“مانيفستو 2017” وثيقة مهمة وجادة لشخصيات مرموقة ومحترمة. لاقت الوثيقة صدى طيباً واثارت التفاؤل. ولعل اهم دعم لها ولغيرها من مبادرات هو مناقشتها. ونقاشنا سيدور عما ورد في الصفحة 13: “ان يكون منصب رئيس الدولة منصباً منتخباً من الشعب بصورة مباشرة وبصلاحيات تنفيذية”.
بالطبع لا إشكال باجراء تغيير جذري للنظام، او اقتراح دستور جديد او تعديلات، لكننا لم نجد في “المانيفستو” ما يشير لتبني فلسفة معينة لنناقشها. وبدون معلومات اخرى سيعني هذا النص بمفرده تغييراً من نظام برلماني الى نظام رئاسي او مختلط. كاتبو “المانيفستو” يعرفون الدستور جيداً. حيث رئيس الدولة هو رئيس الجمهورية. لذلك نستبعد –وقد نكون مخطئين- ان يكون قصدهم رئيس مجلس الوزراء.. او ان يكون رئيس الدولة في اذهانهم كالرئيس الامريكي المنتخب من الشعب، فهو محور السلطة التنفيذية الاتحادية، ولديه صلاحيات تشريعية. وهذا كله يتطلب التوضيح.
سواء اكان المقصود هو رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء، او الانتقال لانظمة اخرى، فان الواضح ان هموم كاتبي “المانيفستو” تتمحور حول منح الدولة قوة ووحدة القرار. وهذا امر مشروع وجدي، ويمثل اشكالية لاهم عامل من عوامل عطل وارتباك السلطات في البلاد. لكن هذه نتيجة قبل ان تكون سبباً بذاتها.
ما لم تتموضع الطبيعة التعددية للشعب بشكل صحيح وفاعل، فان اي بناء اخر سينهار، وسنذهب لخيار علني او مبطن للقمع، وفرض الامر الواقع، او للتقسيم الواقعي او السيادي، او لنظام يعطل بعضه بعضاً، او خليطاً لذلك كله. و”المانفستو” يتفق في “التحدي الاول” مع هذه الحقيقة، ويقول باولوية “تحديد نوع الدولة والامة”، لكنه لا يفصّل في ذلك، بل يتبنى بعض المبادىء التي لا تختلف كثيراً عما اورده الدستور الحالي كثيراً، داعياً الجميع ان يكون “ولاءهم الاخير لهذه الدولة”. ونرى ان المدخل لموضعة المكونات في الاطار الاتحادي هو تفعيل القواسم المشتركة والمنافع المتبادلة، والاعتراف بالتمايزات ودفع الاضرار المتقابلة. فهي التي يمكن ان توحد وتجمع الجميع.. والقواسم والمنافع والتمايزات والاضرار معروفة بكافة ابعادها ومستوياتها. وعند تعريفها وتفعيلها، وعلى ضوئها، تتحدد طبيعة النظام.
للوصول الى “المواطنة” التي لا تمييز او اكراه فيها، يجب ان تشعر المكونات –فعلاً وليس افتراضاً- ان حقائقهم السكانية والجغرافية والحقوقية مضمونة، كل من زاويته، وبكل ابعادها واوزانها وفي مواقعها.. وبأن حقوق وثروات البلاد ليست حكراً لاحد.. وان الهويات المختلفة الدينية والمذهبية والوطنية والقومية والعلاقات بالجوار ليست معوقات لحقوق الاخرين بل قوة لهم وللوطن وللجميع. فهذه القضايا وغيرها بُحثت عند اعداد دستور 2005. وتقرر يومها ان النظام البرلماني هو الممكن والانسب. فرأس واحد له صلاحيات واسعة يحتاج لصلاحيات واسعة مقابلة للاخرين، والا سيجد اعتراضاً بل ومقاطعة قد يعيد تعطيل الدولة بشكل اخر، مما يحجز الامور ابتداءاً.. بينما يستطيع البرلمان ان يمثل الجميع باوزانهم وان يجمع التنوعات.. التي ستتحول فعلاً الى عقبات ومعرقلات، ان لم تستكمل مؤسسات النظام البرلماني واللامركزي والفيدرالي مبانيها الحقيقية في تشريع القوانين التي طالب بها الدستور. وعندما لم تنجز تم إشغال الفراغ بـ1-التشريعات التعسفية المركزية السابقة او ما هو على نمطها.. 2- التفسيرات والتطبيقات المجتزأة للدستور.. 3- سياسات موازين القوة وفرض الامر الواقع، او خليطاً من ذلك كله. فالمشكلة ليست بالمبادىء فقط، بل بالتطبيقات ايضاً. فالدستور والنظام الناجح، برلمانياً، رئاسياً او خليطاً يجب في النهاية ان يكون استجابة لوقائع راسخة ولتحقيق اهداف محددة.. ولن يكون فاعلاً ومنتجاً –في حالتنا- الا في اطار مفهوم وحدة المتضادات وليس نفيها او تجاهل رؤيتها. وواعية كلمة “المانيفستو” عن الدستور بـ”انه يتضمن مبادىء جديرة بالاعجاب تضمن الحقوق والحريات الفردية والاجتماعية، الا انه لم يمثل (الاتفاق العظيم) بين المكونات..”. ونعتقد اننا فعلاً بحاجة “لاتفاق عظيم” للمشتركات والقواسم والتمايزات، ليموضع كل امر في مكانه ويضع السياقات المرضية لاحترام تنفيذها.