من بين عناصر الحوار اعلن النقد اعتزاله عن منصبه بعد ان اضاع هويته وتاهت وظيفته التي لأجلها تربع عرشه..
فبعد ان كان سلاحا ذو حدين يعلم من يمسك قبضته وعلى من يصوب طعنته بجانبيه السلبي والايجابي ، بات اليوم له حدٌ واحد فقط وهو السلبي يحمله الجميع ويصوبه نحو الجميع.. فالكل ينتقد الكل وبشتى الجوانب والطبقات، انا انتقد (س) والصاد ينتقد باء والألف ينتقدني والهاء ينتقد الصاد و…و..وتستمر الانتقادات وكأنها دائرة مغلقة صلبة لا تقبل التفرع ولا اللين ، الجاهل يرى نفسه عقل الخوارزمي والذكي يُدني الغبي ويحتكر الفكر له منتقداً قليلي المعرفة، والجاهل بدوره ينتقد الساذج ، حتى الافكار التي نطرحها لا نلقى عليها نقداً بنّاءً بل مليء بالاحباطات وكأن الذي ينهض اليوم وجب عليه البدء من القمة ،
كل جوانب الحيات علميةً كانت ام ثقافية او رياضية او سياسية نراها لا تحتمل غير لغة الانتقاد اللاذع .
فتحْتَ قبة الحرم الجامعي يلوي الاستاذ احدى زوايا شفتيه كعلامة لعدم اعجابه حين يقدم له الطالب قاف مشروع تخرجه فهو لا ينظر الى جهد الطالب الذي وضعه بين يديه بل سرعان ما يقارنه بما قدمه طالبٌ اخر يدعى لام ، غير انه لم يكن بالأمس راضياً على اللام ايضاً وانتقده.
وفي ازقة الدوائر طالما تذمر المواطن من عمل الموظف وانتقد تعامله مع المراجعين، في حين نرى هذا المواطن يواسي ابنه الموظف وينتقد معه تصرف المراجعين وإلحاحهم بإكمال معاملاتهم بأسرع وقت .
وفي المستشفيات والمراكز الصحية يعجز وصف الحال والله يكون في عون الطرفين الكادر الطبي والمواطنين ..
أما عالم الحياة الاخضر الذي يتراءى للمرء انه عبارة عن فسحة تبعث الامل والهواء النقي للذات.. لكن ما وراء الابواب تكمن الأساطير.. فعالم الرياضة داخله للأسف ليس كما يبدو، فمجرد ما نجتاز عتبة الباب تلفح وجوهنا رياح الحقد المنبعثة من بين الثنايا المتعادية داخلياً المتصافية ظاهرياً.. الكل ينتقد ما يقدمه الكل ولا احد يُعجب بما يفعله الاخر او بالأحرى ما يُحققه الاخر من انجازات محلية كانت او دولية.
ونأتي للرحى التي تعمل على تدوير مهام الشعوب.. فالسلطة التي يقتضي عملها تأمين حياتهم.. نرى اليوم كل فرد منهم تمنى لو ملك عدة أذرع ليشير بها للجميع مُنتقداً قراراته مُتهماً اياه بالتقصير..
وسط هذه الضوضاء العارمة حتى النقد ملّ منا بعد ان رأى نفسه سكيناً يُحمل للطعن فقط، لذا قرر اعتزال منصبه ومغادرة ارض الحوار.