Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

الديمقراطية والثورية

الافتتاحية - عادل عبد المهدي - 2:12 - 20/04/2016 - عدد القراء : 3001

ليس اعظم من ان يكون الانسان ثائراً على الظلم والجور والاستبداد والاستعمار ولتحرير بلاده ووحدتها. لكن الثورة والثورية لها ظرفها ومكانها.. فالثورية بتعريفها الاول هي كسر قيد النظام، وانقلاب في جوهر المفاهيم، بهدف الانتقال مثلاً من العبودية الى الانعتاق، ومن الجاهلية الى الاسلام، ومن التبعية الى الاستقلال، ومن الاستبداد الى العدل والحرية. فالثورية كنظام جماعي هو مرحلة، ستتحول الى فوضى، بل الى ظلم وعدوان، ان مورست خارج زمانها واطارها. والثورية كمفهوم معاصر انتقل الينا من التجربة الاوروبية، وجاءت ترجمتها العربية غير دقيقة.. لذلك استخدمت شعوب كثيرة مفردة “ريفوليسيون”، وترجمناها ثورة، وترجمها الايرانيون “انقلاب”، وهذا اقرب للصحة.. باعتبار ان الـ”ريفوليسيون” هي اكتمال الدورة، كانقلاب الفصول الاربعة او التعاقب و”اختلاف الليل والنهار” بمعنى الانتقال من حالة الى حالة متداخلة لكنها مختلفة، بل مناقضة كلياً. وان استخدامنا لكلمة “الثورة” قد اخذت الجانب الظاهري والعنفي لحظة الحدث، وليس الجانب العلمي للتداخل والتعاقب والاختلاف من حال الى حال.
اننا كعراقيين -عانينا من ظلم النظم السابقة- وقررنا بعد الاتكال على الله، وبتوجيه من مرجعيتنا وباستطلاع من اغلبية شعبنا وبوحي من ضميرنا تأسيس نظام ديمقراطي ينتخب الشعب فيه حكامه.. ورفضنا نظام “المجمعات الانتخابية” اي “حكم النخب والمضابط الانتخابية” الذي اقترحه “السفير بريمر”. ونادينا بنظام يقوم على دستور دائم، يستفتى الشعب عليه بعد ان تقره جمعية وطنية منتخبة من الشعب نفسه.. فاسسنا بارادتنا نظاماً ديمقراطياً. وذهبنا الى صناديق الاقتراع، وسط اجواء من الحريات المطلقة، معتمدين “البطاقة التموينية” التي اعدها النظام السابق كسجل انتخابي.. فشارك كل من اراد المشاركة، حتى الد الخصوم، وقاطع من قاطع واعترض من اعترض. واقررنا دستوراً، وانتخبنا برلماناً، اولاً وثانياً وثالثاً.. ومنحنا الثقة لحكومات نستطيع الاطاحة بها بتصويت الاغلبية البرلمانية دون حاجة لجيوش اجنبية، او انقلابات عسكرية، او ثورات شعبية. بكلمات اخرى دخلنا مرحلة جديدة نستطيع ان نغير فيها كل شيء عبر الاساليب الديمقراطية وممارساتها المعروفة.
لاشك ان الانتقال من مرحلة لاخرى لا يتم بين ليلة وضحاها.. وان الممارسات لا تنتقل ببساطة من اخلاقيات المعارضة والثورة الى اخلاقيات الدستور والقانون والنظام والديمقراطية.. وان ثغرات اساسية ما زالت قائمة في بنى النظام وفي انتخاباتنا وممارساتنا.. وان اخطاءاً ارتكبت وترتكب.. وان الامور لا تسير عملياً كما يقرر نظرياً.. فالكثير من الممارسات والمفاهيم ستبقى مختلطة ومتداخلة لفترة من الوقت سواء على صعيد الفرد ام النظام.. لكن هذا كله لا يبرر ان نستمر على ذلك.. فنكون مرة “ديمقراطيين” نتحمس للانتخابات والدستور والقانون والمؤسسات ولمفاهيم الاقلية والاغلبية ولفوز مرشحينا، لنعود فنكون “ثوريين” نريد ان نغير الامور بالقسر والقوة والفرض، وكما تقرره مصالحنا وارادتنا الخاصة فقط.
نقصد بكلامنا كل ما يجري اليوم في الشارع والبرلمان والحكومة.. فالاحتجاجات والاعتصامات ممارسة ديمقراطية، لكن رفع بعض المتظاهرين نماذج لمشانق وحبال سحل، وتطويق الوزارات وتعطيل المصالح العامة وتهديد الافراد والمواطنين، ممارسة غير ديمقراطية.. والتغييرات الوزارية والتصويت بالثقة على كائن من كان ممارسة ديمقراطية، لكن الفرض والاملاءات وأخذ البلاد رهينة، ممارسة غير ديمقراطية. كذلك رفض احتكار المواقع والمحاصصة ممارسة ديمقراطية، لكن ان يستثني البعض انفسهم، سابقاً او لاحقاً، هو ممارسة غير ديمقراطية.
لقد تصرفنا ونتصرف في البرلمان والحكومة والشارع كـ “ثوريين” قبل ان نتصرف كدستوريين وديمقراطيين. وحاولنا استثمار مواقعنا، لتعزيز قوتنا واضعاف منافسينا، ولفرض ارادتنا على الدستور والقانون، اللذين يجب ان يحكمانا وليس العكس.. فالثورة في مكانها ضرورة، والديمقراطية في مكانها ضرورة.. لكن الاولى تتحول الى عدوان وفوضى وتخريب خارج اطاراتها وظروفها ومكانها.. وتتحول الثانية الى شعارات فارغة وغطاء للظلم والاستبداد، خارج اطاراتها وظروفها ومكانها ايضا. وعلينا ان نقرر اما ان نكون جميعاً دستوريين وديمقراطيين حقاً.. او ان نكون جميعاً ثوريين ومعارضين حقاً. فالدستور والنظام الديمقراطي للحياة المدنية والسياسية، كالشرع للمتشرع في الحياة الدينية. فمن يريد الغش والاستعلاء والعناد، ويؤسس حكما بنفسه ولنفسه فوق كل شيء، فسيصبح –في الحياة المدنية والسياسية- دكتاتوراً ومخرباً.. وسيكون –دينياً وشرعاً- كمن {اتخذ الهه هواه} يشرع لنفسه، فوق شرع الله.

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

ملحق العدالة

Capture

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
15°
18°
Thu
17°
Fri
الافتتاحية