Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

آليات الدفاع النفسية لدی بشّار بن برد

آليات الدفاع النفسية لدی بشّار بن برد
ادب وثقافة - 2:29 - 14/09/2015 - عدد القراء : 1626

يجد الإنسانُ نفسَه أحياناً عرضةً لاضطرابات حادّة، فيسعی إلی معالجة مشکلته، ومن إحدی تلک العمليات الدفاعية للتخفيف من مشاکله وللمحافظة علی توازنه الداخلي؛ هي آليات الدفاع النفسي. کان بشّار تحت ضغوط نفسية بحيث لم يمتلک الحسَّ بالأمن الروحي والنفسي، فحاول إقناع نفسه والتخلّص من الظروف القاسية؛ واستعمل آليات الدفاع النفسي بصورة لا شعورية لتقليل ضغوطه النفسية. تهدف هذه الدراسة إلی الحديث عن آليات الدفاع النفسي التي استعملها بشّار بن برد للتخفيف من ضغوطه النفسية. وما تقصد الدراسة الإجابة عنه هو هذا السؤال: ما هي آليات الدفاع المستعملة عند بشّار لنيله الهدوء والسکينة؟يجد الإنسانُ نفسَه أحياناً عرضةً لرغبات متناقضة واضطرابات حادّة، فيسعی لإيجاد حلولٍ ترضي ضميرَه، وقد يفشل في ذلک ويصبح عرضةً للاضطرابات النفسية والتوتّر، وقد يتعلّم في حياته أنواعاً من العمليات والسلوک تساعده علی النجاح، واحدة من تلک العمليات الدفاعية للتخفيف من مشاکله وللمحافظة علی توازنه الداخلي؛ هي »آلية الدفاع النفسي«. يحاول المرء أن يخدع نفسه بهذه الطريقة، ولابدّ من القول إنّ آليات الدفاع تتدخّل عندما يعجز المرء عن إيجاد حلول مناسبة لصراعاته ومشاکله النفسية. هدف هذا الباب إلی الحديث عن آليات الدفاع النفسي التي استعملها بشّار بن برد للتخفيف من ضغوطه النفسية.الفرضية التي يعتمدها هذا البحث هي أنّ بشّاراً لم يمتلک الشعور بالأمن الروحي والنفسي، فاستعمل آليات الدفاع لتقليل الضغوط النفسية الناشئة من إحباطه في الحياة.وما تقصد الدراسة الإجابة عنه هو هذا السؤال: ما هي آليات الدفاع المستعملة عند بشّار لنيله الهدوء والسکينة؟ إنّ للدراسات السابقة أهمية وفائدة کبيرتين في مجال البحث العلمي، والشقّ الآخر من هذه الدراسة هو جهد قائم علی الاستنتاج من کلّ ما جاء في الدراسات السابقة إلی حدٍ ما، فلابدّ من الرجوع إليها والاستناد عليها. فيما يلي نذکر بعض الدراسات التي ترتبط ببحثنا هذا:يذکر »يوسف حسين بکّار« من خلال دراسته »التعويض النفسـي عند بشّار بن برد« (1352ش) أنّ التناسي والتجاهل عن عاهته، الاعتداد بمقدرته الجنسية، اجادته في الوصف والصورة الشعرية، واعتداده بالتفوّق اللغوي؛ تعويض عن شعوره بعاهته، وخلصت دراسته إلی هذه النتيجة: أنّ بشّاراً قام بتعويضات مختلفة عن عاهته وضغوطه.وإليک فهرسة لميزة دراستنا وما أغفلته تلک الدراسات مقارنةً بما حاولنا اثباته: أغفل يوسف حسين بکّار في دراسته أن يجزم مباحثه بوجهات النظر عن علم النفس بحيث جعلها دراسة أدبية محضة، وفي حين أنّه أردف اسم دراسته بـ »النفسي«. أما نحن فقد جئنا في دراستنا بالنماذج الشعرية من ديوان بشّار، وأسندناها إلی علم النفس.ومن خلال استعراضنا للدراسات السابقة نجد أنّ جلّ الدراسات التي تناولت شاعرية بشّار، قد أشارت إلی خصائصه الفنّية وإلی زندقته وإلی مجونه و..، ولکنّها أغفلت دور نفسية بشّار استعانة بالمنهج النفسي -إلی حدّ کبير وهذا هو الشيء الذي تناولناه، فقد رکّزنا علی آليات الدفاع النفسي لدی بشّار، في حين أنّ هناک دراسات في نفسية بشّار، ولکنّها أغفلت آليات الدفاع النفسي لديه، ولم تتطرّق إليها تلک الدراسات کدراستنا هذه.