بسم الله الرحمن الرحيم
قطاع ذوي الدخل المحدود.. الطلب يحرك الانتاج (3)
يقسم الشعب، حسب خارطة وزارة التخطيط المنشورة قبل سنوات، الى 5 شرائح.. الطبقة الفقيرة ودخل فردها 1000 دولار سنوياً.. والغنية ودخل فردها 12000 دولار واكثر سنوياً.. و3 مستويات للطبقة الوسطى التي تقع بين الاثنين. ونسبة كل من الشرائح الخمس هو 20% من مجموع السكان.. لذلك نستطيع الكلام باطمئنان بان نسبة 70-80% من الشعب هم من اصحاب الدخل المحدود. الذين يتصرفون –حسب تقديرنا- بحوالي 70% من الدخل القومي، وهو احد الطرق الثلاث لقياس النشاط الاقتصادي (حسب الناتج، او المداخيل، او النفقات). اي انهم سيتصرفون تقريباً بحوالي 120 مليار دولار سنوياً، حسب احصاءات 2016 للدخل القومي او الناتج الوطني الاجمالي. انطلاقاً من هذه المقاربات التعميمية -التي ستصقلها اكثر الاحصاءات الدقيقة المفقودة للاسف الشديد- نستطيع الكلام ان ما يضخه اصحاب الدخل المحدود في الاسواق شهرياً هو حوالي 10 مليار دولار، او بحدود 12 ترليون دينار، تشكل “طلباً حقيقياً”، يمكن استثماره ليكون احدى أهم محركات دواليب الاقتصاد. طلب يغطى في جزءه الاعظم اليوم عن طريق الاستيرادات وكل ما يرافقها من تشوهات في السياسات المالية والنقدية والاقتصادية.
اشتهرت النظرية “الكينزية” بعد الازمة الاقتصادية الكبرى لعشرينات القرن الماضي، والحرب العالمية الثانية التي خربت الاقتصاد البريطاني. اتجهت النظريات الكلاسيكية اليسارية واليمينية باتجاه اولوية الانتاج المولد للارباح والاجور والريوع التي تولد الطلب العام والخاص. قلب “كينز” المعادلة.. واراد التحرك من الطلب لتحريك الانتاج الذي عطله الكساد والحرب. فدعى لسياسة انفاقية، وقال حتى لو اضطررنا لحفر الحفر ثم ردمها. المهم توليد “طلب فعال” يحفز الانتاج.. وهنا ستلعب عوامل “المضاعف” و”المسارع” بتوليد دورات مضاعفة، تمتص الحالة الوهمية او التضخمية التي ولدتها الدورة الاولى لتحوله الى طلب فعال وحقيقي اضافي. وهكذا استطاعت بريطانيا اعادة تشغيل طاقاتها العاطلة والعودة لمقدمة الاقتصاديات العالمية.. واصبحت النظرية الكينزية حسب كتابه عام 1936 “النظرية الاقتصادية، للعمالة والفائدة والنقود”، General Theory of Employment, Interest and Money او المعاصرة والمطورة من اهم علوم الاقتصاد.
12 ترليون دينار شهرياً، يمكن ان تساهم بتحريك النشاطات الاقتصادية والانتاج، وتشغيل عشرات الاف العاطلين والخريجيين والمعامل والمزارع والخبرات والمهن والمصالح التي عطلتها الحروب والفساد والهدر والسياسات الفاشلة.. مصالح لا تنقصها الخبرة ولا وسائل الانتاج، بل تنقصها محفزات بسيطة نسبياً للانطلاق، وسهولة للوصول للاسواق.. فجميع العوامل متوفرة وما يعطلها تشريعاتنا وثقافاتنا واخلاقياتنا وسياساتنا وكوابحنا، وغرقنا في الاتجاهات الخاطئة، ليس الا.
لست من انصار اية نظرية اقتصادية، فلكل نظرية ظروف نجاحها وفشلها حسب المكان والزمان.. البعض يذهب لحلول تنطلق من افتراضات أقرب للمستحيلة غائبة عن ارض الواقع، واخرون ينغلقون على نموذج واحد يؤمنون به ولا يرون غيره.. بالمقابل نرى ان ظروفنا الحالية تسمح بالمقاربة مع المثال “الكينزي” باستغلال “الانفاق التضخمي” والذي انتج قطاعاً واسعاً لذوي الدخل المحدود، والذي يقابله وجود طاقات بشرية وانتاجية وطبيعية عطلتها الحروب والسياسات الريعية الفاشلة، الخ. اي الانطلاق من ظروف الازمة والسعي لتحويلها الى حلول ونجاحات، دون تعطيل المسارات الاخرى. فنستطيع تحريك دولاب الانتاج والعمالة باستغلال “الطلب الفعال” المتوفر حقيقية وفعلاً بيد اصحاب الدخل المحدود، والذي تسمح شروطنا الاقتصادية والريعية -بتشوهاتها- للافتراض باستمراريته وثباته بالامد المنظور.. هذا من جهة ومن الاخرى، توفر الطاقات البشرية والانتاجية المعطلة. لذلك سخر كثيرون، عندما ساهمنا مع اخوة اخرين في محافظة ذي قار ووزارة النقل لتشغيل مطار مدني، بتشغيل بعض مرافق قاعدة الامام علي (ع) العسكرية.. اما المحصلة، فلقد شُغل المطار بكلفة استثمارية قيمتها (صفر تقريباً)، ويعمل اليوم بربحية مستفيداً من مداخيل اصحاب الدخل المحدود، بما يساعد على تدوير الاموال، وزيادة النشاطات، وتحريك طاقات انتاجية معطلة، وتوفير فرص عمل جديدة. وهناك امثلة لا تعد ولا تحصى شريطة نزع النظارات السوداء، وتحرير العقول من جمودها. (للبحث صلة)
عادل عبد المهدي