كان أشقر فاتحاً أو متوسطاً أو غامقاً أو داكناً، ومن ثم تبريدها قبل البدء بدقها؛ مشيراً إلى «الرشاد والمنحاز» وهو عبارة عن هاون ومدقة يستخدمان لطحن حبوب البن المحمصة؛ مشيراً إلى أن الصوت الصادر عن الهاون إشارة للترحيب بالضيوف، ودلالة على الكرم، وإعلام الأشخاص القريبين بإعداد القهوة.قال إن الدلال لها عدة أنواع ومسميات، وكان الأجداد يستخدمون عدة أنواع؛ منها دلة الخمرة: وهي الوعاء الأول لصنع القهوة، وتستخدم لغلي الماء وتتسع للترين أو أربعة لترات من الماء ومصنوعة من نحاس أحمر. كما تستخدم عادة لحمل بقايا القهوة المطحونة من القهوة المصنوعة مسبقاً، وتتيح هذه الطريقة الحصول على قهوة ذات نكهة أقوى وتركيز أشد. والنوع الثاني دلة التلقيمة: وهي الوعاء الثاني لصنع القهوة؛ حيث يتم إضافة فنجانين من القهوة إلى المياه المغلية وتترك لتغلي بعض الوقت، وتصنع هذه الدلة من النحاس الأحمر أو الأصفر. أما دلة المزلة؛ فتصنع من النحاس، وتستخدم لتقديم القهوة مع وضع (ليف النخل) في الفوهة لتنقية القهوة عند صبها للضيوف.يتناول الأحبابي في جملة حديثة، عدداً من الآداب العامة المتعارف عليها والواجب اتباعها من قبل صانع القهوة والمقهوي والمضيف؛ ومنها طريقة جلوس الشخص الذي يعد القهوة أمام الموقد، وتكون بثني ساقه اليمنى إلى أعلى، وساقه اليسرى مثنية تحت مقعده، ويجب عليه التحقق من نظافة المعاميل والقناد.إلى جانب ذلك، يجب على الضيف أخذ الفنجان عند الجلوس فقط، وعدم وضع الفنجان على الأرض أو الطاولة مطلقاً إلا في حالات الطوارئ، وألا يشرب أكثر من ثلاثة فناجين ولا أقل من فنجانين، ولتبريد القهوة، يحرّك الضيف الفنجان في حركة دائرية، مع الأخذ في الاعتبار عدم النفخ في الفنجان، إذ يعد ذلك سلوكاً مكروهاً، ويجب عليه أيضاً تجنب إصدار صوت أثناء احتساء القهوة.