بعد التأمّل في أوضاع عصرٍ عاش فيها بشّار بن برد، ومجتمعه، والظروف القاسية الحاکمة کالظلم والصراعات بينه وبين أعدائه، وتحقير وتمسخرهم عليه بسبب کونه مولیً، ووجود عوامل بيئية، عائلية، ووراثية، مثل الفقر، التنشئة الأسرية وذلّتها، قباحة وجهه، وعاهته التي أدّت إلی تکوين الکثير من المرارة والضغوط النفسية في ضميره، فتلک العوامل کلّها جرّته إلی تکوين عقدة النقص، إذ إنّ الإحباط والضغوط كثيراً ما يؤدي إلى الغضب والعدوان، فأدرک بشّار أنّه لا يستطيع مقابلة المبصرين من الشعراء، لأنّه کان يشعر أنّه مکشوف لبصرهم، وهم مستورون عنه لايستطيع أن يجسّد معايبهم الخلقية، وقد رسّخ هذا في نفسه کرهاً للناس وتبرّماً شديداً بهم.إنّ الشخص المصاب بعقدة الحقارة »النقص«، أو الذي يشعر بالحقارة يحاول أن يسدّ نقصَه الداخلي، أو لأجل إقناع نفسه على الأقل، يقدم على أفعال يتصوّرها صحيحةً ومناسبة، لهذا فإنّه يحاول أن يبرّر كلّ عملٍ من أعماله بأسلوبٍ معقول صحيح حتى يقنع الناس بذلك. وحين يؤدي الشعور بالحقارة إلی الانفعال عند الفرد، فسيسعی إلی مکافحة هذه الحقارة، والتخلّص من هذه الظروف القاسية، وإن لم يستطع الغلبةَ علی حقارته بسبب ضعفٍ ما أو لأسباب أخری؛ يشدَّد ذلک الشعور المرّ، ويعقبه بآلية نفسية .لکلّ فرد طبيعي أو غير طبيعي آليات للدفاع النفسي، وهي عمليةٌ تلقائية ومنسّقة تعمل لتقليل الاضطرابات النفسية، وهي أساليب عقلية لا شعورية تقوم بتشويه الخبرات وتزييف الأفكار والصراعات التي تمثّل تهديداً ما.والذي لم يتسلّح بهذه الآليات؛ فلن يقدر أن يدافع عن نفسه تجاه المسائل العاطفية والاجتماعية. ولعلّ أهمّ خاصية لهذه الآليات-كما تناولها أصحاب مدرسة التحليل النفسي- أنّها: 1. تحدث وتعمل لا شعورياً بحيث لا يفطن الفردُ إليها، فمستخدمها لا يعرفها أو يدركها على أنّها آليات دفاعية 2. أنّها قادرة على التكيُّف مع العوامل النفسية المشکلة 3. أنّ آليات الدفاع تُعدّ نوعاً من الحيل، وتحرّف وتنكر وتكبت أجزاءً جوهرية من الواقع 4. أنّ الاستفادة المتکرّرة منها هي سمةٌ لسلبية شخصيته .تحتلّ آليات الدفاع النفسية مکانةً هامّة في نظرية التحليل النفسي بوصفها جزءاً من الآليات الدفاعية التي يمتلکها الأنا في تعامله مع الواقع الخارجي، فعندما يعجز الأنا عن التوفيق بين الواقع الخارجي واندفاعات الهو ونواهي الأنا الأعلی ينشأ الصراع، وعندما يفشل الأنا في حلّ الصراع تتحوّل الطاقة النفسية المتضاربة إلی قلق لاشعوري غامض، ومن أجل صدّ هذا القلق الغامض والتغلّب عليه يقوم الأنا بحشد وسائل الدفاع النفسي التي تخفّف من حدّة القلق. لهو: هو مستودع الغرائز الفطرية والموروثية والرغبات، کما يحتوي علی عمليات مکتسبة تکوّنت نتيجة لعملية الکبت في أثناء الصراع مع البيئة، والهو هو الذي يدفع الفرد لتحقيق ملذاته وشهواته ولا يعترف بالواقع أو القيم أو القوانين. الأنا: هو الشخصية الخاصّة بالإنسان ممّا يميّزه عن الآخرين، ينشأ عن مواجهة الطاقة الغريزية بواقع البيئة، يميل الأنا بطبيعته إلی تحقيق رغبات الهو بما يتّفق والواقع ، وهو الجزء الشعوري الذي يوفّق بين مطالب الهو والبيئة الخارجية، »يحاول إن يضع مبدأ الواقع محل مبدأ اللذة الذي يسيطر علی الهو.. وهو نظام معقّد من العمليات النفسية التي تکون بمثابة الوسيط بين الهو والعالم الخارجي«.الأنا الأعلی: يقوم بعملية الکفّ وردع الفرد عن إتيان ما يخالف القيم والمثل والقوانين وهو لا شعوري إلی حدّ کبير ، وفي وجوده تحترم اللياقة الاجتماعية والکرامة الإنسانية. كان فرويد أوّل من تحدّث عن آليات الدفاع النفسية، ورأى في هذه الآليات نوعاً من الحلّ النفسي الاضطراري لتجنّب الصراعات. أما ابنتُه آنا فرويد؛ فقد كانت أوّل من عمَّق ووسّع مفهومَ آليات الدفاع وقد أجرت أوّل دراسة تامّة ومنتظمة عنها، وصنّفت عشرة أشكال من آليات الدفاع النفسي.
