نشرت الفايننشيل تايمز تقريراً يوم امس (الاثنين) يقول ان حوالي 1.5 ترليون دولار من الاستثمارات العالمية في النفط التقليدي وغير التقليدي، بما في ذلك استثمارات في النفط الصخري في قلب المناطق البترولية في امريكا الشمالية قد استنفدت اموالها بسبب هبوط اسعار النفط اقل من 50 دولاراً للبرميل.
فلقد اشارت مؤسسة “وود ماكينزي” الاستشارية المتخصصة للطاقة عن توقع هبوط الاستثمارات بمعدل 20-30%.. وتقدر بان 220 مليار دولار قد خرجت من الاستثمارات.. وهذا اكثر بمعدل 10%، اي حوالي 20 مليار دولار مما كان يتوقع حصوله خلال الشهرين الماضيين. وان معظم هذه المشاريع قد تم تجميدها وتأجيلها.
كان سعر النفط قد تحسن بعض الشيء مؤخراً، وعبر “برنت” الـ50 دولاراً/برميل، مع ترقبات بان “الفيدرالي الامريكي” سيرفع من سعر الفائدة، لكن الاسعار عادت وانخفضت دون الخمسين مع اعلان رئيسة البنك، السيدة”جانيت يلين” الجمعة الماضية في مؤتمرها الصحفي “بان الاوضاع الخارجية تتطلب مراقبة دقيقة”، لكنها اضافت بان البنك الفيدرالي “لم يغير من اساس نظرته”.. والمعلوم ان “البنك الفيدرالي (المركزي)” الامريكي تبنى منذ ست سنوات معدلات فائدة على القروض الفيدرالية هي الاكثر انخفاضاً تاريخياً، لتتراوح بين “صفر” و”0.25%”، مما وفر اموالاً سهلة في الولايات المتحدة وقلقاً عالمياً متزايداً، بل ايضاً قلقاً امريكياً بسبب ظهور مؤشرات تضخمية في الاقتصاد الامريكي، وهو ما جعل المراقبين يتفاءلون باحتمال رفع معدل الفائدة لمواجهة هذه الاحتمالات.
سيبقى سعر النفط متذبذباً ومنخفضاً ما لم نر بعض هذه الاجراءات او كلها، وهي زيادة سعر الفائدة الامريكية، اومؤشرات نمو عالمية خصوصاً في الصين واسيا وهي من المستهلكين الكبار للنفط، او تخفيض العرض العالمي للنفط، يأتي اما من “اوبك” او من خارجها او كليهما. فانخفاض اسعار النفط الحالي هو مؤشر عن تحولات بنيوية وتاريخية كبرى،سترسم المعالم القادمة لهذه الصناعة، وصراعاً علنياً وخفياً بين مصادر الطاقة التقليدية وغير التقليدية.. وبين سلسلة من الاهداف السياسية والاقتصادية الكبرى،التي يسعى كل منها لاحتلال افضل مساحة له في عالم الطاقة المستقبلي.
انخفض عدد الحفارات في الولايات المتحدة للاسبوع الثالث على التوالي، واصبحت بعض الاستثمارات غير مجدية مع انخفاض اسعار النفط، وبالفعل تشير الاحصاءات عن تراجع معدل الانتاج مقارنة بالفصل الثاني بمعدل 250 الف برميل/يوم.. كذلك في المملكة العربية السعودية، فانها شهدت في حزيران الماضي اعلى خزين لها، والذي بلغ 320 مليون برميل، بعد ان شهدت تراجعاً في صادراتها للشهر الرابع على التوالي، لتصل الى 7.28 مليون برميل/يوم، بعد ان سجلت الصادرات 7.9 مليون برميل/يوم في آذار الماضي.
ستستمر هذه التدافعات والعوامل الموضوعية والمالية والتضاربية والسياسية والتكنولوجية والبيئوية ومصادر الطاقة البديلة وغيرها، مع قناعتنا بان العوامل الاقتصادية الضاغطة ستبقى هي الاقوى في نهاية المطاف، لتحديد مسارات المستقبل القريب والمتوسط.