Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

هل نتقدم ام نتراجع؟

الافتتاحية - عادل عبد المهدي - 0:35 - 28/09/2017 - عدد القراء : 2370

يقارن البعض بين هدوء واستقرار الدكتاتوريات وفوضى وتجاذبات الحريات.. ويقدم حججاً كثيرة بسبب الفوضى والارتباك والتناقضات والانقسامات والمعلومات الصحيحة والمفبركة وسهولة نقلها.. خصوصاً وان الحريات السائدة اليوم لا تؤطرها او تضبطها المؤسسات التي تفرض القانون والنظام. فتحولت في احيان كثيرة لاكاذيب وشتائم ومهاترات فيها من السلبيات ما لا يمكن قبوله، بل فيها من الاعتداء على الحريات ما يدفع البعض للقول، ما جدوى الحريات ان كانت ستؤدي لعدم الاستقرار والفوضى من جهة، والى الاعتداء والقتل والنهب والسلب من جهة اخرى. فيقولون، قد نخسر حريات في النظم الدكتاتورية لكننا نكسب هدوءاً واستقراراً وامناً لا توفره الحريات التي لا يضبطها قانون ونظام.

نعتقد ان هذه نظرة جزئية، ففي الحقيقة لا نكسب استقراراً وأمناً في النظم الدكتاتورية الا لشريحة معينة ولوقت معين. فالدكتاتورية تقوم على الخوف حتى من المستفيدين منها، لان قانونها لا يعمل، وقوتها لا تتحقق الا بالتفرد، والمزيد من التفرد، الذي يصيب في النهاية اقرب الحلقات ولترتد في النهاية على الدكتاتور الاول نفسه. ولسنا بحاجة لبرهان هذه الحقيقة، فتجربتنا في العراق قدمت لنا عشرات الادلة على ذلك.

وللدارسين في شؤون المجتمعات وتطوراتها، فانه لا توجد حريات وديمقراطية ووحدة وطنية ودستور يفرض احكامه ولدت بدون مخاضات وارهاصات معقدة. والمشكلة ليست كما نسمعها من البعض ان شعبنا منقسم بطبيعته وغير مستعد لممارسة الحريات والديمقراطية، واننا بحاجة لمستبد عادل، او لدولة قاهرة، او لمستعمر وراعي اجنبي ليعلمنا الحرية والديمقراطية. فهناك مجتمعات عاشت مراحل اكثر وحشية وقسوة، ومرت بتجارب من الاحتلال والفوضى والفساد والاقتتال اكثر بكثير مما عرفناه او نعرفه حالياً.. لكنها استطاعت في النهاية موضعة مرتكزاتها الاساسية في مكانها الصحيح. بل نرى ان في تجاربنا الكثير من المقومات التاريخية والقيمية والدينية والاجتماعية التي تسمح باعلى درجات الحقوق والحرية والديمقراطية والوحدة وقبول الاخر. فالمقومات موجودة، شأننا شان الشعوب الاخرى، وقد شهدناها في تاريخنا قبل قرون، ويمكن ان نجددها ونضيف عليها، فكل شيء رهن ايدينا. فنحن اهل شرائع ولوائح وعقود سماوية ووضعية، لكن الامر يتطلب شرطاً اساسياً لابد ان يتوفر، لتحقيق الطفرة النوعية المطلوبة، ونقصد به انعقاد العقد. لذلك قيل “اهل الحل والعقد”، وقيل “العقد الاجتماعي” ومئات التعابير التي تدور كلها حول مفهوم ان الاجتماع او المجتمع سينتظم امره ان انعقد العقد، وسيبقى تائها منقسماً، متنازعاً مع نفسه وغيره بدونه. ومن يدرس تجارب الامم سيجد ان التدافعات، والخلافات، والانقسامات والاخفاقات، والاتفاقات، والنجاحات، والانتصارات، تعمل مجتمعة كالنار لصياغة العقد بما يناسب الشروط والظروف التي نعيشها في هذه المرحلة التاريخية. ليس بالضرورة عقداً مثالياً لا هفوة ولا ثغرة فيه، لكنه عقد يتفق عليه الفرقاء وأهم شرط فيه مبادئه وفاعليته. وستنهار احلام هولت مطاليبها وطموحاتها، وستتأكد قناعات، وتتعزز مسارات تبدو للبعض الان غير مهمة، لتقنع الوقائع اصحاب القدرة والقرار انه “لا يصح الا الصحيح”.. وسينتظم عقلنا الجمعي في عقد نتجاوز به المراحل السابقة، لندخل في مراحل جديدة تلبي كل طموحات الخير التي حملها شعبنا في تضحياته المستمرة، وتنبذ كل طموحات الشر التي وسوسها الشيطان في نفوسنا وفي نفوس غيرنا. فسنة الله سبحانه قانون ازلي في قوله {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}

ليست المشكلة الاختلافات بيننا مهما عظمت. فلقد رأت امم وشعوب مثلنا خلافات اقسى منها، ثم وجدت حلولها ومكانها في العقد المنشود. وامامنا طريقان، اما ان ننساق وراء المفاهيم الجارية التي انتجتها عهود الفوضى والاستبداد والفساد، وهنا لن نجدد سوى التجارب السابقة، لنخرج باستنتاج متسرع بانه لن ينفع معنا شي. واما ان نحترم ذكرى شهدائنا وتضحيات علمائنا وشعبنا ونحترم عقولنا ونعزز مشروع بناء المجتمع والدولة وارساء الحقوق والمسؤوليات للمواطنين افراداً وجماعات. فحياة الامم دورات فيها نزول وفيها صعود، وهناك اصرار من شعبنا على ان نكون في صف الامم الصاعدة، وليس العكس.

عادل عبد المهدي

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
34°
34°
Wed
33°
Thu
الافتتاحية