اشترط تعديل قانون الانتخابات الاخيرة ان يكون المرشح حاملاً لشهادة البكلوريوس او ما يعادلها. وقد ردت المحكمة الاتحادية الدعوى. وسواء تم ابقاء الشرط او ادخال تعديل لاستثناء نسبة معينة، فان شرط البكلوريوس ينتهك مبدأ مساواة المشاركة الانتخابية للمرشحين بموجب المادة (2) من القانون: “يهدف القانون الى “.. ثانياً/المساواة في المشاركة الانتخابية”، و”ثالثاً/ ضمان حقوق الناخب والمرشح في المشاركة الانتخابية”. يصعب مناقشة النوايا المضمرة للبعض، لكن النية الظاهرة للاغلبية كانت ولاشك تحسين اداء مجلس النواب. وهذا يتطلب وقفة حول الدلالات والمضار.
بحسابات عامة جداً للخريجيين خلال الـ30 سنة الماضية، فان مجموع حاملي البكلوريوس اليوم لن يمثل 10% ممن له حق الترشيح بدون الشرط. وستنخفض النسبة عند حساب الوفيات وتطبيق شرط 28 عاماً، والمشمولين “بقانون هيئة المساءلة والعدالة” و”ان يكون حسن السيرة والسلوك وغير محكوم بجناية او جنحة مخلة بالشرف” و”ان لا يكون قد اثرى بشكل غير مشروع على حساب الوطن او المال العام” و”ان لا يكون من القوات المسلحة او المؤسسات الأمنية” وغيرها من مؤسسات، الخ. وعليه فان خرقاً كبيراً يحدثه هذا الشرط، ليحول النظام الديمقراطي والانتخابي من نظام يعمل للمساواة في المشاركة بشرطها وشروطها، الى انتخابات “انتقائية” “طاردة” تحرم الاغلبية الساحقة من الترشيح. فموضوع الشهادات التي ارتبطت بالتعيينات والاموال السهلة للنفط، دون ذكر العوامل السياسية، اخذ بعداً خطيراً من حيث الاسباب والنتائج.. والكل يعلم مدى التراجع الذي اصاب التعليم والجامعات خلال العقود الثلاثة والاربعة الماضية، والتي اصبحت مخرجات بعضها هزيلة مقارنة بدول قريبة منا، او بتجارب سابقة لنا.
يبقى تعبير “او ما يعادلها” غامضاً. فهل شهادات الكليات العسكرية والامنية، والحوزات العلمية والدورات وعدد من دبلومات الخبرة او امتحانات التأهيل او المؤلفات والاعمال المشهودة من ضمن مفهوم ما يعادلها، كما يمارس في بلدان اخرى.. وهل تعتبر سنوات العمل والممارسة والخدمة والخبرة والموقعية والميدانية والنقابية والاعلام ومؤسسات المجتمع المدني من ضمن المفهوم؟ ولماذا يحرم من الترشيح العمال والفلاحين والكسبة والسجناء والمطاردين في قضايا الرأي وحقوق الانسان والجماعات والذين قضوا حياتهم يحاربون الاستبداد والظلم ولم تتوفر لهم فرص الحصول على البكلوريوس؟ فمجلس النواب ليس مهنة تتطلب شهادة معينة، كبعض الوزارات والمناصب والطبيب والمهندس والمحامي وغيرهم. بل دوره تمثيل الشعب لتشريع القوانين ومراقبة الحكومة والدولة.. ومتطلباتها مزيج من اتصالات جماهيرية وتفان وخبرة عملية وجلسات ومداولات مع اصحاب المعرفة والعلاقة، وحسن الاستماع وطلب المشورة، الخ. فلا يشترط ان يكون كل نائب قانوني واقتصادي ونفطي وهندسي وخبير صحة وتعليم وأمن وطيران وعلاقات دولية، لنطمئن على قدرة تشريع القوانين ومناقشة الموازنة والقيام بمهام المراقبة. فهذه مهمة الاجهزة والمؤسسات الثابتة لمجلس النواب والوزراء والقضاء والاحزاب والاعلام ومنظمات المجتمع المدني والجامعات لتوفير المستشارين والخبراء.. ومهمة الدراسات وجلسات الاستماع والتحليل وأهل الخبرة والاختصاص والتوصيات التمهيدية ليصل النواب والكتل للقناعات الرشيدة. فمطابخ صناعة القرار ليست جهداً او كفاءة فردية مجردة، بل عملاً مؤسساتياً وجماعياً متكاملاً، ولابد من مراجعة قانون الانتخابات والاحزاب، لتحقيق هذه الاهداف، وليس اقرار امور مربكة، تضر اكثر مما تنفع. فاذا كان القانون سيحرم 70 نائباً لا يحملون البكلوريوس، فلماذا لم يسد النقص حوالي 260 نائباً يحملون الشهادات؟ فالخلل والاصلاح حسب رأينا- في مواقع اخرى.
سيمنع الشرط “بيل كيتس” مخترع نظام “ميكروسوفت” والمدير العام للشركة، وقيمتها 92.3 مليار دولار(2018)، اي اكثر من موازنة العراق الترشيح لو كان عراقياً.. وكذلك حال “ليخ فاليسا” الكهربائي وعامل السيارات، الذي لم يتخرج من جامعة، وقائد حركة “التضامن”، وحائز على جائزة نوبل، ورئيس بولندا (1990-1995).. وان شاعراً عظيماً كـ”الجواهري” لا يستطيع ان يرشح للانتخابات لانه لم يتجاوز البكلوريا، وقس على ذلك.