فإذا استخدمت الحيل الدفاعية بشکل مسرف فإنّها تمنع الفردَ من التعامل مع الناس بطريقة واقعية، وتؤثّر سلبياً في نموّه، وتنکر الواقع، وتغير تفکيرنا.عبّر عنها علماءُ التحليل النفسي بأنّها تشكل أنماطاً سلوكية لدفاع الأنا عن نفسها في سبيل إعادة التوازن للشخصية. تسبّب أن يحمل الفرد تکيفاً مع الجوّ المتوتّر. ليست هذه الحيل الدفاعية متساوية فيما تترک من آثار علی الشخص.آليات الدفاع اکتسابية، وتستعمل للحيلولة دون فقدان الأنا لقيمتها بصورة تلقائية. هي أساليب عقلية لاشعورية تقوم بتشويه الخبرات وتزييف الأفكار والصراعات التي تمثّل تهديداً، وهي تساعد الناس على خفض القلق حينما يواجهون معلومات تثير التهديد.فيما يلي استعراض لأهمّ آليات الدفاع التي لجأ إليها لاشعورُ بشّار للتنفيس عمّا يعتمل بداخله من صراعات وتنافس :التقمّص أو التوحّد: »يكتسب به الشخصُ بصورة لاواعية خصائصَ شخص آخَر تربطه به روابط انفعالية قوية«، ويستعير ويتبنّی وينسب إلی نفسه ما في غيره من صفات مرغوبة، ويتراءی علی غرار ذلک الشخص للحدّ من القلق.إنّه في الواقع بمعنی الاستلهام من الآخرين،وذلک يمهّد السبيل إلی الهوية، ويقوّي الثقة بالنفس لدی الفرد.من المستحسن أن نشير إلی أنّ التقمّص يشبه الإسقاطَ ولکنّه يأخذ اتجاهاً معاکساً، فبدلاً من أن يکون الفرد بعيداً من نفسه کما يحدث في الإسقاط، فإنّه في التقمّص يأخذ خصائصَ فردٍ آخر. فنری بشّاراً يعتبر نفسَه مثل الخليفة في المقام والمکانة الرفيعة، ويساوي نفسه معهم، رغم أنّه کان ضريراً مولیً؛ کلّ ذلک ليغطّي علی عاهاته ويرفع نفسه:
يغدُو الخَلِيفَةُ مِثلِي فِي مَحَاسِنِهِ وَلَستَ مِثلِي فَنَم يا مَاضِغَ المَاءِ
وفي مکانٍ آخر يجعل نفسه في معرکةٍ رافق فيها المقاتلين، ويجعل نفسَه في معرکةٍ جنباً إلی جنب المحاربين:
أحَلَّت بِهِ أُمُّ المَنَايا بنَاتِهَا بِأسيافِنَا، إنَّا رَدَی مَن نُحارِبُه
إذا المَلِکُ الجَبّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ
مَشَينَا إليهِ بِالسُّيوفِ عَاتِبُه
التکوين العکسي: عبارة عن إبدال المشاعر المسبّبة للحصر بمشاعر مناقضة لا تتسبّب فيه، کالذي يخاف ولا يريد أن يطلع الناس علی خوفه، فيظهر الشجاعة ويغالي فيها، أو کالذي يضمر الکراهية وتستبدّ به ميولُه العدوانية فينجح في کبتها بأن يظهر الحبّ ، معنى التكوين العكسي هو أن يحاول الإنسان تبنّي اتجاهٍ ما أو رأي معين في مسألة أو قضية مطروحة، ولكن هذا الاتجاه أو الرأي يخالف ما يضمره من آراء أو اتجاهات، تسبّب له ضيقاً أو قلقاً أو شعوراً بالذنب.فإنّ الإنسان قد يُظهر سلوكاً لكنّه يخفي السلوك الحقيقي، کما قلنا فإظهار سلوك المودّة والمحبة المبالغ فيهما، قد يكون تكويناً عكسيّاً لحالة العدوان الكامن الذي يمتلكه الفردُ في داخله. وإذا تأمّلنا في هذه الحالة وجدنا أنّ الإنسان يحاول تكوين مقاومة مضادة، خلالها يخفّف من وطأة مشاعره المرتبطة بما يضمره من اتجاه أو آراء مضادة لما يعلنه.
