Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

الدستور الذي ظلمه كثيرون، ضمانة لحقوقنا ووحدتنا

الافتتاحية - عادل عبد المهدي - 0:26 - 27/09/2017 - عدد القراء : 2145

لم تكتب في تاريخ العراق المعاصر وثيقة مهمة كالدستور، ولم تظلم وتشوه وثيقة كالدستور. فاصبح شماعة لاصحاب الاعتراض والمشاكل. فمن يعادي النظام او من يريد التفرد يهاجم الدستور ويحكم ببطلانه.. ومن يريد انتهاك حقوق الانسان والعودة للتعذيب وسياسات الاكراه ومنع الناس من التعبير عن حرياتها عبر الاعلام الملتزم والتظاهر هاجم الدستور، واتهمه باشاعة الفوضى.. ومن يريد ان يقسم البلاد ويتجاوز على سيادتها ووحدة شعبها واراضيها يتهم الدستور.. ومن يريد الاعتداء على حقوق الافراد او الجماعات، ويمارس العنف، ويؤسس لمحاكم خاصة، او يفرض ضرائب اضافية، او من يريد منع الفصل بين السلطات والتدخل في القضاء والعودة للحكم  المركزي ويلغي اللامركزية والفيدرالية ومحورية النظام البرلماني، ويلغي حق المواطنين في انتخابات حرة، ويتلاعب بالسلطات والصلاحيات والسياقات على هواه، او يروج للطائفية والكراهية والفساد والمحاصصة ويتصرف بدون حساب بثروات البلاد وحقوقها سيستند لمواد ويتنصل عن اخرى. باختصار يتعرض الدستور لانتقاد من الجميع تقريباً، لان اي منا لن يجد في الدستور كل ما يريده ويرضيه.. وهذه هي مهمة الدستور، بان يحمي ما هو حق، وان يوقف كل سلطة عندما تتجاوز على سلطات غيرها.. وان يحد كل رغبة عندما تتعدى على رغبات غيرها، وان يوقف كل حرية عندما تنال من حريات غيرها. فلا خير في دستور لا توجد به مضادات، هي في الحقيقة توازنات، تعكس كل حقوق وتنوعات ومشتركات المجتمع.. حيث مهمة الدستور تصريفها في سواقيها، ومنع تصادمها ووضع كل امر في نصابه ليعرف حدوده وصلاحياته وحقوقه.

نعم لا يحترم كثيرون منا مبادىء وروح ونصوص الدستور، وغالباً ما نخرقها ونتلاعب بها.. لكن منع ذلك لم يكن ممكناً، ولن يكون ممكناً، لولا ان لدينا دستور نستند اليه لوقف الخروقات. نعم توجد نواقص في الدستور، وهناك تعديلات باتت ضرورية.. أ) فهو النص البِكر الذي لم يكن واعياً عند ولادته كل حقائق الحياة.. ب) ولان التقادم وتطورات الاحداث تفرض تعديلات لسد ثغرات كشفتها التجربة. فالبعض يفكر ان الدستور هو موسوعة طبية فيها الامراض والعلاجات.. بينما الدستور هو عقد ومبادىء يؤكد الثوابت، ويكيف المشتركات، ويولف المتضادات بمبادىء عامة، ونهج ونظام محدد لتأتي القوانين واللوائح لتكمل المهمة التي بدونها سيبقى الدستور مياهاً بدون خزانات وقنوات وسواقي.

يقولون ان الدستور هو سبب المحاصصة والفساد والهدر والطائفية والاثنية.. ويقولون ان الدستور فكك الدولة ومؤسساتها وقسم الشعب وبذر فيه روح الشقاق. فهو حقل الغام.. بينما لو تمتعنا بقليل من الانصاف والموضوعية لاتفقنا ان الدستور هو العلامات التي وضعت على كل لغم في حقل من الالغام، يعيشه العراق منذ وقبل تأسيسه والى يومنا. فالالغام لم يزرعها الدستور، بل زرعتها اعمالنا نحن الشعب، ونحن الحكام طوال عقود من الزمن قبل اعداد الدستور وبعده.

لذلك عندما نقول ان الدستور هو الحامي لوحدة البلاد وسيادتها، وأمنها، والضامن لحقوق افرادها وجماعاتها، وانه المرجعية عند الملمات والاختلافات، فاننا لا نجد برهاننا لدوره ومكانته في الانتقادات والتشويهات التي نالت منه.. بل نجدها في لجوء الجميع اليه عندما تتوقف كل النقاشات، ونواجه ازمات خطيرة ومنعطفات حادة، كما يحصل اليوم. فمن ذهب للاستفتاء تحجج بالتخلي عن الدستور، ومن رفض الاستفتاء تحجج بعدم قانونيته مستنداً الى الدستور. ومن يدعو للحوار لا يقبل الا ان يكون الدستور اساسه، ومن يطلب التعديل يطلبه وفقاً للدستور. فهناك مرجعية في الصغيرة والكبيرة يدور الجميع حولها، والتي اسست لنفسها سلطة عليا تتجاوز شخوصنا وانفعالاتنا ومواقفنا لتحمينا، وترشدنا، وعينا ذلك ام جهلناه. فيمكننا ان نستمر بالنيل من الدستور، لكننا عند ساعات الفصل لن نستطيع ان نناقش ونحاور ونختلف ونتفق دون العودة للدستور.. بل لن تستطيع الدول الاخرى والمؤسسات العالمية التعامل مع العراق الا عبر الدستور، الذي اسس لشرعية، اعترف بها الجميع، ومنهم الشرعة الدولية، وصارت واقعاً لا يمكن تغييره دون ارادة العراقيين، كل العراقيين.

عادل عبد المهدي

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

الطقس في بغداد

بغداد
19°
28°
السبت
28°
أحد

استبيان

الافتتاحية