سلط السيد عادل عبد المهدي وزير النفط الاضواء على ازمة النفط العالمية وتاثر الدول المصدرة ومنها العراق لتلك الازمة الحادة وبين السيد وزير النفط في كلمة له في المنتدى الاستراتيجي للطاقة الذي عقد في الكويت مؤخرا الاسباب و النتائج المتوقعة لتلك الازمة وسبل مواجهتها وفيما يلي نص كلمة لسيد عدل عبد المهدي وزير النفط
بسم الله الرحمن الرحيم
معالي الوزير انس السهيل المحترم
أصحاب السعادة.. سيداتي وسادتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دعوني اولاً ان أتقدم بجزيل الشكر لدولة الكويت اميراً وحكومة وشعباً، لاستضافة هذه الندوة، وبحضور هذه النخبة من المسؤولين والمختصين. واوجه شكراً خاصاً لمنظمي الندوة للجهود التي بذلت لانجاح هذه الندوة، وعلى حسن الاستقبال والضيافة.
حضرنا بداية عام 2015 مثل هذه الندوة في الكويت ايضاً.. وكانت أسعار برنت انذاك في منتصف الاربعينات دولاراً للبرميل.. ويومها قلنا ان الأسعار وصلت الى القاع.. وقدمنا تحليلاً وحججاً انها سترتفع قريباً.. وبالفعل ارتفعت أسعار النفط وبلغت في حزيران اكثر من 60 دولاراً، واصبحنا على قناعة وقتها ان القاع هو بحدود 40 دولاراً.. ولكن سرعان ما تبين ان الأوضاع اكثر تعقيداً مما تصورنا.. اذ اعتقدنا ان المنتجين الهامشيين سيخرجون بسرعة من الأسواق، كما تصورنا ان معدلات النمو العالمي وخصوصاً في الصين ستعود للارتفاع.. وان زيادة الطلب ستمتص الكثير من الخزين العالمي الذي وصل الى أقصاه.
ما حصل ان انخفضت الأسعار دون 40 دولاراً، ثم 30 دولاراً للبرميل.. بل هبطت الى 27 دولاراً، خلال الاسبوع الماضي.. وهي وان تحسنت قليلاً لكنها متذبذبة بشدة ويصعب التكهن بما ستؤول اليه.. فهل هناك قاع لاسعار النفط؟.. وما هو مستقبل الأسعار؟ وما هو دور أوبك؟ وما هي اوضاعنا في العراق إزاء هذه الازمة.
بالتأكيد هناك قاع لمستوى الأسعار.. فالنفط سلعة، بل سلعة استراتيجية وحاجة عالمية الان ولوقت غير قصير قادم.. لكن ما هو هذا القاع؟ وكم ستقاوم النفوط العالية الكلفة قبل ان تخرج من الاسواق لتصحح العرض، بالمقابل كم ستقاوم اقتصاديات الدول المنتجة خصوصاً دول “أوبك” ذات الاقتصاديات الاحادية السلعة والتي تعتمد في معظم مواردها على النفط؟
أرى اننا امام احتمالين أساسيين..
الأول ان يستمر التحدي.. فيستمر كثير من المنتجين الذين باتت كلف انتاجهم التشغيلية اعلى من مستوى الأسعار، أي البيع بخسارة، وهو حال الكثير من منتجي النفط الصخري. فباتوا ينتجون اعتماداً على التسهيلات المصرفية السهلة.. او على استثمارات جارية سبق وان تم تغطية تكاليفها.. والامر نفسه بالنسبة للإنتاج التقليدي لدول كثيرة باتت كلفها التشغيلية، ناهيك عن الاجمالية، اعلى من أسعار النفط الحالية. فلقد نشرت (CNN-Money) جدولاً لاكبر 20 دولة منتجة، بتجميع بيانات لاكثر من 15 الف حقل في تلك الدول، واحتساب الكلف التشغيلية والرأسمالية.. الكلف الرأسمالية شملت تكاليف بناء المنشآت النفطية.. وخطوط انابيب النقل وتكاليف الابار الجديدة، بينما شملت التكاليف التشغيلية تكاليف استخراج النفط واجور العاملين والتكاليف الإدارية. ومن جدول طويل نرى ان الكلفة التشغيلية المتوسطة لانتاج برميل واحد هي 30.72 دولاراً للبرميل، والكلفة الكلية 52.5 دولاراً للبرميل.. والكلفة الكلية في البرازيل 31.50 دولار، والكلفة الكلية 48.80 دولارا.. وتبلغ الكلفة الكلية في كندا (41 دولاراً) والولايات المتحدة (36.20) والنرويج (36.10) وانغولا (35.40) وكولومبيا (35.30) او نيجريا (31.60) كامثلة. صحيح ان الكلف الرأسمالية هي كلف دفترية يمكن ترحيلها والاستمرار بالانتاج وتحقيق ارباح هامشية، لكن الأسعار الواطئة تحت 30 دولاراً للبرميل ستضغط بشدة على الدول والشركات واستثماراتها مما يشكل بمجمله عاملاً مهماً لانخفاض الإنتاج والتأثير مباشرة على العرض.
