Menu
Al-adala
Al-adala

بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
صدق الله العلي العظيم

أمل دنقل وديمقراطية الشكل الشعري

أمل دنقل وديمقراطية الشكل الشعري
ادب وثقافة - صبحي حديدي - 1:07 - 25/05/2016 - عدد القراء : 2393

قد يكون مفيداً، بين حين وآخر، أن يخرج الحوار حول قصيدة النثر العربية المعاصرة من ثنائية الدفاع مقابل الهجوم، من جانب الأنصار والخصوم؛ إلى خيار ثالث يسعى إلى عقد «هدنة» من طراز ما، تتيح تلمّس الصلات بين هذه القصيدة وأشكال أخرى في الكتابة الشعرية، تفعيلية وموزونة عموماً؛ لا يلوح ـ للوهلة الأولى، على الأقلّ ـ أنها يمكن أن تهادن شكل قصيدة النثر. في عبارة أخرى، هل يجوز الحديث عن أثر إيجابي، وتطويري، مارسته تجربة الشاعر المصري الكبير أمل دنقل (1940 ـ 1983) على أصوات قصيدة النثر المصرية المعاصرة، رغم موقف الراحل السلبي عموماً من هذا الشكل الجديد؟في حوار أجرته اعتماد عبد العزيز، ونشرته مجلة «إبداع»، سنة 1984، كان دنقل، الذي مرّت يوم 21 من هذا الشهر ذكرى رحيله، قد سُئل عن رأيه الصريح في قصيدة النثر، فقال: «إذا كان الإيقاع عنصراً هاماً جداً من عناصر التوصيل بين الشاعر والقارئ، فلماذا نتخلص بأيدينا من هذا العنصر، خاصة إذا عرفنا أنّ الإيقاع في الشعر بالنسبة للأذن العربية والمستمع العربي هامّ جداً؟ وأنا أرى أنّ الفيصل في أي لون أدبي هو الوصول للناس. فهل استطاعت قصيدة النثر حتى الآن أن يكون لها جمهور حتى بين المثقفين؟ هل استطاعت أن يكون لها خصائص فنية مستقلة عن القصيدة الحديثة؟ لا أعتقد أنها فعلت ذلك».الأرجح أنّ الراحل كان، مثل العديد من الشعراء والنقّاد آنذاك، يراهن ضمنياً على أنّ شكل قصيدة النثر لن يعيش طويلاً، أو أنّ هذه القصيدة سوف تبقى حكراً على عدد محدود من الشعراء الذين شرعوا في كتابتها منذ أواخر الخمسينيات (أمثال محمد الماغوط وأدونيس وتوفيق صايغ بصفة خاصة)؛ ولن يكون لها حظّ عند الأجيال الشابة من الشعراء. ولقد تبيّن، بالطبع، أنّ موجة هذا الشكل لم تكن عابرة بل عارمة، فلم ينقضِ وقت طويل حتى تسيّدت أشكال كتابة الشعر في مستوى الكمّ، وبات من النادر اليوم أن نعثر على صوت شابّ جيّد يكتب قصيدة التفعيلة، فما بالك بعمود الخليل!ولقد سبق لي أن ساجلت بأنّ تطوّر مشروع دنقل الشعري كان كفيلاً بتحقيق مقدار متقدّم من «ضبط التوازن» المطلوب بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، إذا جاز الحديث عن هذا الطراز من التوافق في التجارب الإبداعية والجمالية، وفي حياة الأشكال الشعرية بصفة خاصة.وكنت، وأظلّ، أرى أنّ شعر دنقل يشكّل حليفاً طبيعياً لبعض أصوات قصيدة النثر العربية المتميّزة الراهنة؛ فكيف لو أنّ الشاعر بقي على قيد الحياة، وارتقت شعريته إلى مصافّ أعلى، كما في وسع المرء أن يرجّح بقوّة، واتسع نطاق موضوعاته، واغتنت تشكيلاته الإيقاعية؟وكما أنّ قصائد محمود درويش وسعدي يوسف وأدونيس (حين يكتب التفعيلة) تظلّ حليفة قصيدة النثر العربية، وليست البتة خصمها اللدود، القريب أو البعيد؛ فإنّ قصائد دنقل كانت ستأخذ المنحى ذاته، داخل المشهد المصري تحديداً. وأغلب الظنّ أنّ آراء الراحل حول موسيقى الشعر والوزن والإيقاع، والتي قد تبدو اليوم محافظة أو متشددة، كانت ستشهد تحوّلات ملموسة بفعل التطوّرات الكبرى التي شهدتها نظرية الشعر في عصرنا. وهذا استنتاج لا ينهض من فراغ، إذْ ثمة في أحاديث دنقل وأفكاره النقدية سلسلة مواقف تقدّمية، وآراء ديمقراطية مرنة، إزاء أشكال كتابة الشعر.والراحل يقول، في حوار نشرته «فصول» سنة 1981: «الشعر الجديد لم يكن ثورة موسيقية، ومن هنا فإنّ مسألة إيقاع، وموسيقى العصر، مسألة أخرى تماماً. وما أراه أنّ الشعر الجديد هو خروج بالبناء الشعري من إطار الموسيقى إلى الإطار التشكيلي أو التصويري. وهذا التطوّر في الشعر كان يجب أن يتمّ منذ سنوات طويلة، وقد جاء نتيجة لأنّ القصيدة بعد أن كانت محفلية، أو مسموعة، أصبحت مقروءة. وقد كان يجب أن يتمّ هذا التطوّر في الشعر في عصر النهضة وظهور الطباعة وانتشار المجلات والصحف. ويترتب على ذلك إلغاء اللوازم الموسيقية المتعلقة بالسمع، أو بالأذن العربية، واعتماد القصيدة على الوسائل البصرية، وهي الأقرب إلى التشكيل».هل يتوفر شاعر واحد، يكتب قصيدة نثر ناضجة، يمكن أن يعترض على هذا الكلام، أو يرى أنه لا يمثّله، نظرياً في الأقل؟ أليس شيوع «قصيدة التفاصيل» و«القصيدة اليومية» هو نوع من مصالحة «نثر الحياة اليومية»، وهو مادّة قصيدة النثر في نهاية المطاف، مع حياة الشارع وشعريات البشر؟ وكيف يصحّ الاعتراض على خلاصة بديهية، مثل هذه التي قال بها دنقل: «التجاوز للواقع يحتاج إلى تجاوز للطرائق الفنية التي يتمّ بها التعبير عن هذا الواقع، واستحداث طرائق بديلة، واستجلاب لمذاهب فنية. أما اللجوء إلى الإيهام بمحاولة تغيير الواقع، [فإنه] الإيهام بالثورة عن طريق ثورة شكلية فقط»؟

blog comments powered by Disqus

مقالات مشابهة

العدالة PDF

Capture

ملحق العدالة

mulhaq-preview

استبيان

الطقس في بغداد

بغداد
27°
34°
Wed
33°
Thu
الافتتاحية