وصلتني من الاخ الدكتور لؤي الخطيب وثيقة “المانيفستو”. وهو مكون من 21 صفحة تذكر ان الدكتور علي علاوي قد عمل عليها مدة 3 سنوات بالتشاور مع الدكتورين عباس كاظم، ولؤي الخطيب. والاخوة الثلاثة من المفكرين المعروفين والاساتذة المرموقين. فالبلاد في مفارق طرق، وبدون تلمس ملامح التجربة الماضية وما لها وما عليها، والاستناد الى رؤى واضحة وواعية للمستقبل فسنكون، كمن يقف على غصن يسعى لقطعه، او كمن تعلم كيف يقلع بالطائرة لكنه لا يعرف كيف يحط بها. وما بين هلالين نصوص من “المانيفستو”.
اعتدنا قبل 2003 ان نسمع البيان رقم (1)، ايذاناً بانتهاء عهد عسكري مدان ومجيء عهد جديد يدعي انه سيحقق طموحات الشعب. وبعد 2003 صار الطرح عبر وعود انتخابية ومناهج حكومية لا تستند لفلسفة موحدة ومنهج متكامل. اما ما يطرحه “مانيفستو” 2017 فهو شكل قديم/جديد للطرح.. فهو يقيّم الممارسات والسياسات قبل وبعد 2003 وينتقدها، ويسعى لعرض التحديات ورسم خارطة الطريق، رافضاً مناهج العنف لأن “ثمن العنف هو المزيد من العنف”، تاركاً كل شيء للرأي العام و”النقد والتقويم”، لتشكيل نظام صالح والسير قدماً “نحو صنع عقد وطني جديد”. ولعل هذا هو السبب لاختيار تعبير “المانيفستو” كلحظة فاصلة او وثيقة كـ(منافيست البضائع) جامعة، واضحة، لتوضيح الازمة ومسارات حلها وبناء الوعي الاجتماعي المطلوب.
ظهرت في التاريخ اشكال متعددة من “المانيفستو”.. ومن جملتها في المجال السياسي: مانيفستو بغداد 1011 للخليفة القادر للتوقيع عليه ضد الفاطميين والاسماعيلية.. اعلان حقوق الانسان والمواطنين للثورة الفرنسية 1789.. المانيفستو الشيوعي 1848 لماركس وانجلز.. مانيفستو اكتوبر في 1905 من قبل نيقولا الثاني لمواجهة الثورة الروسية.. مانيفستو 1890 و1904 ضد تعدد زوجات طائفة المرمون في امريكا.. المانيفستو الفاشي 1919.. المانيفستو الانساني الاول والثاني والثالث، 1933، 1973، 2003.. مانيفستو فينتوتين في 1941 والذي يراه كثيرون كنواة الوحدة الاوروبية.. مانيفستو راسل-انشتاين ضد الاسلحة والحرب النووية 1955.. مانيفستو 121 ضد الحرب الجزائرية 1960، وهلمجراً.
يتكون (مانيفستو كانون الاول 2017) من تمهيد وتوصيف سريع للواقع وتقديم رؤية للسنوات العشر القادمة.. وخطة للاحياء الوطني، تبدأ بالفرد والاسرة والمجتمع والسعي لتحقيق السلام وسلطة القانون. يحدد “المانيفستو” 20 تحدياً و4 مجاميع اهداف واستراتيجيات حتى 2028 لتحديد هوية الامة والدولة والمجتمع والجماعات، وفي القضايا المؤسساتية والسياسية ونظام الحكم والامن والقضاء والتعليم واللامركزية والفيدرالية وكثير غيرها. ففي المجال الاقتصادي مثلاً يرى “المانيفستو”، ان الاستراتيجيات المقترحة يمكنها تحقيق 500 مليار دولار كدخل قومي سنوي في 2028.. وتخفيض النمو السكاني الى 2% سنوياً.. ونمو الاقتصاد بمعدل 8% سنوياً لتصبح نسبة القطاع غير النفطي 60% والقطاع الخاص 65%.. وانتاج 10 مليون/برميل/نفط/يوم.. و8 مليار/قدم/مكعب/غاز/يوم.. و1.5 مليون من المشتقات النفطية يومياً.. و40 غيغاواط كهرباء.. ومليوني طن من البتروكيمياويات، ونسبة تضخم 3% سنوياً. اضافة لاهداف تعليمية وزراعية وصناعية وسكنية ومصرفية وضريبية ومناطقية.. وجعل مرتبة العراق بين افضل 30 دولة في الشفافية، بملاحقة مرتكبي الفساد منذ العام 2003.. كذلك تعزيز السيادة الوطنية والامن الوطني.. وازالة النفوذ الاجنبي..وقيام تحالف اقليمي ضد الارهاب.. وبناء قيادة مؤسساتية وليس قيادة سياسية فقط.. فـ”النظام السياسي.. بعد 2003 هو نظام مهتم بخدمة ذاته وحلقة ضيقة من المصالح”.. و”ان الطريق البرلماني لاحداث التغيير قد اصبح مليئاً بالعراقيل، والحركات الاصلاحية داخل البرلمان لم تستطع ان تنجز شيئاً يستحق الذكر، ولم يظهر، ولن يظهر، قادة من داخل الهيكل السياسي الحالي يمكنهم ان ينهضوا بمسؤوليات المسيرة الاصلاحية”.
هذه الافتتاحية ليست تلخيصاً لعمل يضم الكثير من المفاهيم القيمة التي يغدرها اي نوع من انواع التلخيص والاجتزاء. وهي ليست تأييداً او رفضاً لمباني واستراتيجيات واهداف “المانيفستو”، فالامر يحتاج لنقاشات اعمق. كلامنا هو للفت الانتباه لوثيقة مهمة، ولجهد جاد وصريح، سيسهم ولاشك ببناء وعي يستطيع ان يحمل مرحلة الاصلاح والانطلاق.