Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

الاستقالة.. هروب ام منهج وثقافة؟

الافتتاحية - عادل عبد المهدي - 0:37 - 26/04/2016 - عدد القراء : 3167

اتلقى الكثير من الرسائل، وتثار في الكثير من الجلسات، ويفتح معي بعض القادة والمسؤولين -الذين اجلهم واحترمهم- نقاشاً يدور حول اللجوء للاستقالة.. ويقولون انه لضعف لدى المتصدي والسياسي التخلي عن موقعه واللجوء الى الاستقالة تحت ضغط الظروف.. فواجب المتصدي الصمود ورفض الضغوطات واثبات انه على حق، والى نهاية المطاف.
الاستقالة هي احدى ادوات العمل السياسي الاساسية لتقويم المناهج. وهي حوار ونقاش جاد، عندما تستنفد الحجة والبرهان كل مساحاتها ووسائلها في اقناع الاخر -او الشريك- بوجهة النظر المطروحة. فالنقاش عندما يجري مرة ومرتين وعشرات المرات ويستنفد ويصل الى طريق مسدود، قد يصبح اذاه اكثر من فائدته، وقد يصبح عراكاً،خفياً او معلناً،وتعطيلاً في مواقع يجب ان لا تعطل. هنا لابد ان يترك الامر لمن يمتلك رقبة القرار حقيقة، ليتسنى تطبيق خططه ورؤاه، فيترك المعترض، موقعه بمحض ارادته، بعد يأسه من ايقاف المسارات الخاطئة، او الاخذ بوجهة نظره،ليترك للواقع ومجريات الامور تحديد ما هو صحيح او خاطىء. فالموقع هو مجرد وسيلة لتحقيق غايات.. وهو ليس غنماً بل هو عبء عند النجاح وعند الفشل.. فعند النجاح ستزداد الاعباء والمسؤوليات.. وعند الفشل ستزداد المحاسبات والمصاعب.
قدمت استقالات عديدة وانا في مواقع المسؤولية التنظيمية والسياسية، ومنطلقي في ذلك كله النظرة اعلاه. فلم تكن هناك ضغوط للاستقالة لكي اصمد بوجهها.. على العكس كانت هناك ضغوط للبقاء، فقاومت اغراءات الموقع، وغفلة التسويف، ودفعت ثمن الوقوف ضد التيار. لن اتكلم الان عن تجربة رئاسة الجمهورية او غيرها، بل اتكلم عن الحدث الجاري الذي يهم الجمهور، وهو الشأن الوزاري. فلقد قدمت استقالتي في آب 2015، اي قبل 8 اشهر، وقبل ان يقدم الاخ الدكتور العبادي حزمة اصلاحاته الاولى. قدمت الاستقالة لانني كنت قد قدمت عدة مذكرات منذ الايام الاولى لتشكيل الحكومة، تتضمن رؤى في الاصلاح والانطلاق بالبلاد.. وكانت لي وجهات نظر اطرحها باستمرار في اجتماعات مجلس الوزراء او اجتماعات اللجان الفرعية، او اكتبها يومياً في افتتاحيات تنشر وتوزع بشكل واسع.. فعندما اجد ان هذه كلها لا يلتفت اليها، وان المسارات الاصلاحية تأخذ مسارات اخرى في اتجاه اخر تماماً، عندها لا يبقى من مجال سوى ترك موقع المسؤولية، وترك الحرية لمن كُلف بالمسؤولية الاولى، في تقرير المسارات الصحيحة.. فالوقوف معارضاً في مواقع القرار يعني تعطيلاً وانشقاقات سيلام عليها المرء دون نتيجة.. والسكوت والاستمرار سيعني القبول بالخطأ والاستمرار عليه.
ان يشارك الانسان كوزير في وزارة، لا يعني القبول بوظيفة لتنفيذ الاوامر –ولو الودية والمؤدبة- ليس الا.. الوزير بصفته الحقوقية شخص مسؤولية وقرار، وهو شخص سياسي يشترك ورأسماله هو خبرته وسمعته ووزنه في تبني وامضاء سياسات تلبي مطالب الجمهور والراي العام، او جزءاً مهماً منه. وفي جميع الوزارات الائتلافية فان المنهاج المطروح لنيل الثقة هو ليس رأي شخص، بل هو القواسم المشتركة للقوى المؤتلفة. لذلك عندما يجد الوزير او الوزراء ان خبرتهم واوزانهم وسمعتهم تستثمر عملياً –ولو بدون علم او بحسن نية- في غير الاتجاهات المقبولة لديهم، وعندما يجدون ان جهدهم للاقناع وتغيير الاتجاهات لا تجدي نفعاً، لا يبقى امامهم سوى سحب رأسمالهم لبذله فيما يعتقدونه من مشاريع سليمة وصحيحة.
كلمني مشكوراً السيد رئيس مجلس الوزراء الاخ العزيز الدكتور العبادي مساء يوم امس، اي الاحد الماضي.. وقال انني لا اقبل استقالتك.. عبرت لسيادته عن شكري، وتمنيت له النجاح، مؤكداً ان استقالتي لا رجعة فيها، وانني اؤكد على اهمية اختيار البديل بالتشاور مع كل من له علاقة، وانني اتمنى تكليف احد الاخوة الوزراء او استلامه هو الوزارة وكالة. فالاستقالة بالنسبة لي ثقافة ومنهج سرت عليه، وسابقى سائراً عليه، سواء في مواقع المسؤولية الحكومية او التنظيمية، وهو ليس هروباً او خضوعاً للضغط، بل على العكس انه الجدية، والتصدي للضغوطات الاكبر، والخروج من مواقع يراها معطَلة ومطوقة الى مواقع يراها فاعِلة ومنفتحة، والاندكاك في مشروع الخدمة والاصلاح، والاخلاص للمهام التي يتحمل المرء مسؤوليتها، وللوصول لاصح المسارات.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

ملحق العدالة

Capture

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
15°
18°
Thu
17°
Fri
الافتتاحية