تياران يتصارعان.. فهناك حملة شرسة على الرئيس الامريكي قد تفقده مركزه.. بالمقابل يجب الاعتراف بقوة النفس القتالي و”التمردي” للرئيس.
يبدو ان الرئيس يستغل الهجوم الشرس ضده من كبريات الدول والمؤسسات ووسائل الاعلام ليجعل صوته وصورته الاكثر انتشاراً محلياً ودولياً.. فهو يعلم، بوعي او بالغريزة، بان هناك حجم اخر مضاد لخصومه سيشكل رصيداً له.. ولعل هذا هو سبب نجاحه في الانتخابات الرئاسية، واستمرار تأييد قطاع واسع من “المؤسسة” والجمهوريين له. وسيبدو لمريديه الرئيس الاقوى، والذي يتخذ قرارات عجز غيره عنها، حول المهاجرين، والمناخ، وتهديد روسيا والصين واوروبا وكوريا وايران.. ونقل السفارة الى القدس بعد 22 عاماً من قرار الكونغرس وتمنع الرؤساء السابقين. مواقف اربكت الجميع، ونظمت القوى الصلبة في معسكره، وهي قوى “امريكا اولاً” بكل ابعادها التاريخية والعرقية والاستعلائية والمفاهيمية. فما يحتاجه يعتمد على تأييد “المؤسسة” له وليس اي شيء اخر. ونتائج التصويت الكاسح في الكونغرس على قانون الضرائب دليل واضح.
الاعمى فقط من لا يرى، التراجع المتسارع لدور ومكانة امريكا.. فترامب يقول للعالم بان امريكا بكل جبروتها ومؤسساتها ورجالاتها وتاريخها وسياساتها كانت جاهلة، وانه الوحيد القادر على تعريفها بمصالحها. لذلك ستكون هناك حتماً نقطة توازن وترتد الامور. فالدولة العظمى ليست عظمى بالكلام والمواقف الانكفائية ولأن الرئيس يستطيع البقاء في موقعه.. 1- لانه لا يستقيل.. 2- ولا تسمح قاعدة الثلثين في الكونغرس ان تدينه.. 3- ويصعب استخدام التعديل الدستوري (25) حيث يعلن نائب الرئيس واغلبية من الحكومة عدم اهليته، وهي القنوات الثلاث المعروفة لازاحته، عدا قدرة الخالق سبحانه بالطبع. انها عظمى لانها مثلت الحلم الامريكي وحلم المهاجرين.. ومحور “الحكومة العالمية” بقدراتها الهائلة التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية والمؤسساتية.. وانها عندما تفقد ادوارها هذه، وتسعى لاقتصاد ملايين الدولارات بالتهديدات ومن هنا وهناك، فستفقد الامر على الصعيدين الداخلي والخارجي. فالرئيس يعتقد ان تصريحاته قادت الكوريين الشماليين لاعادة فتح القنوات مع الجنوبيين. وكلنا يعلم ان الشماليين انهوا تجاربهم الصاروخية والنووية ونفذوا تهديداتهم عملياً، واختاروا اللحظة المناسبة لفتح القنوات مع الجنوبيين.. والامر نفسه بالنسبة للصين وروسيا واوروبا، فهم ماضون في سياساتهم يزدادون قوة وانتشاراً بينما تزداد سياسات امريكا ارتباكاً.. وهو صحيح ايضاً بالنسبة لايران وسوريا وحزب الله، فهم اقوى واكثر تأثيراً اليوم عما كانوا عليه قبل مجيء الرئيس.. فالساحة الدولية تجاهر بمعارضتها لسياساته، وبضمنهم الاقرب كبريطانيا. وان عزلة امريكا في مجلس الامن والجمعية العمومية بملف القدس شاهد صارخ، على تفكك السياسات الامريكية، ومنها في الشرق الاوسط.
امريكا اليوم ليست كالأمس ليتصرف ترامب، كما تصرف “كندي” (رئاسته 1961-1963)، عندما هدد باستخدام النووي في ازمة الصواريخ الكوبية، ففُككت كوبا منصاتها، وتراجعت سفن “خروتشوف” عن تقدمها.. او كـ”ريغان” (1981-1989) عندما اعاد تنظيم البيت بعد هزيمة فيتنام، وتطويقه الاتحاد السوفياتي بحرب ناعمة قادت لانهيار السوفيات وجدار برلين والمعسكر الاشتراكي. امريكا اليوم لديها ازماتها المعقدة، وامامها دول صاعدة، ان لم تفقها بثرواتها وقدراتها التكنولوجية والعسكرية فهي ليست بعيدة عنها.
على طاولة الرئيس قراراً يجب ان يتخذه يوم الجمعة القادم، يتعلق بالملف النووي الايراني.. فاذا كان سيقرر الانسحاب، فان ذلك سيعني تخلي امريكا عن تعهداتها، وسيعتبر ثغرة ودليلاً ان ايران وفت بالتزاماتها مع الوكالة والمجتمع الدولي، وأخذت المبادرة.. وان قرر التسويف او الاستمرار فانه سيكون دليلاً، بان الرئيس يربك العالم ويتكلم ولا يفعل. فبعد المهاجرين والمناخ والصين وروسيا واروبا وسوريا وكوريا وفلسطين وايران فمن سيخاف بعد اليوم من امريكا؟. ومن سيحترم توقيعها وكلمتها؟
ليس مصادفة ان يصدر كتاب “النار والغضب” لميشيل وولف، والذي انتشر كالنار في الهشيم، ووزعت منه ملايين النسخ الورقية والالكترونية، وترجم خلال ساعات لمعظم اللغات، ومنها العربية.. والذي ينقل اجواء البيت الابيض والمقربين للرئيس عن عدم اهليته، وتعاملهم معه كولد صغير، يفكر بنفسه فقط، ويصفه بعضهم Rebel without a cause “متمرد بلا قضية”.