د.رحيم هادي الشمخي
بيض صنائعنا سود مآقينا
خضر مرابعنا حمرٌ مواضينا
لقد انطلق الشاعر العربي العراقي والمولود في مدينة بابل (الحلة) عام 677ه- 752م في قصيدته العصماء التي مطلعها:
سل الرماح العوالي عن معالينا
واستشهد البيض هل خاب الرجا فينا
أنا لقوم أبت أخلاقنا شرفاً
أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
بيضٌ صنائعنا سودٌ وقائعنا
خضرٌ مرابعنا حمرٌ مواضينا
وهنا ذهب الشاعر الحلي في البحث عن صفات العرب وكرمهم وشجاعتهم وفخراً واعتزازاً بهذه الأمة التي أنجبت العظام وفي مقدمتهم الرسول الأكرم محمد بن عبد الله (ص)، والهدف من هذه القراءة هو: لماذا استخدم الألوان الأربعة في قوله (بيض صنائعنا)، والصنعية هي الإحسان والخير, انطلاقاً من مبدأ ثابت هو أن العرب كرماء منذ فجر السلالات وإحسانهم لغيرهم، بياض لا تعيبه شائبة، أما اللون الأسود الذي ذكره الشاعر العراقي الحلي (سود وقائعنا)، والوقيعة هي يوم الحرب، كناية عن شدّة بطشهم بعدوّهم والأهوال التي يلاقيها أعداؤهم عند نشوب الحرب بينهم، أما اللون الأخضر في قوله (خضر مرابعنا)، والمرابع هي أماكن الرعي المأكل والمشرب ويقصد بها سعة الحال وخيرات الوطن العربي ووفرة المياه وكثرة خيراتهم وجودة أراضيهم، أما في قوله (حمر مواضينا)، والمواضي هي السيوف، أي إنه من شدّه الضرب والقتال، فالسيف يقطر دماً من رقاب الأعداء من شدة القوة والشجاعة.
أما الهدف الثاني من هذا البيت الشعري للشاعر صفي الدين الحلي، فهو ما ذهب إليه العرب من اختيار راياتهم التي جسّدت من خلال بيارق العرب في القتال، وأصبح لكل قبيلة لون من هذه الألوان يكون بيرقها، وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى واتفاقية (سايكس بيكو) 1916 وتقسيم الوطن العربي إلى دويلات أصبحت الألوان هي أعلام ترمز للدول، ولو دققنا في كل أعلام وألوان الوطن العربي، فلن نجد إلا هذه الألوان، وقد يُضاف لها الهلال أو النجمة أو كلاهما معاً، أو إضافة لفظ الجلالة، ومنذ ذلك الوقت أصبح بيت الشاعر الحلي دلالة متميزة عن الألوان وخاصة البيارق، بل تعدى ذلك أن الوحدات العسكرية التزمت بالألوان لكل وحدة، والتاريخ أمامك يشهد بذلك وبقوة العرب وشجاعتهم، وقد استطرد الشاعر في القصيدة نفسها ببيت آخر هو.
لا يظهر العجز منا دون نيل منى
ولو رأينا المنايا في أمانينا