والثاني ان تستمر أوبك في الدفاع عن حصتها في السوق وتستمر بمعدلات انتاجها الحالية والتي ستزداد بمئات الاف البراميل بعد عودة ايران للسوق النفطية.. خصوصاً وان 8 من دولها الـ13 تقل تكاليف انتاج البرميل التشغيلية والاستثمارية عن 30 دولاراً.. فهي في الكويت (8.50) والسعودية (9.90) والعراق (10.70) والامارات (12.30) ايران (12.60) الجزائر (20.40) فنزويلا (23.50) ليبيا (23.80).. اما عند الحديث عن الكلف التشغيلية فهي واطئة.. فهي 4.80 دولاراً في الكويت.. و5.10 في العراق.. و5.40 في السعودية، 5.70 في كل من الامارات وايران، اي انها تستطيع ان تقاوم وتحقق بعض الارباح حتى وان هبط سعر النفط الى اقل من 10 دولا.. لكن، هذه الدول جميعها، او اغلبها، تواجه بالمقابل ضغوطاً وعجزاً مالياً متزايداً.
الجدول ادناه يبين صعوبات الموازنات والعجز للعديد من دول اوبك/ احصاءات صندوق النقد الدولي
Spare capacity (%unused) Million barrels per day/Production Fiscal deficit (%GDp) Fiscal Break-even point $ country
2.63% 1.11 -13.90% 96.10 Algeria
2.22% 1.79 -3.50% 110.00 Angola
5.26% 0.53 -5.10% n/a Ecuador
20.83% 2.88 -2.90% 87.20 Iran
6.94% 4.2 -23.10% 81.00 Iraq
1.42% 2.73 1.20% 49.10 Kuwait
20.00% 0.43 -79.10% 269.00 Libya
6.77% 1.9 -2.80% 122.70 Nigeria
5.71% 0.67 4.50% 55.50 Qatar
17.13% 10.25 -21.60% 105.00 Saudi Arabia
2.04% 2.89 -5.50% 72.60 UAE
3.21% 2.38 -24.40% 117.50 Venezuela
ايها السيدات والسادة
في حالة استمرار هذين العاملين وعدم اندلاع توترات كما حصل بين ايران والسعودية وارتفعت الاسعار لعدة ايام.. او ظهور مؤشرات لتقدم معدلات النمو عالمياً وخصوصاً في البلدان العالية الاستهلاك كالصين لاعادة التوازن او بعض التوازن لاسعار النفط، فان تعريف القاع سيصبح امراً صعباً للغاية.
لذلك، اذا ما طال الانخفاض واستمرت الازمة لفترة طويلة، وتراجعت الاستثمارات النفطية بشكل واسع، فان عودة الاسعار للارتفاع قد تكون قاسية ومفاجئة ايضاً.. وسينقلب السوق من سوق مشترين الى سوق بائعين.. ومن فائض عرض الى زيادة طلب.. فالاستثمارات لكي تعود لطبيعتها قد تحتاج لاكثر من 5 سنوات، وسنشهد ازمة ارتفاع كما نشهد اليوم ازمة انخفاض.
