كُلنا شهد في الآونة الأخيرة الموجة التي عمت بين شباب العراق، وكُلنا رأى تهافتهم على الرحيل وترك العراق وهجرتهم الى أوربا وغيرها من دول الخارج، هي ليست هجرة للدراسة أو السياحة، هم هاجروا لتحسين معيشتهم أو البحث عن الأمان والإستقرار حسب ما يدّعي البعض منهم. ولكن … لو تمعنا قليلاً الى إسباب تلك الهجرة الجماعية لهؤلاء الشباب، لوجدنا أغلبها هي للهروب من المسؤولية وعدم تحملها، في وقت يحتاج البلد إلى وجودهم لحمايته والدفاع عن أرضه ومقدساته. نرى إن بعضهم هاجروا ليعيشو في سلام تاركين أهلهم بدون سلام، والبعض الآخر يريد تحسين معيشته والإرتقاء بها، والأدهى… هناك من يرغب في تغيير عادات وتقاليد مجتمعه، وإنضمامه إلى مجتمع تختلف فيه القيم التي عاشوا وتربوا تحت سقفها. نراهم لم يبالوا لتركهم أهلهم كبار السن كأمهاتهم وأبائهم، وهناك من لم يكترت لتركه أطفاله وزوجته، تركوهم يعانون من سوء إستقرار وضعهم الاقتصادي ومن دون الإطمئنان عليهم. لو نظرنا الى هذه الأسباب التي هاجروا بسببها لوجدناها تحمل الكثير من الإرباك في نسيج مجتمعنا العراقي، لأنها تدعو إلى التهرب من المسؤولية، وعدم السعي لوقوفهم يد واحدة لإيجاد حلول جذرية لمشاكلهم الاجتماعية والامنية، في الوقت الذي يعاني فيه البلد من حاجته الماسة الى وجودهم لتحمل المسؤولية والعيش بسلام وكرامة، والوقوف بوجه المصاعب والمحن والتغلب عليها. إن أغلب الذين هاجروا يعتقدون إنهم سوف يعيشون حياة كريمة مليئة بالسعادة، في وسط المناظر الخلابة والحياة المترفة، ولكن حينما وصلوا الى وجهتهم، تحول حلمهم الى كابوس مظلم، يتمنون لو يفيقوا منه، ويرمون جلوسهم في بيتهم المليء بحنان الأهل، يتمنون وجه أمهم التي كانت تعتني وتهتم لأمرهم وطعامهم وشربهم وفراشهم، يبكون على الأيام التي خلت ويتمنون وجودهم بين أصدقائهم وأقاربهم وتسامرهم حين يجتمعون. وكثيرٌ من الأوقات ألتقي ببعضٍ منهم على مواقع التواصل الإجتماعي وألمس الندم الذي يعانيه الكثير منهم، وهم يتذكرون ذكرياتهم الجميلة التي عاشوها في بلدهم، تجرهم الحسرة حتى على المواقف الصعبة التي كانت تواجههم، وهم بين أهلهم وتضمهم أرضهم التي رعتهم، ويعتبرون صعابهم تلك ومآسيهم، أرحم بكثير من الغربة والعيش بعيدين عن ذويهم وأحبائهم. أبلغني أحدهم ان الدولة التي ذهب اليها لا يستطيع العمل بها، أو التجول فيها بحرية، إلا بعد إكمال الإجرائات الطويلة، فحينها يتمكن من الحصول على عمل، وليس له الحق في إختيار عمل معين وممارسته، بل هناك أعمال محددة يحق له مزاوالتها، ولاحظت أن أغلبهم يعملون أدنى الأعمال، أما عمال خدمة في المطاعم، أو تنظيف البيوت، أو مسح الأحذية، وهذه الأعمال يأبى معظم العراقيون مزاولتها، لما يمتلكون من عزة نفس في بلدهم، وإذا إضطر بعضهم مزاولتها (وذلك ليس بالأمر المُعيب أبداً) فيكون السبب عجزهم عن أيجاد مهنة تناسبهم لسداد رمقهم ورمق عوائلهم. أقولها آسفاً … الغربة أرغمت الكثير من العراقيين على الذلة، ولو كانوا قد تحدوا الصعاب ووقفوا يداً واحدة بوجه التحديات والمحن التي يمر بها بلدنا العزيز، لما كانوا قد عانوا من المهانة. هاجروا خوفاً من مواجهتهم الحقيقة، وهناك من هاجروا بسبب مشاكل شخصية يعانون منها، وهم لا يعون ان المشكلة الحقيقية تكمن في أنفسهم، وايضاً كان الأجدر بهم أن يسعون الى حلها، وليس الهروب منها والإعتماد على غيرهم في التخلص من تلك المشاكل، هؤلاء هم الكسالى الذين يتمنون ان يتحقق كل ما يبغونه دون جهد أو تعب، لأنهم لا يملكون الإرادة ولا المبادئ التي يمتلكها العراقي الأصيل الغيور. ولكن في الأيام القليلة التي تلت، لاحظت أن أغلبهم ينوون العودة، ولكن لا يمتلكون المال الكافي لعودتهم، فقد إستنفذوا جميع ما يمتلكون في الذهاب والهجرة. وهنا بدورنا نحذر جميع الشباب بعدم الإنجرار الى هذا المسار الخطير، لأن بلدهم بحاجة لوجودهم ووقوفهم بوجه التحديات الصعاب التي يمر بها بلدنا العزيز، وأيضاً أهلهم بحاجة إليهم للدفاع عنهم حينما يدرأهم خطر لا سامح الله، ومجتمعنا كذلك يحتاج هؤلاء الشباب لتعزيز أسسه وبنائه، وتحريره من أدناس المجرمين والعصابات الارهابية التي يعاني العراق من وجودهم. ونناشد السلطات في بلدنا لإنقاذ هؤلاء الشباب، وتقديم يد المساعدة لهم من خلال تقديم فرص العمل وتنمية أفكارهم، وترسيخ العادات والتقاليد التي تربوا عليها، وتعميق القيم الشرقية داخلهم لرفض الثقافات الدخيلة التي تستهدف إنحدار شبابنا نحو الأسفل.