الاستدماج)الاحتواء): »يقوم الفرد باستدماج الموضوعات التي يهتمّ بها في داخل ذاته بحيث تصبح جزءاً من ذاته، کأنّ الفرد يمتصّ موضوعات العالم الخارجي ويدخلها، أو يبتلعها في ذاته«. والاستدماج عبارة عن آلية دفاعية لا شعورية، يأخذ فيها المرء لنفسه خواص وقيم شخص آخر أو مجموعة أخری تربطه به روابط عاطفية قوية جداً. في الواقع هو امتصاص الفرد في داخله قيم الآخرين.
التقديس:حيلةٌ دفاعية، تستخدم لرفع قيمة الفرد بشكل مبالغ فيه، فيصف ممدوحه بكلّ المحاسن التي فيه، ويضِف عليها محاسن أخری يبالغ فيها ثمّ ينسب جميع هذه المحاسن لنفسه أيضاً، ويحدّ من الصفات السلبية ليجعلها أدنی مستوی. من أهم عيوب هذه الحيلة، أنّها تبعد الشخص عن الحقيقة.کان بشّار يفتخر في عهد بني أميّة بکونه مولیً من قبيلة قيس وذلک بسبب التشدّد والعصبية السائدة علی عصره، ولکن في العصر العباسي تغيرت سياسته تجاه العرب، فانصرف عن ولائه وحبّه إليهم، وأزدراهم، انظر إليه وهو يبالغ في مدح أجداده وکيف ينسب لنفسه وأجداده صفات قدسية، ويبرّئ نفسه عن الصفات القبيحة.
الإسقاط: هو ما يعني إطلاق الأفكار والانفعالات الموجودة والأفکار والآمال داخل الفرد خارج ذاته، بعبارة أخری هو أن ينسب الفرد ما في نفسه من عيوب وصفات غير مرغوب فيها إلی غيره من الناس ويلصقها بهم. کما يری «نرمان لي» أنّ: «الإسقاط ردّ فعلٍ تعويضي يستعمَل لأجل الإحالة دون الاضطراب». وهذا الهجاء من بشّار لعجرد بترک الصلاة:
وَ کَيفَ يُؤدِيکَ عَلَی طَائِلٍ مَن لَا يُصَلِّي، إنَّهُ طَامِثُ
ومنه أيضاً في الهجاء لأبي هشام الباهليّ:وَ مَجِنتَ حتَّی مَا تُصَلِّي رَکعَةً وَ نَسِيتَ مَا قَالَ النَّبِيُّ مُحَمَّدُ
هذه الأبيات إشارة إلی اتّهام بشّار حمّاداً بالزندقة لمجونه في شعره وعدم اعتناقه بالدين الإسلام، وقوله بالثنوية في عبادة اثنين.
التجنّب أو الإحجام:«يحدث التجنّب بصورة مَرضية في حالات الخوف المرضي حيث يتّجه المصاب إلی الابتعاد تماماً عن مصدر الخوف رغم عدم وجود مبرّر کاف لذلک، وفي حالة اضطراب الشخصية الاجتنابي يميل الشخص إلی العزلة والابتعاد عن الآخرين نظراً للخجل والحساسية الشديدة للانتقاد»مع أنّ بشّاراً هجّاء، ولم ينجُ أحد من شرّ لسانه، لکنّه هنا نراه قام بالتجنّب عن الدخول في المشادات. .

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
38°
36°
Sat
34°
Sun
الافتتاحية