اما اذا قادت الأسعار المفرطة الانخفاض اليوم الى خروج منتجين، وبدأت معدلات الإنتاج بالانحسار تدريجياً، وهناك بعض المؤشرات لكنها ما زالت غير حاسمة.. واذا ما لبت دول “أوبك” الدعوة التي وجهتها فنزويلا لاجتماع طارئ يعقد في شباط او اذار المقبل.. يعلن فيه سقف جديد للإنتاج منفردة او بالاتفاق مع دول من خارج أوبك خصوصاً روسيا التي تراجع ناتجها الوطني الاجمالي 3.7%.. والولايات المتحدة التي بدأت تظهر عليها اثار انخفاض أسعار النفط، واذا ما ازداد الطلب على النفط بسبب موجات البرد او تحسن معدلات النمو، فاننا قد نشهد عودة لتحسن الأسعار لتعبر حاجز الـ50 دولاراً للبرميل في النصف الثاني من 2016، او تحسناً ملموساً في بدايات 2017.
أيها السيدات والسادة
كانت تقديراتنا –في العراق- من اجل الموازنة دولاراً للبرميل.. وتقديراتنا لمستوى الصادرات هو 3.6 مليون برميل/يوم.. تأتي 3.050 مليون برميل من الحقول الوسطى والجنوبية.. و550 الف برميل/يوم من كركوك ومنطقة كردستان.
الإقليم لا يسلم الحكومة اية صادرات منذ عدة اشهر، رغم ان الإقليم يصدر كميات من النفط وصل معدلها اليومي خلال الأسابيع الأولى من كانون الثاني الجاري حوالي 600 الف برميل.. اما بقية الحقول الوسطى والجنوبية فان معدل صادراتها منذ بداية السنة الجارية وحتى يوم 24 كانون الثاني هو حوالي 3.350 مليون برميل/يوم. أي لدينا زيادة مهمة في حجم الإنتاج والصادرات عن تقديرات الموازنة.. لكن هذه الزيادة لا تعوض، فارق الأسعار بسبب الهبوط. وهو ما سيقود الى ضغط متزايد على موازنة الدولة وزيادة العجز فيها.
لذلك اتخذنا سلسلة إجراءات احترازية لتخفيض النفقات سواء بالنسبة للتكاليف البترولية او لتكاليف الموازنة والانفاق عموماً.. تجاوزنا ازمة 2015.. ورغم صعوبة الوضع لكننا نعتقد بان لدينا من السيولة والاحتياطات المالية والموجودات بما يسمح لنا بتجاوز هذه الازمة ايضاً انتظاراً لتحسن الأوضاع وعودة الأسعار الى معدلات مقبولة في مصلحة المنتجين والمستهلكين.. وبما يدفع عن الأسواق التقلبات المفاجئة والحادة سواء هبوطاً او ارتفاعاً.. ويساهم في انطلاق معدلات النمو العالمي التي من مصلحة الجميع تحقيقها.
ايها السيدات والسادة
في الختام.. ان تقدير سعر القاع، ومتى يمكن للأسواق ان تصحح مساراتها لنعود الى أسعار اكثر معقولية واستقرار نقول: اننا امام تيارين.. الأول تمثله الدول المنتجة الغنية المتنوعة الاقتصاد التي يرتفع سعر كلفة البرميل عن سعر القاع.. أي السعر الذي تبيع فيه بخسارة او تضطر فيه لتقليص انتاجها واستثماراتها.. فكلفة النفط تدفعها نحو الاستسلام، بينما اقتصادياتها القوية واعتمادها التكنلوجيا المتطورة تدفعها للمقاومة.. والثاني تمثله الدول المنتجة الأحادية الاقتصاد، الهشة في موازناتها ومواردها المالية.. التي تدفع كلف انتاجها الواطئة نحو الاستمرار والمقاومة، بينما عدم تنوع اقتصادياتها وازماتها المالية وتعرض موازناتها لعجز شديد تدفعها للاستسلام. فهل سيفرض احدهما واقعه على الاخر.. ام سيلتقي التياران في منتصف الطريق..
شكراً على حسن الاستماع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.