Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

الاستثمار مفهوم مشوه لدينا.. المواصلات مثالاً

الافتتاحية - عادل عبد المهدي - 0:33 - 23/01/2017 - عدد القراء : 1837

في 2004 ترأست مفاوضات عودة العراق لصندوق النقد الدولي. كان الاجتماع في “الامارات” وكانت فرصة للقاء الجالية ومعظمهم رجال اعمال ناجحين ومحترمين. لم اكن اعرف الاخ “جوزيف حنا الشيخ”، الذي عرض مشروع ميناء العراق الكبير، الهادف لانشاء شبه جزيرة بمساحة لا تقل عن 300 كم2، تمتد في المياه الاقليمية العميقة ما لا يقل عن 30 كم، بما يسمح بدخول سفن غاطسها 22 متراً في ميناء مخصص للسلع التجارية، وشحنات النفط، واحواض لتصليح السفن بعيداً عن امواج البحر وسوء الانواء الجوية وتعذر تصدير النفط او تفريغ البضائع، التي تكلف العراق سنوياً مئات ملايين الدولارات.. وكذلك اسواق حرة وصناعات وسكك حديد وفنادق ومنشآت رياضية التي تستخدم عشرات الاف العمال. كنت يومها وزيراً للمالية وتم عرض المشروع في مجلس الوزراء واللجنة الاقتصادية برئاسة الاستاذ برهم صالح نائب رئيس الوزراء، وصدر بيان يرحب بالمشروع. ابدى مصرف الاستثمار المشهور “لازار Lazard” استعداداً اولياً لتمويل المشروع، المقدرة كلفته، بحوالي 12 مليار دولار، كما اتذكر، تسدد من اجور نقل النفط. لم ينفذ المشروع، وانتقل الاهتمام لمشروع مهم، لكنه اصغر واقل طموحاً، وهو ميناء الفاو الكبير في راس البيشة. وضع حجر الاساس في 2010 بكلفة 4.6 مليار يورو، والذي تلكأ بدوره بسبب الازمة المالية.. واعلن مؤخراً انه سيتم اللجوء للاستثمار لانجاز كاسر الامواج.

هذه بعض الاشارات التي تفسر العجز وتلكوء هذه المشاريع وغيرها:

  1. حالما يتقدم مستثمر بمشروع، تنبري الادارات لتوضح انه اجدى واربح ان تنجز الوزارة هذه المشاريع، خصوصاً مع توفر الاموال السهلة المتأتية من النفط. فيتحول الامر من استثمار الى مقاولة.
  2. تبدأ العروض، وتنقسم الادارات بين مؤيد ومعارض للمشروع.. ولا شك ان المصالح الخاصة ستبدأ بلعب دور في الترويج او التسقيط، ويستقر الامر في النهاية على احدهم بعد مساومات مزعجة.
  3. ستلعب البيروقراطية وتعدد السلطات ومراكز القرار والفساد، ودخول غير المؤهلين من المتعاقدين، دوراً مهماً في التأخير وسلسلة من الانحرافات.. بدءاً من تخصيص المبالغ اللازمة، الى فقرات المشروع، وتعقيداته ورشاويه.
  4. يحصل ان يتغير الوزير، فتتغير التوجهات، وتتحرك مصالح مضادة تعطل المشروع.. او تحصل ازمة مالية تمنع التمويل وسداد السلف.. او يتخلف المقاول عن الايفاء بالتزاماته، مما يفسر كثرة التوقيع بالاحرف الاولى والوعود و”احجار الاساس”، تقابلها قلة المشاريع المنجزة، وكثرة الدعاوى والدعاوى المضادة.
  5. بسقوط مرتكزات النظام القمعي (العصا كثيراً والجزر قليلاً)، فقدت الدولة الريعية المحتكرة ديناميكيتها، الآمرة، السريعة، والحاسمة. فلم يعد لدينا فلسفة موحدة ومركز قرار واحد، بل توجهات مختلفة، وجهات رقابية متعددة، وتضارب بين السلطات والادارات والارادات، المعطلة لبعضها. لهذا تعجز مؤسسات الدولة عموماً عن تحقيق مشاريع ناجزة. ومع اعتماد الاستثمار والقطاع الخاص على اموال الدولة، وأليات عملها المتضاربة المتناقضة، تتلكأ الاعمال. وحسب مسح وزارة التخطيط، تراكم حوالي 9000 مشروع غير منجز، تتجاوز كلفها 300 مليار دولار.
  6. نتكلم كثيراً عن الاستثمار، لكن ليس لدينا ثقافته ومفاهيمه وتطبيقاته. فما نقوم به هو مجرد مقاولات لمشاريع تمولها الدولة، اي “الكلفة زائداً الربح” Cost Plus. فلم نؤسس لمفهوم الاستثمار جدياً، وان “عقود التراخيص النفطية”، و”الدفع بالاجل” ليست استثناءاً، بل تأكيداً اضافياً.
  7. الاستثمار المطلوب لانطلاق البلاد (خارج مشاريع الدولة والمنح الخارجية) هو تهيئة كامل البيئة الاستثمارية الحامية والمحفزة، ليجد المستثمرون المؤهلون انهم يستطيعون استرداد نفقاتهم وارباحهم المناسبة، من مردودات مشاريعهم. والامثلة قليلة، ولعل اهمها، دون ذكر المشاكل والتحفظات، “الجوال”، و”غاز البصرة”، وقس على ذلك.
  8. يمكن للاستثمار في الموانىء والمطارات والسكك الحديدية والطرق البرية، ان يغري المستثمرين عند حمايتهم، ويحقق للبلاد فوائد عظيمة. فالمستثمر سيسترد نفقاته وارباحه من اجور النقل لفترة محسوبة.. كما تشكل المواصلات ركيزة لاستكمال البنية التحتية، فيسهل انتقال الاشخاص والبضائع، وتتوحد الاسواق وتتوسع، وتنمو القطاعات الحقيقية، وتشجع تجارة الترانزيت والسياحة والزيارات الدينية، فيزداد الناتج الوطني وفرص العمل.

عادل عبد المهدي

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

ملحق العدالة

Capture

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
17°
16°
Fri
16°
Sat
الافتتاحية